|
لا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم ...... ولكن ؟؟؟
|
لزم السرير الأبيض قريب لي منذ أيام في اثر علة أجبرته على البقاء أياما , وكنت ألازمه طيلة هذه الفترة , ولعلها المرة الأولى أرافق فيها مريضا بمشفى خاص خارج حدود الوطن .
لن تحتاج أن تعلن للناس أن لديك مريض بالمستشفى , فمثل هذه الأخبار تنتقل بسرعة البرق , وكذلك أخبار الوفيات لا قدر الله يتداولها الناس وينشرونها بسهولة ويسر , يكفي أن تعلم شخصا واحدا , وأنسى الموضوع وهذا الشخص سيخبر ثلاثة والثلاثة كل منهم سيخبر ثلاثة آخرين , وهكذا تنتقل الأخبار بمتوالية هندسية , ولن ينتظر الناس أن يتقابلوا ليتبادلوا مثل هذه الأخبار فثورة الاتصالات تقوم بالواجب وأكثر .
كل ذلك لا يتم إلا بدافع الشهامة والنخوة والرجولة التي تميز السوداني / هـ عن غيره من من عرفت شعوب الأرض , وتجد وقفة الأصدقاء والجيران وزملاء العمل و كأن بينك وبينهم صلة رحم ودم , ولهذا الترابط طعم خاص ومذاق فريد في بلاد الاغتراب حيث يلتقي السودانيون وقد لا يجمع بينهم أي رابط إلا الصدفة فقط التي جعلتهم يستوطنون هذا المكان في هذا التوقيت , وهنا تكمن غرابة تكون هذه الأواصر ومتانتها فيقدم لك أحدهم عونه ومساعدته ( يده وقدحه ) الحقوق محفوظة للطيب صالح . خرج قريبي من غرفة العمليات و أمضى وقته بالإنعاش ثم تم تحويله لغرف التنويم في الظهر من نفس اليوم مع تعليق لوحة علي باب غرفته تحوي ثلاثة أحرف إنجليزية ( عرفت فيما بعد أنها اختصار لثلاث كلمات مفادها أن المريض خرج لتوه من غرفة العمليات و تمنع الزيارة الآن ) .
وما أتى العصر إلا وتوافد أخوان فاطنة زرافات ووحدانا , عوائل وعزاب , وما أتى بهم إلا الواجب المقدس مؤازرة للمريض وأسرته , وقوفا معه في محنته , وكسبا للأجر والمثوبة , امتلأت بهم الغرفة عن أخرها , وحتى الممر الطويل بين الغرف الأخرى , ورأوا المريض وكفروا له وتحمدوا له السلامة و دعوا له بالشفاء والصحة والعافية والعمر المديد , وجزاهم الله خير الجزاء
ولكن ,,, المريض يحتاج للراحة والهدوء , وما يزال البنج يسري في دمائه , ورأسه يثقل بفعل المضادات الحيوية ومسكنات الألم التي تمنح لأي مريض عقب إجراء العملية . كل الزوار يسألون المريض عن ماذا حدث له والحكاية شنو ؟ , وأساليب جرجرة الحديث والونسة , ما كت طيب آزول مالك ؟ وأدوك شنو ؟ وهسع حاسي بشنو ؟ وأسئلة وأسئلة وأسئلة أكثرها معلومة للسائل سلفا , ولكنه يود الإجابة من المريض شخصيا و لا أحد غيره تخيلوا معي كم زائر يزور هذا المريض ويطرح نفس الأسئلة وينتظر إجابتها لتتولد عنده أسئلة أخرى بل ويحكي بعضهم مواقف وأمراض مشابهة , ويقدم بعضهم اقتراحات لشفاء المريض قد يتعارض بعضها مع رأي الطبيب المعالج . وتمتد جلسات بعضهم لساعات طوال , وللمريض عزره وحاجاته الخاصة التي لا يستطيع قضاءها أمام الآخرين , ويريد الراحة وتناول طعامه الخاص , وتناول علاجه الذي بعضه ابر ( حقن ) بالإلية مثلا .
هذا جانب وإزعاج المرضى الآخرون جانب آخر . أصوات الزوار العالية يشتكي منها طاقم التمريض وزوار المرضى الآخرون بالغرف المجاورة , وهذه السمة تخص السودانيون دون غيرهم ( يتوافدون كثر , ويمكثون أوقات طويلة ) . المشفى ليس ملكا خاصا بنا وحدنا , وهناك مرضى آخرون غير مريضنا ينتظرون الشفاء , نزعجهم بأصواتنا وضحكاتنا , وحتى وقع أقدامنا على البلاط وصرير الأبواب فتحا وإغلاقا , وغيرها مما يزعج المرضى . لا أحد يرفض أن يزور مريضه الناس , وأن يعودوه , بل قد يتسرب الضيق الي إن لم يزور الناس مريضي أما أن تكون الزيارة بهذه الكيفية التي ذكرتها أعلاه فمتروكة لتقديركم . ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم كل الود
|
|
|
|
|
|