جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين في السوداني)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-03-2024, 03:59 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-27-2008, 03:36 PM

zuhair zenaty

تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف (Re: zuhair zenaty)

    الجزء الثاني :

    ويعيش في منطقة الجبال، بالإضافة إلى النوبا، بعض المجموعات العربية – أو هكذا تطلق على نفسها- مثل المسيرية، والحوازمة، وأولاد حميد، وتنتشر في المنطقة كذلك أقلية من الفلاتة، ويقطن منطقة آبيي دينكا نقوك، الذين اتبع البريطانيون إدارتهم إلى كردفان (جنوب كردفان حالياً) منذ العام 1905م، وباتت تشكل مشكلةً، في الصراع الدموي الدائر بين الشمال والجنوب. كما اقتطع البريطانيون منطقة المجلد -موطن دينكا نقوك، تحت كبيرهم ملوال كيريجي- ومنحوها للعرب المسيرية الزرق والحمر. أما المسيرية الزرق، فموطنهم حول جبل السنوط والمفرع، وينقسمون في كردفان إلى: أولاد أم سليم، والخزايا ،والديراوي، وأولاد أبو نعمان، وأولاد هيبان، وقد دخلوا في نزاع مع قبائل كردفان "النوباويَّة" ،بغرض التوسع. وينقسم الحمر إلى فرعين أساسيين: الحمر العجايرة، والحمر الفلايتة، وموطن الحمر بين البركة وشكا، ومن مراكزهم الأضية وأبوقلب، وفي فصل الدرت، يقيمون في منطقة المجلد.
    أما الحوازمة، فتقع منطقتهم إلى الشرق من الدلنج في جهات السنجكاية، وأم علواك، وبعض القرى بالقرب من كادقلي. وتنقسم قبيلة الحوازمة إلى ثلاثة أقسام: عبد العلي، حلافة، والرواوقة، ونتيجة لتوغلهم في جبال النوبة ،فقد اختلط بعضهم بشعب النوبا ،حتى إن بعضهم يسمى أولاد نوبا، وأخذوا كثيراً من أسماء النوبا "كوكو مثلاً"، وبعضاً من عاداتهم وثقافتهم، مثل المصارعة، ورقصة الكرنق. أما أولاد حميد فموطنهم حول تقلي، ويقولون أن: جدهم بابكر العباس من الجعليين، الذين نزحوا إلى كردفان في حوالي منتصف القرن الثامن عشر، حيث أقام في منطقة بين الرهد وشركيلة وفي جنوب غرب تقلي.
    أما الفلاتة، فهم في الأصل نيجيريين ،حضروا طوعياً، وسكنوا السودان ،أو جلبتهم السلطات البريطانية، قبل الحرب العالمية الأولى ،للعمل في تشييد سد مكوار (سنار). وأكثر هجرة جماعية حدثت العام 1903م بعد معركة بورمي، حيث فرَّ حوالي 25.000 لاجئ فولاني، واستوطنوا حول النيل الأزرق، ومنحتهم السلطات البريطانية الأرض للفلاحة. ومن أعيان الفلاتة أحمد عمر، الذي جاء من أقليم سوكوتو في نيجيريا، واستوطن أم درمان، ثم نزح إلى جبال النوبا ووجه نداءً للفلاتة للالتحاق به، ويقيم الفلاتة في جبال النوبا في الفرشاية، التكمة، البرداب، وتقلي.
    وفي المبتدأ، كانت كلمة كردفان، ترمز إلى جبل كردفان، الذي يقع بالقرب من منطقة العين، إحدى محطات السكة حديد بين الأبيض والرهد. وهو اصطلاح أخذ عن قول الأهالي (كلدفار) أي يغلي، وكلد، هذا هو: آخر ملوك النوبا، الذين احتلت منهم قبيلة الغديات جبل كردفان، وكان من عادة هؤلاء، التنقل خلف المرعى والماء، فَوُجِد بذلك اسم كردفان شيوعاً ،بين سائر السكان، حتى صار يغلب على بقية المناطق (عوض عبد الهادي العطا، تاريخ كردفان السياسي في المهدية (1881م – 1899م)، الخرطوم، 1973م).
    إن أهم ما يميز المجموعات "النوباوية" المتباينة –إضافة إلى عادات الأفراح والأتراح- التعدد اللغوي، حيث أن اللغة تلعب دوراً فعالاً في تحديد الفواصل العرقية بين هذه المجموعات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سهول جوس في نيجيريا وجبال النوبا في السودان، تعتبر من أكثر مناطق أفريقياً، تعدداً في اللغات، وفي هذين الإقليمين لتجدن القرى، التي تبعد بضع أميال عن بعضها البعض، تتحدث لغات مختلفة تماماً.
    هذه اللغات تطورت في غياب النفوذ الخارجي، حتى باتت تتميز بسمات لغوية خاصة. وقد أثبتت الجغرافيا والتاريخ ،أنه كلما استوطن الناس، بكثافة في مناطق جبلية، كلما تعددت وتنوعت اللغات، وتركز التحدث بها في مجموعات صغيرة. ويعرف علماء اللسانيات، اللغة: بأنها وسيلة للتخاطب والتخابر بين البشر، أما اللهجة فهي الاستخدامات المختلفة للغة الواحدة بين الشعب الواحد، أو المجتمعات المختلفة، فمثلاً لهجة الشايقية، في إطار اللغة العربية السودانية، أو لهجة البقارة وغيرهما.
    يدل النقاء اللغوي المبين، في جبال النوبا، على مقدار تمسك النوبا بثقافاتهم واعتزازهم بهويتهم، رغم تفشي الحروب القبلية ،وانتشار تجارة الرق على أيدي عملاء الاستعمار في تاريخ المنطقة قديماً، وحديثاً بوسائل اختيار الفتنة، وخلق المشاكل السياسية ،عبر اتخاذ سياسة لغوية وطنية، تحاول محو اللغات القومية الأخرى، وإزدراء وثقافات ومعتقدات النوبا.
    مما سبق من تعليل لأهمية اللغة، قسم عالم اللغات الألماني/ كارل مانيهوف، اللغات النوباوية، إلى ثلاثة مجموعات هي: لغة الجبال الستة، اللغات السودانية، واللغات التي تستخدم بادئة في ألفاظها. وتشمل المجموعة الأولى، نوبا جبل داير، دلنج، كدر، هبيلا، مجموعة كاركو (التي تضم دلمان، كندوكر، كوكندبكيرا، كاشا، وشيفر، مجموعة خلفان (بالإضافة إلى جبال مورونج)، مجموعة كدرو، مجموعة والي (والي بوباي، والي كوروم، ووالي أبو سعيدة)، أبو جنوك، طبق، وفجيرات (وتضم كيجا، شنشان، بوشا، سيجا، طبق، وأبو قرين)، فندا، كونيت (وتعرف باسم كجورية)، دبري، مجموعة نيمانج، ومجموعة مندل. باستثناء نيمانج ومندل وأفيتي في جبل داير،تتحدث هذه المجموعات لغة واحدة وشبيهة بلغة الدناقلة في شمال السودان (هوكس ورث – النوبا وجنوب كردفان 1932م).
    وتعتبر لغات الجبال الستة – لغة النيمانج بالتحديد – وتيمين، وبعض لغات النوبيين في شمال السودان، ومجموعة الداجو تعتبر من مجموعة اللغات السودانية الشرقية، التي صنفها العالم/ قرينبيرج في قسم شاري – النيل، والذي ينتمي إلى لغات الصحاري النيلية.
    وحسب تصنيف قرينبيرج ، تنقسم لغات النوبا، إلي مجموعتين :المجموعة الكردفانية ، التي هي فرع من النيجرـ الكردفاني ، حيث أن الفرع الآخر هو النيجر – الكونغولي ، والمجموعة الثانية هي: شاري ـ النيل. ويقول علماء اللسانيات إن لغات النوبا تنتمى إلي فصائل مختلفة ، وعليه يمكن تقسيم النوبا إلي عشر مجموعات لغوية.
    1- مجموعة (الأجانق) ،التي تقطن المناطق الشمالية والغربية، من جبال النوبا ، ولها إرتباط لغوى مع النوبيين في شمال السودان، وجنوب مصر. تعتبر هذه المجموعة من المجموعات العرقية الكبيرة ، وتضم قبائل جبال الداير ـ كدر ـ كدرو ـ دلنج ـ غلفان ـ كاركو ، أو ما يعرف بالجبال الستة ، وكذلك والي ، أبو جنوك ، طبق ، كاشا ، وشيفر (شمال شرق الجبال) فندا ، كجورية.
    2- مجموعة تقلي ، تشمل تقلي نفسها ، رشاد ، كيجاكجا ، تقوى ، توملي ، موريب ، وتورجوك.
    3- مجموعة النيمانج ، وتشمل قبيلة النيمانج ، مندل ، وأفيتي في الجانب الشرقي من جبل الداير ، فالنيمانج ينحدرون من منطقة كوجيا الواقعة غرب الأضية، غرب كردفان (دارفور الحالية) ، فالنيمانج هم النوبا الوحيدون الذين يتسمون بأسماء، ترجع لمنطقة دارفور، مثل الفاشر ودارفور.
    4- وحدة كتلا التي تضم قبيلة كتلا ، جلد ، ونيما.
    5- مجموعة تلشي ـ كرنقو في المنطقة الجنوبية من جبال النوبة ، وتضم تلشي ، كيقا ، ميري ، كادقلي ، كاتشا ، كرنقو ، وجزء من أبو سنون.
    6- مجموعة تيمين ، وتشمل قبيلة تيمين ، كيقا جيرو ، تيسى أم دنب ، وجزء من والي ، وتتفرع قبيلة والي نفسها إلي والي بوباي ، والي الشوك ، والي أم كرم ، والي كرندو (جوار كجوية) ، ووالي أبو سعيدة.
    7- مجموعة كواليب ـ مورو ، وتضم كواليب ، هيبان ، شواي ، أطورو ، تيرا (الأخضر ، ماندي ، ولمون) ، مورو ، كما تشمل هذه المجموعة فنقور ، كاو ، نيارو ، وورني في أقصى جنوب شرق الجبال في المنطقة المتاخمة للنيل الأبيض.
    8- مجموعة تلودي ـ مساكين ، وتشمل تلودي ، الليري ، مساكين (طوال وقصار) ، أشرون ، تاكو ، تورونا ، كوكو ، لمون.
    9- مجموعة لافوفا ، وتضم لافوفا نفسها وأميرة.
    10- مجموعة داجو ، وتضم داجو ، لقوري ، صبوري ، تالو ، وشات (الدمام ، صفية ، وتبلدية) ومجموعة صغيرة في أبو هشيم وأبو سنون.
    وقد اعتبرت حكومات المركز المتعاقبة، اللغات واللهجات المحلية –بما فيها لغات النوبا- أحد العوائق التي تعرقل مسيرة الوحدة الوطنية في السودان، وقد سماها البعض رطانات (جمع رطانة وتعني لغواً لا يفهم).
    اقتصاديات لمنطقة:-
    تمثل ولاية جنوب كردفان، احتياطياً استراتيجياً مهماً ،في رصيد الإمكانيات القومية للسودان. فهي تحتوي على ما يزيد عن 6 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة المخططة، وما يزيد عن 25 مليون فدان من الغابات، وبها ما يزيد عن 4 مليون رأس من الماشية. وتوجد بها كميات كبيرة من خام الحديد تقدر بحوالي 350 مليون طن، وتحتوي أراضيها على احتياطي نفطي كبير، لم يتم تحديده بعد في الجزء الغربي من الولاية، وهي استراتيجياً، تجاور مواقع النفط الجاري تشغيلها في المناطق الجنوبية الغربية (آبار، هجليج، والوحدة)، وفي غربها يقع حقلي أبو جابرة وشارف. ويمارس النوبا نشاطات إنتاجية عديدة، تشمل العناية بالحيوان والصيد، والبحث عن المراعي، ولكن الزراعة التقليدية، تعتبر عماد اقتصادهم، كما أنها تعتبر من دون شك، أحد العناصر التي تميز النوبا عن جيرانهم الآخرين، وتنتج جبال النوبة نحو 6% من إنتاج البلاد من القطن، وحوالي 11% من السمسم و10% من الذرة. وتعتبر الأسرة الصغيرة، عموماً الوحدة الأساسية للإنتاج الزراعي، وهدفها تحقيق الإكتفاء الغذائي الذاتي لأفرادها، وتوظيف جزءاً من الفائض في التبادل التجاري مع مجموعات الجلابة في المنطقة.
    وقد استحدثت في العقود القريبة الماضية، نظم انتاجية، بدعم مباشر من البنك الدولي، ومؤسسات تنموية غربية، أحدثت تحولاً في العمليات الزراعية، يمكن وصفه بالنظام شبه التقليدي، إذ يرتبط بالأسرة الواحدة، كوحدة إنتاجية، ويزرع نوع المحاصيل نفسه، ويقوم على أسس الملكية ،والإدارة نفسها، لكن مزارعه أكبر، ويعتمد على الآلات. كما لم تسلم المنطقة من التوسع الهائل، في مشاريع الزراعة الآلية، وارتباطها التام بالمحاصيل النقدية (الذرة – السمسم – الفول السوداني) ،واعتمادها على مؤسسات التمويل والاستثمار الزراعي، بقطاعيه الخاص والحكومي. تمددت مشاريع الزراعة الآلية، وتجاوزت المليون فدان، ومازالت تمتد نحو الغرب، مزيلة مساحات واسعة من الغابات، ولم تسلم حتى أحزمة أشجار الهشاب، مما أدى إلى انهيار أنظمة تكامل الزراعة والرعي، وأدي تذبذب الأمطار والتغير المناخي، إلى التأثير على قدرة مزارعي جبال النوبا على التأقلم مع هذه المتغيرات، مما عرض معيشة ونمط قبائل النوبا، لهزات كثيرة، فمشاريع الزراعة الآلية، لم تفلح في تنمية المجتمعات المحلية ،أو تطور وتقدم إمكانياتها الانتاجية –بل على العكس- ساعدت على تسريع عملية هدم النسيج الاجتماعي والنظام الاقتصادي لعشائر النوبا.
    و لله والحقيقة والتاريخ، نسلط الضوء على معاناة شعب النوبا، ونبدأها ببداية الزحف للقبائل العربية نحو الجبال، حين بدأت قبائل البقارة، والتي كانت تجوب سهول ولايات شمال كردفان وغرب دارفور نحو العام 1800 ميلادية ،في التقدم بنشاط إلى أودية جبال النوبا، بحثاً عن المياه والمرعى لحيواناتهم المتزايدة، وتزامن قدومهم مع بداية غزوات الاسترقاق البغيضة. فأجبر النوبا على اللجوء الي الجبال، ومارسوا حرفتهم التقليدية، بزراعة أراضي المرتفعات، ذات التربة الجبلية الفقيرة نسبياً، وشيئاً فشيئاً ،بدأت علاقة المقايضة التجارية ،تربط بين المجموعتين العرقيتين في علاقة متبادلة، وإن لم تكن متسقة تماماً. وقد ذكر حاكم كردفان البريطاني: السير/جون سانمار 1917م – 1921م، في العقد الثاني من القرن العشرين ،عن علاقات التعاون التي تمددت على الحدود الفاصلة بين النوبا والبقارة.
    (إن كل فرع من فروع البقارة، يحمي بقدر الإمكان الجبال، التي تقع في منطقته مقابل تزويده بالحبوب والرقيق)(الدين والعادات في جبال النوبة- ص 137 – 156- مقالات جون سانمار).
    وقد تراوحت هذه العلاقات المحلية، بين العدواة بين الأطراف المختلفة لقبائل البقارة، والتمازج مع النوبا (الزواج)، وإن تفاوتت درجة التمازج من منطقة لأخرى. لقد تفاقمت غزوات الاسترقاق، بصورة كبيرة إبان الحكم العثماني (التركية)، والتي بدأت باستيلاء حكام الخديوية المصرية على السودان العام 1821م. ولقد قام حكام كردفان، من قبل السلطات الاستعمارية، بشن العديد من الحملات العسكرية على جبال النوبا ،بحثاً عن الذهب في جبال شيبون، وجلب العبيد، لكنهم لم يبذلوا أي محاولات جادة لحكم المنطقة مباشرة. كما أن اشتهار النوبا برياضة الصراع، قادت إلى القول، بأنهم يتمتعون بمؤهلات تجعلهم جنوداً مطيعين أقوياء، لقد عادت عليهم رياضتهم، بالوبال لتشجيعها استمرار حملات الاسترقاق بهدف الحصول على جنود محاربين. وبذلك وجد النوبا أنفسهم يحاربون خلال العهد العثماني (التركي)، وما بعده، ويشاركون في معارك بعيدة عن ديارهم ،في الجزيرة العربية وشرق أوروبا وفلسطين ويوعندا، بل وفي المكسيك. وتحت تأثير هذه الدعوة أصبح أبناء منطقة جبال النوبا، منذ ذلك الوقت، وإلى الآن يمثلون جزءاً مهماً لكل القوات المحاربة في الجبهات المختلفة في السودان، الحكومية منها أو المعارضة على حد سواء.
    كان نهوض المهدية في الثمانينات من القرن التاسع عشر، قد جلب أيضاً مشاكل جديدة لشعب جبال النوبا، فلقد أيد بعضهم الإمام/ محمد أحمد المهدي، لاعتقادهم أنه قد يقود المسلمين إلى الخلاص من عذابهم، وبعض آخر قاومه. ولقد قدر لهذا الاختلاف في السلوك، تجاه دعوة الامام/ المهدي، أن يعتبر من خصائص سياسات الحكومات المركزية المتعاقبة تجاه النوبا في المستقبل، وذلك بتقسيمهم إلى فئتين: فئة متمردة على السلطة، وفئة أخرى صديقة لها. وبعد وفاة المهدي أرسل خليفته عبد الله التعايشي حملة عسكرية بقيادة حمدان أبو عنجة ،والنور عنقرة (1886م – 1887م)، وتجريدة بقيادة عبد الباقي الوكيل (1890م)، وأخرى أكثر عنفاً بقيادة إبراهيم الخليل (1891م) لإخضاع سكان المنطقة، فلقى الآلاف من النوبا حتفهم، بينما استرقت أعداداً كبيرة منهم، وتم الترحيل القسري لآلاف أخرى، إلى مدينة أم درمان. لقد كانت ممارسات جنرالات المهدية (1884م – 1898م) ضد سكان المنطقة ،ذات آثار وخيمة ومن سخرية القدر، وبعد قرن من الزمان أعاد التاريخ تكرار المأساة (1986- 1986م) ،ووجد سكان المنطقة أنفسهم يعانون من سياسات أحفاد القيادات المهدية (راجع تقرير أفريكا ووتش – مأساة جبال النوبة خلال الفترة 1985 – 1989م) – د. عمر شريكان – أبريل 1995م – إنجلترا.)
    تواصلت التحرشات المستمرة لشعب النوبا، بعد هزيمة المهدية على يد القوات المصرية – البريطانية المتحالفة، وذلك في معركة كرري العام 1989م.
    لم يرحب النوبا بالإدارة الاستعمارية الجديدة ،او يتحمسوا للتعاون معها، فتطلب ذلك ثلاثون عاماً، حتى يتم إخضاع قبائل النوبا المختلفة، وإحكام السيطرة عليهم، وبعد اكتمال سيادة الدولة الاستعمارية المركزية على كل جبال النوبا، تقلص حجم النزاعات بين الأطراف المحلية، وتدعم موقف ومركز الزعماء المحليين، بتعيين ورعاية الدولة لهم. وقد تم، على الدوام، توظيف الاستراتيجية القديمة – الجديدة ،التي تعتمد على تجنيد النوبا "الأصدقاء" ليتولون على الدوام إخماد انتفاضات النوبا "المتمردين". وهنا لابد لنا من وقفة وتأمل لهذه الإشكالية الكؤود ،التي تجعل شعب النوبا، يدمر نفسه بنفسه. فعليه أن يعي وينأى عن هذه الاستقطابات التي يسوق بعض مثقفي وعامة النوبا وقياداتها شعبهم إلى موارد التهلكة طمعاً في منصب أو جاه أو مال.
    أحدث إعلان نظام (المناطق المقفولة)، بواسطة المستعمر، استجابة لضغوط المؤسسات التبشيرية الغربية ،التي تذرعت بحجة الحفاظ على الأمن العام، وحماية المجتمعات المحلية من السخرة والاستغلال في عام 1932م، تغييرات كبيرة خلال فترة قصيرة نسبياً، منها إدخال طرق الزراعة الحديثة في زراعة القطن، كمحصول نقدي في العام 1925م، بغرض زيادة دخله، وللحد من هجرة النوبا إلى خارج المنطقة.
    أما التغيير الكبير الآخر، فهو إدخال نظام التعليم المدرسي الحكومي، وكان لظهور نخبة متعلمة من أبناء النوبا آثارها الكبيرة، على التاريخ اللاحق للمنطقة بما يتجاوز تأثير أي حدث منفرد أو عملية تطور أخرى.
    أدى التعليم دوره لاحقاً، بوصفه واحداً من أقوى العوامل، التي ساعدت على دفع عجلة الوعي السياسي ،ومهدت لبروز تنظيمات المجتمع المدني في المنطقة، وركيزة يشيد عليها صرح شعب نوباوي موحد.
                  

العنوان الكاتب Date
جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين في السوداني) zuhair zenaty03-27-08, 03:24 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف zuhair zenaty03-27-08, 03:27 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف zuhair zenaty03-27-08, 03:36 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف zuhair zenaty03-27-08, 03:39 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف zuhair zenaty03-27-08, 03:43 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف zuhair zenaty03-27-08, 03:46 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف zuhair zenaty03-27-08, 04:09 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف زهير الزناتي03-28-08, 10:02 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف زهير الزناتي03-28-08, 10:14 PM
    Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف amir jabir03-28-08, 10:34 PM
  Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف زهير الزناتي03-29-08, 04:25 PM
    Re: جبال النُّوبا "غِيابٌ آنِيٌ لِحُضُورٍ آجِلٍ" ( مقالات د. اسامة سيد احمدد الحسين ف Biraima M Adam03-30-08, 02:04 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de