|
أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟
|
تسود سياساتنا السودانية نظرية الإنحناء للعاصفة ... بل و الإنحناء الذي يفوق القدر اللازم لتجنب الإقتلاع .. النظرية التي تجعل البعض يصرح حتى بالضد مما يعتقد ، أو ينبش عميقاً في رواسب التخلف داخله ..
نظرية قوامها أن يتوهم أحد ( المشاهير ) ، و إخترت المشاهير لأنها تشمل قادة الأحزاب ، و رموز المجتمع ، و الرموز الدينية ، و صناع الرأي العام .. و لولا خطل التعميمات .. لكانت الكلمة الملائمة هي ( الحثالة ) لوصفهم.
يتوهم هؤلاء المشاهير أنهم يرسخون من تأييدهم وسط الناس إن تماهوا مع التيار .. و إن كان التيار غوغائياً و يسير بقوة الدفع العنصرية .. وفي هذه الحالة فإنهم يناقضون مشروعية مسكهم للقلم أو ضغطهم على لوح الكيبورد أو قبضهم للمايكروفون ..
علينا أن نواجه الحقيقة التي نتهرب منها لنصف قرن .. هذه البلاد ليست مشكلتها النقص في من يعبرون عن العنصرية المتفشية بعبارات أكثر تنميقاً ، و ليست مشكلتها إيصال صوت التخلف للميديا .. و ليست مشكلتها عموماً مشكلة تعبير عن ما هو سائد .. فالسائد لحد كبير هو العنصرية ، و الإنغلاق الديني ، و تخلف وسائل الإنتاج ، و غياب و سوء تخطيط التنمية ، و غياب العدالة الإجتماعية .. و هذا السائد معبر عنه منذ الإستقلال .. تارة صراحة و تارة بالخفاء ، مرة بالتواطؤ و مرات بفجاجة كما يحدث الآن .... و إعادة إنتاج هذا السائد في أفضل الأحوال ستؤدي لإستمرار الأوضاع على ما هي عليه .. و في أسوأ الأحوال ستزيد من سقوطنا في هذه الهاوية اللا أخلاقية ، و لا عقلانية و لا إنسانية ..
أظن بإستثناء المنتفعين الإنتهازيين تتفق الأغلبية العظمى أن الوضع الوطني ليس مقبولاً ، بغض النظر عن أي جهة تؤيد أو لأي صوت تنحاز . إذن فالحديث عن حلول هو حديث مشروع مبدئياً
فلنواجه حقيقة أننا مجتمع غير متطور .. و هنا لا أستثني أي طبقة إجتماعية أو منطقة جغرافية أو كينونة ثقافية أو مجموعة عرقية .. و بالتأكيد فنحن نحتاج الخروج من هذا التخلف المزمن العنيد .. و هذا أمر لا يقبل أي دعاوي بإسم النسبية الثقافية أو التأريخية .. فنتائج التخلف ملموسة و معاشة .. و ما نعايشه نحن في السودان لا تعايشه المجتمعات المتقدمة .. على الأقل ليس بدرجة مقارنة بالتي لدينا .. فالحوجة للإصلاح هي حوجة موضوعية .
لن يتم الإصلاح بإعادة إنتاج مسببات التخلف ، بديهياً . و ما يجرى الآن في معظم الأحوال ليس سوى إعادة إنتاج التخلف .. و لا نخدع أنفسنا بالحيل النفسية الذاتية المريحة .. بأننا نحن المجموعة الفلانية أسياد البلد .. و نحن أحسن ناس ، و نحن ناس فلان رجال .. هذا محض هراء .. هراء تتكشف حقيقته المرة عندما ندرك حقيقة أننا ناس : متخلفين علمياً و تكنولوجياً ، غير مكتفين مادياً ، غير قادرين على تطوير الإيجابي من ثقافاتنا المحلية ، غير مبدعين ، و مجتمعاتنا تسودها الكراهية ، .. و غير ذلك الكثير .
من المستحيل تماماً أن يكون حل هذا التخلف إعادة إنتاجه .. فما نحتاج له بتحديد شديد هو مقاربة لجذور الخلل الإجتماعي و الثقافي و المعرفي .. بل نحتاج للغوص أعمق من ذلك و بناء حسنا الأخلاقي على أسس جديدة .. هذا الدور الذي ظلت تتهرب منه النخب السودانية منذ الإستقلال .. كل النخب و ليس فقط السياسية .. هذا الدور بكل وضوح يحتاج لحد أدنى من الإلتزام الأخلاقي أولاً ، و يحتاج للشجاعة في مواجهة بروباقاندا ترسيخ التخلف ، و يحتاج أحياناً للتضحية بالمكاسب السياسية اللحظية ، و في حالة غير السياسيين التضحية برضاء النظام المسيطر .
مثلاً : كم هي نسبة الفنانين و المبدعين التي وقفت ضد جرائم الحرب في الجنوب ودارفور ، كم نسبة من يسمون برجال الدين ممن وقفوا ضد جرائم المال العام و قتل الأبرياء حتى من المنطلق الديني البحت ، كم من الصحفيين و كتاب الرأي وقفوا بوضوح ضد الشمولية ، و كم نسبة رموز المجتمع التي حاربت العنصرية في خطابها .. و كم و كم ؟
و لأن نخبنا تعيد إجترار ثم إستفراغ أقذر ما في ثقافتنا فلا يمكن أن تكون النتيجة إلا مزيداً من الإنحدار و التخلف و دعونا من التبريرات الواهية بأن المجتمع لا يقبل .. المجتمع كان ليقبل و لو لأسباب عملية بحتة ، و لكنه نادراً ما يسمع صوتاً غير ملقم برشوة من المسيطرين .. و هذه الحالة هي حالة تقاعس جزء مهم من المجتمع عن أداء دور أساسي لهم .. الحديث بأن العنصرية لا يمكن أن تخفت في السودان مثلاً هو إساءة للشعب السوداني .. فلا يوجد شيئ يسمى جين العنصرية لدينا تحديداً حتى يصرح البعض خفاء و علناً بهذه المقولة .. و إن أرادوا الصراحة فليصرحوا فقط بأنهم يريدون الجزء السهل و الغير مكلف ، أي : الحمل إلى مقاعد السلطة على أشلاء الإحتراب العرقي .. أو رضاء السلطة القائمة على أشلاء الإحتراب العرقي .
ليست مهمة سهلة .. و لكنها ليست مستحيلة ، وقد فعلتها شعوب غيرنا .. و هي بالأساس مهمة إستراتيجية طويلة المدى .. و بالضرورة تتطلب بعض التضحية بمكاسب آنية .. مكاسب آنية لا تستحق لأنها ملطخة بالدماء و مدعمة بالتحريض العرقي و مرتبطة بتقديم التنمية و التطور و الأخلاقية قرباناً على كرسي السلطة .
و بوضع هذا في الإعتبار .. سنحتاج لمقولات جديدة لتفسير أحداثنا السياسية .. فما يعتبره البعض مثلاً تخاذلاً من الرمز المعارض ، أو تراجعاً لرمز فني ، أو إنسياق لرمز مجتمعي مع زمرة الغوغاء .. هو ليس بهذه البساطة التي تفسر الأمر بمقولات فروسية العصور الوسطى عن الإقدام و الجبن .. إنه أكثر من ذلك موقف ينطوي على إختيار واضح بين التطور و التخلف ، بين النهضة و التراجع ، وبين المصلحة الوطنية و المصلحة البطنية ، بين كسب مجموعة معنصرة و بين مصلحة الشعب السوداني الكافة ... و إن كانت الدعاوي تأتي بإسم جمع الصف الوطني و غيرها من المسميات المضللة .. فضد من يجتمع الصف الوطني الآن ؟
مهما أهدر الحبر في أوراق الإتفاقيات ، و مهما قعقع السلاح في أي منطقة من السودان ، و مهما تكاثفت حشود الموالين ، و مهما باركت جهة خارجية .. فتغطية الجمر بالرماد إنكاراً ، وذر الرماد في العيون تضليلاً ، و حشد التأييد بالمقولات العنصرية .. ليس حلاً بل لتيقاً .. و ( لتيق ) يتم دون حتى أن يوقف أنهار الدماء و دون أن يطيب مرارة الأحزان و دون أي وعد مستقبلي بغد أفضل ..
دور المثقف و هنا بمعناها الواسع ، دور المثقف ليس التمادي مع المتمادين و ليس الترديد مع المهللين ، وليس ترضية المشاعر العامة بالكذب و على حساب آخرين .. دوره أولاً أن يقول الحقيقة .. و دوره أن يحارب السلبيات الثقافية و السياسية .. و إنخراط المثقف مع المجتمع ليس ليضيف صوتاُ خائضاً مع الخائضين .. بل ليضيف صوتاً متميزاً .. عقلانياً و أخلاقياً . ا
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | amin siddig | 05-12-08, 01:10 AM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | مجاهد عبدالله | 05-12-08, 03:42 AM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | tmbis | 05-13-08, 08:33 AM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | amin siddig | 05-25-08, 01:58 PM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | AMNA MUKHTAR | 05-25-08, 02:16 PM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | فدياس نجم الدين | 05-25-08, 02:29 PM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | amin siddig | 06-02-08, 10:42 AM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | amin siddig | 06-02-08, 10:51 AM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | Sabri Elshareef | 06-02-08, 07:21 PM |
Re: أمثقفين أنتم .. أم غوغاء ؟؟؟ | إيمان أحمد | 06-02-08, 08:15 PM |
|
|
|