الوطن الطويل القامة .. لم يعد حافي القدمين - محمد خليل كاره

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 08:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-25-2008, 04:23 PM

ASHRAF TAHA
<aASHRAF TAHA
تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الوطن الطويل القامة .. لم يعد حافي القدمين - محمد خليل كاره

    البيان تسبر أغوار السودان (1)
    الوطن الطويل القامة .. لم يعد حافي القدمين
    بقلم الأستاذ. محمد خليل كاره
    أيا من يكن هو ذلك الذي وصف السودان بالوطن «الطويل القامة حافي القدمين»، وهو وصف تداولته بعض منتديات مثقفيه في فترة ما تلت وسمه ب«سلة غذاء العالم» بعد أن كان يوصف قبل ذلك ب«رجل افريقيا المريض».
    وبغضّ النظر عن هذه الأوصاف التي جسدت مراحل متباينة للأوضاع الاقتصادية في السودان فان زائر هذا البلد اليوم سيجد هذا العملاق الأسمر لا يزال محتفظا بقامته الطويلة، ولكنه لم يعد حافي القدمين.. وسيجد «البلد الحبوب» وقد تهندم «بالجلابية والتوب والجبة والسديري» وانتعل «المركوب»، ووقف شامخا للترحيب بوفود الأشقاء التي بدأت تتدفق أخيرا، بعد أن خرج من عنق الزجاجة التي انحشر فيها لسنوات طويلة لأسباب يستدعي شرحها تتبع كل تاريخه السياسي الحديث.. وليس هنا المجال المناسب لذلك.. هذا الوطن القارة الذي يحتل مساحة مسطحة مستوية من الأرض تتجاوز مليوني كيلو متر مربع، تمتد على كافة الأقاليم المناخية المتنوعة (من صحراوي إلى شبه الصحراوي إلى السافنا فالاستوائي.
    فضلا عن مناخ البحر الأبيض المتوسط)، وتشق تربتها البكر ثمانية أنهر عذبة، وتمرح في أرجائها أكثر من 130 مليون رأس من الماشية (من بقر وماعز وابل)، بدأ الآن يطل كمركز جذب اقتصادي، واتجهت نحوه «قرون الاستشعار» الاستثمارية.. أما «قرون الاستشعار» الصحافية فقد تتبعت، خلال زيارة للسودان رتبتها المحلقية الإعلامية في القنصلية السودانية بدبي لوفد من الإعلاميين من الإمارات، «ذبذبات» أفضى فك شفرتها إلى رصد «هجمة استثمارية» على السودان وتحديدا العاصمة الخرطوم التي تدعى «مقرن النيلين»، تشنها دول خليجية، تزامنت، صدفة أو ربما بتنسيق، مع «اقتحام» مصري على محور آخر.. شملت يوميات «الهجمة» الخليجية و«الاقتحام» المصري التي أمكن رصدها خلال وجود الوفد الإعلامي في الخرطوم:
    زيارة وفد إماراتي على مستوى عال. ـ زيارة وزير النفط والتعدين السعودي. ـ زيارة وفد كويتي ووضع حجر الأساس لمدينة ضخمة على الضفة الغربية من النيل الأبيض، لتمتد من أطراف أم درمان الجنوبية حتى جبل أولياء جنوبا. ـ زيارة لوفد مصري وافتتاح ملتقى الاستثمار السوداني المصري. - الإمارات وواحة الخرطوم: وكان قد سبق محادثات الوفد الإماراتي مع المسؤولين السودانيين الإعلان عن تفاصيل مشروع عقاري ضخم في قلب الخرطوم وفي مؤتمر صحافي عقدته الشركة القائمة بهذا المشروع. وكشفت إدارة مشروع «واحة الخرطوم عن إعداد خطة تسويق وعمل إشراف شركة «ديار» للتطوير العقاري، ومركزا تسويقيا للمشروع وفقاً للمعايير العالمية. وأبانت انه تم إعداد التصاميم النهائية وجداول الكميات ومستندات العطاء وتوزيعها على الشركات المستهدفة عبر الاستعانة ببعض بيوتات الخبرة. وقالت إنها استلمت العروض المالية من الشركات الخارجية لإكمال المشروع بنهاية العام الجاري.
    من جهته، أعلن والي الخرطوم د. عبد الحليم المتعافي عن موافقة ولايته على ضم ميدان الأمم المتحدة لمشروع واحة الخرطوم ليكون امتداداً لها، على أن يكون موقفاً للسيارات ومتنزهاً مفتوحاً للجميع، تشيده إدارة الواحة وفق أحدث الطرز ليكون متنفساً لوسط الخرطوم، كما أعلن عن أن الافتتاح الرسمي لأبراج الواحة سيكون نهاية العام الحالي، بعد اكتمال كافة المشروعات المتعلقة بها من طرحٍ للمحال التجارية والمكاتب للإيجار وخلافه، والتي قال مديرها الوليد فائت إنها ستطرح مطلع يونيو المقبل، رغم تسلمها للكثير من الطلبات.

    وكان هذا المشروع مر بمراحل عدة تميزت بعضها بالإنجاز والتحدي والجزء الآخر بالركود، حيث واجه المشروع عقبات أبرزها التمويل مما أدى إلى تأخير في مراحل التنفيذ مما دعا إلى تولي المشروع إلى شركة الإمارات الوطنية المحدودة من مطلع عام 2006م واستطاعت الشركة أن تنقل المشروع إلى أرض الواقع.

    الكويت ومدينة النور

    أما المشروع الثاني فكان مشروع «مدينة النور» بأم درمان الذي دشنه علي عثمان محمد طه نائب الرئيس البشير، والذي تنفذه شركة (قراند) الكويتية على الضفة الغربية للنيل الأبيض على امتداد واجهة نهرية بطول 46 كيلو مترا أي ان المدينة ستمتد من أطراف ام درمان الجنوبية حتى منطقة جبل أولياء.

    وسيتم تنفيذ المرحلة الأولى للمدينة على مساحة 17 مليون متر مربع، وتشمل المرحلة الأولى مناطق تنظيمية متكاملة بحيث تكون مشروعا قائما بذاته ويحتوي على مناطق سكنية ومناطق للتجارة ومراكز أعمال ومناطق للسياحة والفنادق والترفيه ومناطق للمرافق والخدمات العامة والمناطق اللوجستية، وستكون هناك مساحات خضراء تساوي نصف المساحات المعمرة. وقال سامي البدر رئيس مجلس إدارة شركة قراند الكويتية بالسودان إن المشروع سيكون نموذجا للاستثمار بالسودان وبداية لفتح مجالات استثمارية أخرى.

    والمشروع الذي يتكلف في جملته 7 مليارات دولار تقريبا وهو باكورة مشاريع شركة (قراند) إذ سيتلوه بعد قليل بنك استثماري يعنى بالزراعة والصناعة والطاقة والغابات والحبوب بشكل عام، حسبما قال رئيس مجلس إدارة الشركة الدكتور سامي البدر الذي أكد أن انجاز مدينة النور سيستغرق بين 5 إلى 7 سنوات.

    وقال إن شعب الكويت يثق كثيرا في أن شعب وحكومة السودان سيتجاوزان هذه المرحلة ليلعب السودان دوره المنتظر كبوابة لافريقيا. وقال «اننا كمستثمرين نثق ونؤكد أن السودان الذي أعطى الكثير وأسهم في نهضة الكويت ودول الخليج العربي قد حان موعد رد الجميل له». وقال إن «العرب يعانون كثيرا في أمر الغذاء ولا حل لهذه المشكلة إلا في أرض السودان المعطاء والتي تتمتع بكثير من الميزات والموارد». ودعا القطاع الخاص في الكويت للاستثمار في السودان حتى يسهم السودان في إعادة خريطة الاقتصاد العربي.

    السعودية وكنوز البحر الأحمر

    وبالتزامن مع افتتاح هذه المشاريع وصل وزير النفط السعودي المهندس علي بن إبراهيم النعيمي على رأس وفد رفيع المستوى لبحث أوجه التعاون المشترك بين السودان والسعودية في شتى المجالات عامة والمتعلقة بالطاقة خصوصا «اكتشاف كنوز البحر الأحمر» الذي يطل عليه البلدان. وكان وفد برئاسة وكيل وزارة النفط السعودية وعدد كبير من المسؤولين فيها قد سبق الوزير إلى الخرطوم وأجرى محادثات مستفيضة. وذكرت تقارير نشرت في الخرطوم ان قاع البحر الأحمر السوداني به حوالي 18 موقعاً ممتلئا بما يسمى (أجاج ملحي ساخن) مختلط بطبقات معدنية مهمة نالت دراسات مكثفة، وبهذه المواقع المذكورة أكثر من 100 مليون طن، تحوي فلزات الفضة والحديد والنحاس والزنك.

    تعاون زراعي

    وفي مجال آخر كشف مسؤول في السفارة السودانية في الرياض، عن أن بلاده بدأت في استقبال طلبات سعودية مكثفة بغرض إقامة مشاريع زراعية تتركز في إنتاج القمح والحبوب والأعلاف والتي وضعت المملكة قيوداً على عمليات إنتاجها نظراً لأزمة شح المياه تقدر بحوالي ست مليارات دولار أميركي. وقال المستشار الاقتصادي في السفارة إن حركة كبيرة من جانب السعوديين منذ مطلع العام لجهة بحث إقامة مشاريع زراعية ضخمة، مشيراً إلى أن وفوداً من شركات «الوطنية» و«نادك» وحائل وإدكو وشخصيات استثمارية زارت السودان أخيراً أظهرت اهتماما جلياً ورغبة في إقامة مشاريع.

    وتوقع المستشار الاقتصادي أن تجتذب السودان استثمارات سعودية قدرها 6 مليارات دولار بنهاية العام المقبل تتركز معظمها في القطاع الزراعي. وتأتي هذه التحركات المتسارعة للمزارعين السعوديين على خلفية قرار الحكومة السعودية في يناير الماضي التوقف عن زراعة القمح والتحول إلى استيراد كل احتياجاتها السنوية بالكامل بحلول العام 2016 بموجب خطة لتوفير المياه.

    وحرصت وفود سودانية زارت المملكة تباعاً خلال الشهرين الماضيين على لقاء مستثمرين سعوديين وترويج فرص الاستثمار الزراعي في بلادهم، إذ تقدر الأراضي الزراعية بنحو 200 مليون فدان صالحة للزراعة. وأبلغت الحكومة السودانية المستثمرين السعوديين بامتيازات أهمها إعفاء مدخلات المشروع الرأسمالية من الرسوم الضريبية وكذلك إعفاؤها من ضريبة أرباح الأعمال لمدة 10 سنوات إضافة لميزات أخرى تهدف إلى جذب استثمارات استراتيجية.

    الملتقى الاستثماري السوداني المصري

    وفي غمرة هذا النشاط الاستثماري الخليجي المحموم انطلقت، على المحور الآخر، فعاليات ملتقى الاستثمار المصري السوداني بالخرطوم.وشملت البرامج التي خرج بها الملتقى مجالات الاستثمار التي تم الاتفاق عليها والمتمثلة في المشروعات الزراعية والتصنيع الزراعي والغذائي ومجالات البنية التحتية علاوة على النقل البري والبحري والنهري والخدمات المالية المختلفة لدعم الاقتصاد في البلدين بالإضافة إلى مجالات الاستثمار في الطاقة والتعدين بالتركيز على النظام الخاص للاستثمار في المجال الزراعي والثروة الحيوانية.

    ورسم الملتقى صورة زاهية لمستوى التعاون والعلاقات الاقتصادية من خلال الكلمات التي قيلت ومحضر الملتقى الذي تم التوقيع عليه من وزيري الاستثمار في البلدين.وقد اتفق الجانبان السوداني والمصري في ختام الملتقى الاستثماري المشترك علي تشكيل لجنة للتعاون الاستثماري بين البلدين تجتمع بالتناوب وبالتنسيق بين وزارتي الاستثمار في البلدين.

    واتفق الجانبان السوداني والمصري في ختام الملتقى على انشاء مشروعي أرقين وأبو سمبل على الحدود المصرية ـ السودانية، بهدف إنشاء مزرعة تجريبية بمساحة عشرة آلاف فدان ويتم من خلالها دعم محطتي بحوث دنقلا في السودان وأبو سمبل في مصر للإشراف على هذه المزرعة، كما اتفقا على بذل الجهود كافة الخاصة بإحيائه لكونه من المشروعات كثيفة العمالة ذات الأثر الفعال في تغطية احتياجات البلدين من الأمن الغذائي.

    النموذج الإماراتي

    حركة الاستثمار التي نشطت في الآونة الأخيرة كان قد تطرق إليها، عرضا، وزير الخارجية السابق، مستشار الرئيس حاليا، الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل.. أثناء حديثه للوفد الإعلامي الزائر مشيرا خصوصا إلى أن جنوب السودان يحتاج إلى تنمية حقيقية. وبعد أن توجه إلى الوفد الإعلامي القادم من دبي بالكلام قائلا «بالطبع تابعتم زيارة النائب الأول لرئيس الجمهورية سيلفا كير إلى الإمارات».

    أكد الدكتور إسماعيل أن «الإمارات ستدخل في استثمارات ومشروعات ضخمة في الجنوب في مجالات متنوعة مثل النفط والسياحة والفندقة والمصارف.. وغيرها» قبل أن يضيف: «وهذا نموذج لما يمكن أن تقدمه الدول العربية لترسيخ وحدة السودان.. واستراتيجيتنا للمرة القادمة تتجه إلى ترتيب مثل هذه الزيارات إلى كل الدول العربية حتى يشعر أبناء الجنوب بأن العرب هم الأقرب لهم ثقافيا وسياسياً واقتصادياً وهم الذين يشعرون بمعاناتهم أكثر من غيرهم».وقال «ضمن استراتيجيتنا اجتذاب الاستثمارات العربية على طول وعرض السودان وصولاً إلى جعله بالفعل سلة الغذاء العربي ان لم تكن العالمي».

    من تغير: الإنقاذ أم الآخرون؟

    وفي حوار ساخن وشيق مع الدكتور كمال عبيد وزير الدولة بوزارة الإعلام والاتصالات، تناول أكثر من محور (وينشر بالتتابع منثورا في كل حلقة من حلقات هذه السلسلة من التحقيقات)، سألته عن سر هذه «الهجمة» الاستثمارية الخليجية المفاجئة والتي أتت بعد انسحاب نحو عقدين من عمر حكومة «الإنقاذ»، فعزا ذلك إلى «السياسات الاقتصادية التي باتت تنتهجها الحكومة الآن».

    ويشير الوزير السوداني، الذي سطع نجمه مؤخرا وبات ضيفا ثابتا على الصحف اليومية، إلى أن «الدولة في بداية التسعينات اختارت نظاماً اقتصادياً حراً، واستتبعت ذلك بتعديل النظم والقوانين والإجراءات التي تستلزم حرية الاقتصاد». ويستطرد «رغم ذلك فإن الجهات التي كان لديها استعداد للتعامل معنا كانت تصطدم ـ في فترة من الفترات ـ بالواقع الذي استصحبناه معنا من فترة الاقتصاد التحكمي، وكان ذلك في ظل واقع سياسي يسوده التوتر اما الآن فان الدولة تجاوزت هذه السلبيات.. وبالقدر نفسه تجاوزت بعض المشكلات السياسية التي كانت تسود بين السودان ودول الخليج على وجه التحديد والدول العربية والأجنبية الأخرى على وجه العموم».

    ـ فضلاً قبل أن تسترسل.. هل نظام الإنقاذ هو الذي بادر بتغيير سياساته أم أن هذه الدول هي التي غيرت سياساتها؟

    ـ بالطبع لا يمكن أن تعالج أي معادلة بمعامل واحد.. المسألة تتدخل فيها أكثر من معامل.. بمعنى ـ وهنا أتحدث عن الجانب الذي يلينا ـ نحن بصراحة كان لنا إسهامنا في إحجام الخارجي عن الدخول في السودان.

    ـ عفواً من تقصد بـ «نحن»؟

    ـ أقصد نحن كدولة وكمجتمع سوداني.. أما نحن كحكومة «إنقاذ» فلسنا من اختار النظام الاقتصادي التحكمي، ولسنا نحن من ابتدع المصادرات وتأميم الشركات، إنما قامت بذلك الدولة السودانية في حقبة من الحقب.. بل «الإنقاذ» هي التي بادرت إلى تطبيق سياسة تحرير الاقتصاد.

    لا تصادم بل سوء فهم

    ـ لكن هذه «الإنقاذ» كانت تتبع في أيامها الأولى اتجاها تصادمياً في المجال السياسي، تجاه دول الخليج.. ويمكننا أن نتذكر التفاصيل..أليس كذلك؟

    ـ لا.. لا.. لم تكن تصادمية بل كانت تفسيراً لمواقف اتخذها السودان في ذلك الأوان.. والآن نجد أن دول الخليج تستفيد منها.. فالآن نجد أن الإرادة الحرة للحكومة السودانية هي التي جعلت موقف السودان في فترة من الفترات متميزاً عن دول أخرى، وكان ذلك خصماً على علاقة السودان مع الآخرين.. لكن نفس هذه الإرادة الحرة هي التي أصبحت تجذب عدداً من الدول للتعامل مع السودان بناءً على أن هنالك الآن قراراً سياسياً مستقلاً.

    وفي الخلاصة فإن القرار السياسي الحر والقرار الاقتصادي الحر للسودان هو ما دفع دول الخليج إلى الاندفاع في التعاون الاقتصادي مع السودان تحت دافع الاطمئنان إلى أن هذا البلد لن تتأثر تعاقداته الاقتصادية بالمواقف السياسية.. إضافة إلى ذلك فإن مستوى الأداء الاقتصادي في السودان شهد نقلات جريئة كانت واضحة أمام أعين أي مراقب في المجال الاقتصادي.

    وسط الخرطوم يتلفح بالعباءة الخليجية

    تجتاحك لواعج الشجن والحنين عندما تداهمك ذكريات «الزمن الجميل» وانت تهيم في جولة حرة بعد أن تدلف من باب فندق «التاكا» الذي تحل فيه، والقابع في وسط «السوق العربي» في قلب الخرطوم. منظر«السوق العربي»، الذي كان يوما يضج بالحياة، يبدو اليوم وكأنه بقية من ساحة معركة بائسة.. لا حركة ولا حراك فيها إلا من بقايا متفرقة من سابلة يهيمون بلا أمل على طرقاته التي صارت منبعا للأشجان والحنين.






    تفيق من وهدة هذه الشجون وقد جذبت ناظريك لافتة ضوئية تدل على أنك أمام «فندق دبي».. وبينما تختلط في ذهنك الخواطر وتحاول الهرب من ورطة المقارنة الساذجة بين دبي وهذه البقعة المتربة الوحشة. وسرعان ما تفاجئك لافتة أخرى:«فندق الشارقة»..ثم «فندق البحرين».وتتوغل أكثر في أزقة السوق العربي فتجد عدد من «البنسيونات» بأسماء «مكة» و«المدينة» و«قباء».






    تمتشق الكاميرا من حقيبتك لتوثق ما اعتبرته صرعة جديدة ربما تواكب «الهجمة الاستثمارية الخليجية». يعترضك رجال أمن يقبعون أمام فندق «البحرين» وينتهي الجدل بان تقف أمام مدير الفندق لتستأذنه لتصوير اللافتة.يأذن لك بعد تردد لكنه لا ينسى أن يزودك بمعلومة مفادها أن اسم «البحرين» ليس مقترنا بالدولة الخليجية وإنما يقصد به «النيلين».






    ـ ولماذا لم تسموه «فندق النيلين»؟

    ـ لان القرآن الكريم لم يرد فيه ذكر «النيلين» إنما يقول سبحانه وتعالى «مرج البحرين يلتقيان»!

    تشكره وتغادر دون تعليق.

    تعود إلى الفندق.. وما ان تجلس على طاولة في البهو الفسيح لتدون بعض الخواطر وهي بعد طازجة، وفي اللحظة التي تطوف بذهنك فقرات من تحقيق مؤثر عن شارع «الجمهورية» العتيق كان قد نشر في «البيان»، تلجمك دهشة الصدفة: ها هو صديقك الصحافي محمد الاسباط، الذي طرز ذلك التحقيق، يقبل نحوك!

    تخبره بما كان.. وتغوصان في سيرة السوق العربي فيفيض الحديث في أكثر من اتجاه حول هذا «السوق العربي» الذي ظل يماثل النقيض التجاري السرمدي ل«السوق الأفرنجي» الذي يجاوره على الطرف الآخر من قلب العاصمة، في سياق ثنائيات السودان الكبرى «الجنوب والشمال».. «الزنوجة والعروبة».. «العاصمة الوطنية (أم درمان) والعاصمة الافرنجية الخرطوم»، وإلى عهد قريب كان هذا السوق مهد كل ما هو سوداني من صناعة الجلابيب وعرض الثوب السوداني مرورا بعطور «بت السودان» و«السيد على» وسائر المنتجات السودانية الخالصة. كما كان تجاره رموزا لكل ما يمثل السودان بمختلف منظوماته الثقافية والقيمية وحتى الاثنية.

    وإلى عهد قريب أيضا كان السوق العربي ساحة لكل ما هو شعبي في السودان حتى أتى حين من الدهر أضحى فيه السوق العربي أكثر الأمكنة ازدحاما في السودان بعد أخرجت الحروب الأهلية أثقالها ودفعت بالهاربين من جحيمها إلى العاصمة حيث ترتكز الخدمات ومظاهر التنمية والمدنية..انتشروا في شوارعها يطارد بعضهم الرزق بتجارة هامشية فوضوية، ويصطاد بعضهم الآخر جيوب مرتادي السوق المزدحم.. غير أن السوق العربي أضحى الآن فراغا يسرح فيه القليل جدا من الباعة المتجولين بعد أن تم تحويل مواقف المواصلات العامة إلى مواقع جديدة متفرقة.

    في اليوم نفسه تجمعك الصدفة بالبحاثة الموسوعة الدكتور عبد الله حمدنا الله والكاتب الإسلامي عبد المحمود الكرنكي، في مكتب رئيس تحرير صحيفة «الأحداث»، عادل الباز. وتتحول الدردشة في احد فصولها إلى الحديث عن «السوق العربي» فيحيلك الدكتور حمدنا الله إلى مراجع عديدة تناولت تاريخ هذا المكان.ويأبى الكرنكي إلا أن يلقي بملاحظة متخمة بنظرية المؤامرة عندما يشير إلى أن المستعمرين الانجليز هم من أطلقوا اسم «السوق العربي» على المحال التجارية التي قامت على الجهة الجنوبية من وسط الخرطوم وهي الجهة التي كانت، ولا تزال، متواضعة الحال مقارنة بالجهة المقابلة من وسط المدينة حيث «السوق الافرنجي» وهو اسم أطلقه الانجليز ـ حسب الكرنكي ـ ليضفي إسقاطات واضحة تدل على التمدن مقابل التخلف.

    الخرطوم ـ محمد خليل كاره

    يتبع ...
                  

04-26-2008, 04:48 PM

ASHRAF TAHA
<aASHRAF TAHA
تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن الطويل القامة .. لم يعد حافي القدمين - محمد خليل كاره (Re: ASHRAF TAHA)

    (2)
    دارفور تؤرق العالم ولا تشغل بال الشارع السوداني
    أياً من يكن القائل: «من يطل على الغابة من فوقها ويشاهدها ببعد «بانورامي» يستطيع أن يحيط، بشكلها على الأقل، بمستوى أفضل ممن هو بداخلها تائها بين أشجارها»... ** وبغض النظر عن الواقع الذي دفعه لصياغة هذه الحقيقة البديهية وألبسها ثوب «الحكمة» فإن العائد من السودان بعد مهمة صحافية امتدت لعشرة أيام يكاد يجزم أن هذا «الحكيم» إنما كان عائداً للتو من دارفور! ...** «غابة» دارفور التي تشاهدها من على البعد «البانورامي» عبر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى، غربية أو عربية، ليست سوى رقعة من الأرض تعادل مساحة فرنسا (تكررت المعلومة إلى درجة أن حفظها حتى تلاميذ المدارس) تقبع في أقاصي السودان الغربية وتشتعل في أنحائها الحرائق وتهطل من سمائها القذائف ليل نهار.. ويتربص بالهاربين من الجحيمين، «نفر» من الجن يمتطون ظهور الجياد متمنطقين برشاشات «جيم 3».. يطلق عليهم «الجنجويد». بيد انك عندما تتوغل في هذه «الغابة» ستجد نفسك تائها مرتبكاً.. ليس لأنك ستهبط في مدينة نيالا (عاصمة جنوب دارفور) في مطار «أنيق» نسبياً مقارنة حتى بمطار الخرطوم الدولي، وستشق الحافلة «المكيفة» التي تنتظرك وزملاءك من الوفد الإعلامي القادم من الإمارات شارعاً معبداً فسيحاً خالياً من المطبات التي صادفتك في الخرطوم، وتتلفت بذهول وأنت تمر على جانبي الشارع بمطعم مصري، وآخر لبناني، وكازينو سوري، لتستقر في فندق يديره طاقم هندي.. فلا تصدق انك في دارفور.
    ليس لكل ذلك، بل لأنك ستجد من يؤكد لك في اليوم التالي في معسكرات ضحايا الحرب أن كل ما شاهدته وسمعته من أهوال من على البعد «البانورامي» صحيح.. ولا تجد بداً من أن تصدقه وأنت «تستجوبه» في أطراف المدينة في مخيم بئيس تعاف من العيش فيه حتى البهائم!.. لكنك تغرق في الربكة عندما تعود في المساء إلى المدينة لتجد نفسك في مطعم فخم.. أمامك كل ما تشتهي النفس، ضيفاً على مائدة مسؤول كريم هادئ، رزين، ومفوه.. يحاول أن يقنعك بأن كل ما شاهدته آناء النهار القائظ في مخيمات البؤس ليست سوى «مسرحية من إخراج قوى الاستكبار الغربي والدوائر الصهيونية والصليبية بقيادة أميركا وإسرائيل»، مع الاعتراف باستحياء بأن هنالك «مشكلة» قابلة للحل!
    وعندما تهجع إلى مخدعك في الليل مبكرا، قبل العاشرة، طبقا للتعليمات الصارمة من قبل الطاقم المرافق الحريص على عدم الإخلال بنظام حظر التجول،..ينهشك القلق وأنت تفكر فيما ستقوله لقرائك عندما تعود... وتحاور نفسك في «منولوج» مرهق عما إذا كان يدخل في إطار الجحود و«قلة الأدب» أن يخدش سن قلمك، في سبيل القول الصدق الحكومة ومسؤوليها وهم من احاطوك وزملاءك بهذا الكرم الحاتمي والمعاملة اللطيفة منذ وطأت قدماك الخرطوم ليغمروك برفاهية تصل إلى حد «الدلع» تتبعك حتى في هذه البقاع الموحشة.. لكنك تستعيد في ذهنك تلك الجملة التي لا يفتأ يكررها مستضيفوك وعلى رأسهم صديقك الملحق الصحافي بقنصلية السودان بدبي محمد محمد خير، مؤكدين أن «لا شيء نخفيه هنا.. تحركوا بحرية وارصدوا كل ما تريدون واكتبوا ما يمليه عليكم ضميركم».

    وهنا تهدأ نفسك وتقبل على تدوين ملاحظاتك خلال اليوم الآفل بعد أن يستقر في دواخلك القرار: صف ما شاهدته بصدق.. واسرد ما سمعته من كافة الأطراف بأمانه لا تعرف المجاملة أو التلوين.

    لا مبالاة
    وأنت في الخرطوم لا تكاد تسمع بدارفور سوى في الأخبار التي تتابعها عبر الفضائيات وأنت ممدد باسترخاء على سريرك في غرفتك النظيفة المرتبة بفندق «التاكا» في قلب المدينة، أو عندما تطالع صحف الصباح «الكثيرة العدد»، أو عندما تجلس لتحاور وزملاؤك العشرة أعضاء الوفد الإعلامي القادمين معك من دبي، مسؤولا رفيعاً، تخرج من مكتبه لتجلس إلى آخر.. سمتهم جميعاً منطق مرتب ورحابة صدر لا يعرف الضجر.

    في الشارع تحاول أن تسترق السمع إلى «ونسة» الناس المتحلقين حول «ستات الشاي» (نساء يكسبن قوتهن من بيع الشاي على الهواء الطلق).. تجدهم مشغولين في الغالب بالجدل في شأن رياضي مثل أجواء مبارتي «الهلال» و«المريخ» (اكبر ناديين جماهيريين على مستوى السودان) مع فريقين زائرين في إطار الدورة الإفريقية..أو نقاش ساخن حول الدوري الأوروبي بل حتى حول الدوري في الإمارات..!!

    وإذا تخطى الجدل هذه الدائرة فإنه ينتقل خصوصا داخل المركبات العامة، إلى الاختناقات المروية.. وقرار نقل مواقف المواصلات العاملة من وسط المدينة التي منعت من الدخول إليها سيارات «أمجاد»، (حافلة صغيرة تسع لبضعة أشخاص)، و«الركشات» (دراجات بخارية هيئت لتسع شخصين)... ولن تعدم وسط هذه «الونسات» من يغمز من قناة حكومة ولاية الخرطوم تلميحاً، أو يتحمس ليطلق اتهامات على عواهنها.

    .. المهم لا ذكر لدارفور التي ينشغل بها العالم.. تقحم نفسك فتسأل بعض من تصادفهم مثلا عن رأيهم القوات الدولية الإفريقية المشتركة (الهجين) التي تتهيأ للانتشار في دارفور، فتجد من يرمقك بنظرة ارتياب ويكتفي بالتزام الصمت المطبق.. لكنك لن تعدم من يتصدى للموضوع بحماس ليلعن «سلسفيل» أميركا والدول الغربية «الطامعة في موارد السودان والساعية لاستعماره». كما لن تعدم في المقابل من يحمل المسؤولية حكومة «الإنقاذ» ويمضي أكثر ليهزأ من حكاية «القسم المغلظ» للرئيس عمر البشير وقوله وعدد من أركان حكومته إن «باطن الأرض خير من ظاهرها» اذا قبلوا بدخول جندي أجنبي واحد.. فإذا بالأمر ينتهي إلى القبول بدخول 26 ألف جندي أجنبي حتى لو كانوا قادمين من الدول الإفريقية!!

    مع المسؤولين

    الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، وزير الخارجية السابق، الذي يعد مهندس انفتاح السودان على الخارج بعد فترة من التوتر ابان التشدد الذي وسم سياسات الخرطوم الخارجية خلال التسعينات، بادر في اشارة عابرة خلال لقاء «تنويري» مطول في مكتبه إلى الاعتراف بان هناك بالفعل «مشكلة» في دارفور ليقول: «ما من شك في ان هنالك مشكلة في دارفور.. هنالك قضية نعم.. ولكنها تستغل بأكبر قدر من القوى المعادية للسودان».

    ويسهب في إيضاح هذا الجانب مضيفا:«هذه القضية اريد لها التصعيد والإبراز بأكبر قدر ممكن لكي تغطي على قضية أخرى تحاصر الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية وهي مأساة العراق، فحسب تقارير الأمم المتحدة والتي نعتقد نحن في السودان أنها مشكوك فيها. وبحسب تقارير المنظمات الغربية التي لا تسعى لمصلحة دارفور فإن القتلى في دارفور 200 ألف ولكن عدد القتلى في العراق أكثر من مليون ورغم ذلك فإن من يتابع الإعلام الغربي يجد تضخيما واضحاً للأوضاع في دارفور وكأن ما يجرى فيها اخطر مما يجري في العراق».

    الأفارقة انتبهوا للمؤامرة

    وينتقل د. اسماعيل إلى نقطة أخرى فيقول: «علينا أيضا ان لا ننسى ان مجتمع دارفور مجتمع قبلي ومتنوع عربي افريقي، ورغم ان هذا التنوع مستمر منذ أكثر من 400 عام لدرجة ان احداً لا يستطيع أن يمايز بين عربي وإفريقي في دارفور، بالرغم من كل هذا أرادت القوى الخارجية المعادية أن تستغل قضية دارفور لدق الإسفين في العلاقات العربية الإفريقية بزعم أن ما يجري في دارفور هو عملية إبادة للعرق الإفريقي من قبل العرق العربي الذي يسمونه حينا بالجنجويد وحينا آخر بالميليشيات.. لكن أول من انتبه لهذا الخلط والخطأ كانوا هم الأفارقة قبل أن ينتبه العرب.. ولذلك حرصوا، الأفارقة، أن يأتوا بقوات افريقية من إفريقيا جنوب الصحراء وان يرفعوا صوتهم للقول إن ما يجري ليس إبادة عرقية كما يدعي الإعلام الغربي..

    وعلى عكس ما كانوا يرغبون (الغرب) فإن أزمة دارفور التي أرادوا لها ان تكون شوكة في العلاقات العربية الإفريقية دعمت وقوت هذه العلاقات، والملاحظ ان عدد الاجتماعات التي عقدت في إطار قضية دارفور بين الدول العربية والإفريقية بعد قيام الاتحاد الإفريقي اكبر من معدل الاجتماعات التي عقدت بين الطرفين قبل قيام الاتحاد، وبالتالي وجدنا بالفعل عملا عربيا إفريقياً مشتركا لمواجهة تحديات أريد لها أن تخرب العلاقات العربية الإفريقية.

    ابحث عن إسرائيل

    ويمضي د. مصطفى اسماعيل في تحليله ليؤكد ان دارفور منطقة تحدٍ بالنسبة للعرب «لأن إسرائيل تريد ان تجعل مدن دارفور أيضاً ساحة معركة بينها وبين العرب». وفي شرحه لهذا البعد يقول: «أولاً استراتيجية إسرائيل كدولة قائمة على العرقية اليهودية وباعتبارها الدولة العرقية الوحيدة تقريباً في العالم هي ان تبحث عن دول شبيهة تقوم على العرقية، وهذه المحاولة ليست جديدة.. اقصد ليست في دارفور فقط.. فعلى سبيل المثال عندما استقل اقليم بيافرا عن نيجيريا وأقام دولته على عرقية الآيبو كانت إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي اعترفت بهذا الإقليم وقدمت له السلاح».

    ويضيف:«ونعلم ان إسرائيل تحسب حساباتها على ان افريقيا جنوب الصحراء قائمة على عرق زنجي وتبني إستراتيجيتها على فصل افريقيا جنوب الصحراء عن افريقيا شمال الصحراء التي تضم العنصر العربي.. وبالتالي تريد إسرائيل ان تنفذ هذه الاستراتيجية ايضاً في اقليم دارفور بفصله على أساس عرقي زنجي على ان يتم تفريغ العرق العربي من دارفور، ولذلك يمكن الآن ملاحظة ان الهجرات المنظمة إلى إسرائيل هي من عرقية واحدة في دارفور».

    ويمضي في الحديث عن استغلال إسرائيل لقضية دارفور فيقول: «عندما عرض موضوع الجدار العنصري في فلسطين على المحكمة الدولية ثم اعيد للجمعية العامة للأمم المتحدة بدأ مندوب إسرائيل في المنظمة الدولية بالحديث عن ماذا يفعل العرب في دارفور! وكان واضحاً انه يريد ان يرسل رسالة مفادها ان العرب في فلسطين وفي لبنان وفي العراق هم العرب انفسهم الذين يقومون بأعمال القتل والاغتصاب والإبادة وخلافها في دارفور وبالتالي لا تلومونا على ما نفعله في فلسطين أو في غيرها لأن هؤلاء هم العرب..في محاولة فاضحة لتشويه صورة امتنا».

    ويخلص مستشار الرئيس السوداني إلى ان « قضية دارفور ـ بالتالي - تمثل تحديا ليس امام السودان فحسب، بل امام الدول العربية كلها.. والتحدي هو ان نفضح هذا التزييف الذي يراد له ان يمر عبر دارفور وذلك بمعالجة قضية دارفور».

    غير ان المستشار الرئاسي الآخر د. عبدالله مسار الذي استقبل الوفد الإعلامي في وقت لاحق لم يركز كثيرا على هذا التأثير الغربي والإسرائيلي في أزمة دارفور وان كان قد مر مرورا سريعا بتعليق مقتضب على أقدام الفصيل المتمرد الذي يقوده عبد الواحد نور على افتتاح مكتب في إسرائيل فضلا عن إشارة عابرة إلى الصراع على مقدرات المنطقة من جانب الغرب عموما وفرنسا خصوصا إلى جانب الصين اللاعب الجديد في القارة الإفريقية.

    وفي المقابل، وبعد استرسال مطول حول تاريخ بدء الصراع القبلي الداخلي وتطورات مراحله ركز مسار على انعكاسات صراع دول الجوار على الأزمة، مشيرا بصفة خاصة إلى النزاع الداخلي في تشاد، التي يقول إنها كانت حاضنة لكل حركات التمرد السودانية عبر المراحل المختلفة منذ الحركة المسلحة التي قادها داوود يحيي بولاد.

    وهذا الأخير كان من رموز الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم وكان لاحقا كادرا قياديا في نظام الإنقاذ في عهده الأول (حتى العام 1991) قبل أن ينقلب عليه ويخرج من صفوفه مغاضبا الدكتور علي الحاج النائب الحالي للأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور حسن الترابي. والحاج الذي يقيم في المنفى الآن بالمانيا دارفوري ايضا وينتمي إلى قبيلة البرنو واتهمه بولاد بمحاباة ابناء قبيلته على حساب القبائل الاخرى.

    وبعد ان يصل الدكتور مسار في نهاية تحليله إلى ان الأزمة في دارفور«ليست سوى نزاع قبلي عادي حول المرعى وموارد المياه تزين لاحقا برداء سياسي». يخلص إلى فكرة يتمسك بها ويدافع عنها بقوة مفادها ان «أي جهد يجري الآن سواء التفاوض مع المتمردين أو نشر لقوات الهجين لن يجدي نفعا ما لم يتوصل اهل دارفور إلى صلح داخلي فيما بينهم».

    وأقاطعه: لكنك مستشار رئاسي في حكومة تتجه بكلياتها إلى ساحة التفاوض.. فهل؟

    ولا يدعني أكمل السؤال قائلا في لهجة لا تخلو من الحدة:«يا أخي هذا هو رأيي الشخصي». لكنه يستدرك: «طبعا من واجبات الحكومة ان تفعل ما ترى لاستتباب الأمن بما فيها مفاوضة حاملي السلاح» ويعود للتشديد على فكرته ان «لا حل دائما لمشكلة دارفور الا بتفاهم وتصالح أهلها بكل مكنوناتهم».

    وفي اطار سرده للمعلومات التي يشير احيانا إلى انها «خاصة» بأسلوب شيق يشوبه حماس متدفق لا يتحفظ الدكتور مسار في توجيه سهام الاتهام إلى أكثر من طرف سياسي لاعب الآن بقوة في الساحة السياسية بتأجيج الصراع في دارفور في مراحل مختلفة كل لاسبابه.. ولا توفر سهام اتهاماته الحركة الشعبية لتحرير السودان (الشريك في الحكومة الحالية)، وحزب المؤتمر الشعبي (الترابي) رابطا بينه وبين «حركة العدل والمساواة» المتمردة..بل انه لجأ ايضا إلى الغمز من قناة «حركة تحرير السوان» بزعامة جاره في اروقة القصر الرئاسي مني اركو مناوي كبير مساعدي رئيس الجمهورية الذي تسنم هذا المنصب بعد اتفاق سلام وقعه في ابوجا (نيجيريا) فصيله الذي انشقت عنه حركة عبد الواحد وحكومة الخرطوم.

    في نيالا

    تحط الطائرة المدنية الصغيرة من طراز (الفوكرز) في مطار نيالا.. فتتنفس الصعداء.. كيف لا؟.. وانت الذي كنت قد ولجت إلى جوفها مرتبكا بعد ان اخبرك زميلك القادم معك من دبي عن تقرير تابعه للتو عبر قناة «الجزيرة» عن كوارث الطيران.. وظللت طوال الرحلة مشغولا باستعراض سلسلة حوادث «نوعية» من هذا النوع راح ضحيتها مسؤولون كبار بينهم نائب رئيس البلاد، الزبير محمد صالح..

    تحمد الله على سلامة الوصول وتتجاهل موجة الحر الذي يلفحك وتنشغل بالتمعن في منظر المروحيات العسكرية الرابضة في المدرج وتجهد لتطرد خواطر مزعجة تتدافع إلى ذهنك الذي يصر على استدعاء تقارير «الغارات» التي لا تفتأ تتدفق على طاولتك عبر وكالات الأنباء وانت الذي تمتهن متابعتها.

    خارج المطار، الذي ينسب اهل جنوب دارفور فضل انجازه للوالي السابق المهندس الحاج عطا المنان، حسبما علمت لاحقا، يلفت نظرك مشهد سيارات الاجرة الكثيرة المتراصة في صفوف منتظمة وقد طليت باللون الاصفر، اللون نفسه الذي يميز مثيلاتها في الخرطوم سوى انها، كلها تقريبا، من طراز «اتوس» وهي صناعة كورية جنوبية.

    خلال المشوار من المطار إلى وسط المدينة، تسجل في كراستك أكثر من مشهد ملفت..لكنك تكاد تفغر فاك عندما تفاجأ بطاقم هندي في استقبالك عند باب الفندق! وقبل ان تنهي ترتيب غرفتك يستعجلك الطاقم المرافق من ادارة الإعلام الخارجي للتوجه فورا إلى مكاتب الامم المتحدة في اول استهلال لبرنامج العمل الطويل المعد للوفد..وبعد تنوير موجز للأوضاع..تنتقل وزملاؤك إلى بيت القصيد..في طرف قصي من المدينة.

    في معسكرات النازحين

    هنا إذن تسكن المأساة وأي مأساة!!..

    ما ان تقف الحافلة عند مدخل معسكر «سكالي» حتى يتدافع نحوها اطفال وصبية بوجوه شاحبة واعين غائرة تسيل منها الفاقة.. على مقربة من اللافتة التي تدل على انك في «حي الوالي» وليس معسكر سكالي كما يطلق عليه.. وعلى الظل الممتد لمساحة ضيقة بين خيمتين من القماش متجاورتين لا تتجاوز مساحتيهما ثلاثة امتار مربعة، تقبع مجموعة من النساء المرهقات في صفين متراصين ينظمهما شاب ينادي عليهن لتدلف الواحدة تلو الاخرى إلى داخل الخيمة الاولى ثم إلى الثانية..يحركك حب الاستطلاع فتقترب لتكتشف انك في العيادة الوحيدة في هذا المعسكر الذي يقطنه الالاف!!

    غير بعيد من المكان تتناثر الخيام، بل «العشش»، التي تؤوي جحافل البؤساء الهاربين من جحيم الحرائق والرصاص والقذائف المنهمرة من السماء..(حسبما ترد في الشهادات الطازجة امامك الان..) يصيبك الرهق واحيانا الملل وانت تتابع ما يسردنه بعربية مكسرة من مشاهد الاهوال التي عشنها قبل ان يهربن من قراهن لتحتويهن هذه العشعش الشبيهة بزرائب الحيوانات ان لم تكن اسوأ.. تسألهن عن حقيقة حالات الاغتصاب التي تتحدث عنها تقارير المنظمات الدولية.. تنبري احداهن لتؤكد وقوع هذه الحالات، تحاورها لتقف على التفاصيل فلا تجد سوى جمل مبتورة لا تروي الغليل ولا تعطي الصورة الواضحة تماما...؟

    * ما الذي جرى؟

    « ايوا دربونا (ضربونا)..وشردونا.. واقتسبونا (اغتصبونا)».

    وهنا تتذكر ما شدد عليه مسؤول مكتب الأمم المتحدة في جنوب دارفور في تنويره للوفد من ضرورة التعامل بحذر مع عبارة «الاغتصاب» عند التحدث مع من قذفت بهن الأقدار إلى هذه المعسكرات، فقد تحمل دلالات ليست بالضرورة متطابقة مع معناها اللغوي الحقيقي..

    وتواصل الحوار الاشبه بـ «الاستجواب»:

    * انت متزوجة؟

    ـ لا

    * في حد اغتصبك؟

    ـ ايوا دَرَبوني واقتسبوني... واضطر الى إلقاء سؤال صريح حول ما اذا كان كلامها يعني فقدها عذريتها؟ فتنتفض مستنكرة لتنهي الحوار قائلة: شنو كلام قلة ادب دا؟

    وتستعيد مجددا ملاحظات المسؤول الدولي الذي اشار إلى ان هذا لايعني عدم وقوع حالات اغتصاب قبل ان يضيف ان «الاغتصاب يستخدم احيانا كسلاح في الحرب بين القبائل..ويرجح ان الدافع لحرق القرى غالبا ما يعود سببها إلى دواعي الانتقام من هذه الحالات وان كانت الأطراف المعتدية لا تجاهر بالسبب حفاظا على شرف القبيلة».

    في ختام جولتك في هذه الساحة البائسة.. وما بين غصة في حلقك وشحنات من كوامن الحزن والشفقة والغضب والغثيان والاختناق معا يموت في داخلك هتاف تمنيت لو تطلقه بصوت عال: «سحقا سحقا للسياسة وممتهنيها، موالاة ومعارضة، سحقا لكل الشعارات والتقارير وسحقا لكل من يبحث عن تبرير وسحقا لاي «نضال» يفضي إلى مثل هذه الفضيحة الإنسانية المنتصبة أمام أعين العالم في مشهد مفتوح بدا في اطاره هؤلاء المساكين وكأنهم كائنات أليفة في «حديقة حيوانات» تسلي الزائرين.. أو تثير شفقتهم.. أو حتى حنقهم.. لا فرق!

    تعود إلى الخرطوم فيبادرك من تلاقيه بالسؤال:

    * «اها.. كيف دارفور»؟

    ـ الحق ان المدينة التي زرناها (نيالا) جميلة وتفوق في مستواها كل المدن التي زرتها في «الشمالية» على الاقل.. ولكن الأوضاع في أطرافها داخل المخيمات «تحنن الكافر»®. وتجتهد، وانت تغالب دموعك، ان تسرد تفاصيل الواقع المأساوي للنازحين وكيف ان أسرة بكاملها تعيش تحت «برش» مثبت على خشبتين..وكيف، وكيف.

    وتندهش حين يأتي الرد دائما بسؤال مغلف ببرود بل وباستغراب لحماسك:

    ـ وما العجب في ما رأيت؟!..سكان المعسكرات الذين تكاد تبكي على أحوالهم هي هذه حياتهم العادية حتى في قراهم التي نزحوا منها.. على الأقل هنا يحظون بمن يتفقد أحوالهم!

    تعود لتغرق في الارتباك، ومرارة الخيبة تجتاحك عندما تكتشف في نهاية المطاف انك لست سوى «شاهد مفهمش حاجة»!


    الخرطوم، نيالا (دارفور) ـ محمد خليل كاره
                  

04-26-2008, 10:46 PM

ASHRAF TAHA
<aASHRAF TAHA
تاريخ التسجيل: 08-04-2007
مجموع المشاركات: 1017

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الوطن الطويل القامة .. لم يعد حافي القدمين - محمد خليل كاره (Re: ASHRAF TAHA)

    دارفور تؤرق العالم ولا تشغل بال الشارع السوداني
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de