في مثل هذه الأحوال نلوذ بالشعر والشعراء.. قال المعري: (خفف الوطء.. ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد).. وقالت الحكمة السودانية الخالدة ما دوّامة).. الله هوي الدنيا ما دوّامة.. هذه تفسر تلك. وقال الواعظ يوماً: أين فرعون وهامان.. والجبابرة العظام؟.. قالها على سبيل الحديث عن الماضي فقط.. فهل أجاد الواعظ موعظته، أم أنّ هناك امكانية لإكمال الموعظة لتستوعب الحاضر والمستقبل.. فنقول مثلاً أين كتشنر الذي كان أول من سكن القصر الجمهوري.. وأين ابو عاج الذي احتفل في نهايات يوليو المعروفة بيوم العودة العظيم؟. وقال المتنبئ: (ليالي بعد الظاعنين شكول!).. ومن ترى هو آخر الظاعنين في وقتنا هذا بالذات!.. وهل حقاً فحّط بخمس عشرة سيارة..؟ وقال المتنبئ أيضاً: (فليت دونك بِيد دونها بِيد!).. والبيد اسم جمع! وكيف تقطع السيارات فلوات وراءها فلوات إن لم تكن هذه السيّارات مجهزة بالشديد القوي!!.. قال الحلنقي وقال وردي: (أريت باكر يكون هسه!!) وقال زيدان إبراهيم (ليه كل العذاب وليه كل الألم)؟.. وسؤال زيدان بتأويلات الحاضر يعد مستنكراً وغير موضوعي.. وقال قيقم: (الحقوا الاخوان في جبل سندروب)!!.. ولأنّ الحلنقي ووردي عاشا اللحظة الحاضرة التي يعنونها!.. وهي لحظة خاصة جداً بهما.. فقد أرادا اختزال الغد فيها!!.. ليكون باكر مثل اليوم!! وهذا عبء لا يحتمله إلا المتمكنون والراسخون في التمكين لكنهما فرجا علينا بعض الهم في الإشارة التي تقول: (اشوف الماضي فيك باكر).. صحيح إنّ الغزوة الأخيرة ارجعتنا إلى سبعينيات القرن الماضي.. لكن أن تكون أحلام الغد كلها زي يوم الليلة.. فهذه والله كتيرة.. وما بنقدر عليها!!.. أما السؤال غير الموضوعي من زيدان: (ليه كل العذاب ليه كل الألم؟)! فمن تراكم اللا موضوعية في السؤال يستسحن ألا نجيب عليه.. اما قول قيقم ودعوته لنا ان نلحق الإخوان في جبل سندروب!! ولماذا يدعونا إلى هذا السفر الطويل؟!! ألا يجوز ان نلحق الإخوان في العمارات أو المنشية؟ او نلحس مع الإخوان اللي ح يسكنوا قريباً في أبراج السنط التي شبّت وفرهدت؟!!.. قال محمد ميرغني: (الكون شرب لون الجراح.. والعتمة نامت في الدروب)!!.. هذا والله صحيح.. أنا أرى هذه الصورة تماماً في شوارع الخرطوم بعد الذي حدث.. والتسلية الوحيدة في الموضوع ان (أصدق الشعر أكذبه). قال السودانيون مثلاً خالداً هو: (من راقب الناس مات هماً)!.. وقال الجابري: (جيت لقيت باب الغرام فاتح ودخلت).. وقال الكابلي: (اب كريق في اللجج.. حدر حبس الفجج!..).. وقالت ندى القلعة: (اتفقنا!!).. وهكذا و.. تتعسر مهمة المراقب لكنه لا يموت هماً!!.. وطالما أنّ الهامش الذي نتحرك فيه قد ضاق.. وصار مثل درب النمل فلا مناص من تأويل أقوال الشعراء والحكامات..!! لا أنسى أن اقول لكم أنّ عندي أشعار لن تقبلها أبداً لجنة النصوص.. إنّها رباعيات على طريقة عمر الخيام الذي يقول: (لا تشغل البال بماضي الزمان)..!! وأُحيلكم جميعاً إلى أم كلثوم التي قالت: وصفوا لي الصبر... ولقيتو كلام...! وقالت أيضاً: (إنت ما بينك وبين الحب دنيا.. دنيا.. دنيا).. وكل هذا الكلام الذي تقرأون وتسمعون هو الطريقة المثلى التي يمكن ان نعبر بها عن أحوال اليوم.. (تعبيراً دون إسهاب ودون هوامش.. ودون شروح...).. أي لازم تفهمها وهي طايرة.. ولا تقل طائرة..! ==
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة