|
حياة ريف السودان قبل العاصفة وقبل أن يصيح الديك
|
مما خلقنا وشفنا خلقنا على قول الشاعر حميد كانت تعتري حياتنابعض مسغبة، فريف السودان يعيش الكفاف في الهواء الطلق سعيد بحاله وبعده النسبي عن تمدد يد الدولة إلا في الحد الأدنى من جباية الضرائب أو يوم القروحة (تطعيم الأطفال) الذي يشبه إلى حد كبير كشات التجنيد في عهد الإنقاذ، حيث يهرب الأطفال في كل اتجاه ويختبئوا حتى تنقشع سحابـــــة القراحين، ولا أدرى لماذا يترك تطعيم زمان آثاراً على الاذرعة لا تمحوها الأيام.
كان أهلنا في الريف يتخذون مواقفهم السياسية بالتصنيف الجمعي : إتحاديين أو أنصار، وفي كل قرية يوجد لا منتمي واحد وبعض المتمردين على ما تواضع عليه عامة الناس في القرى، وكذلك تجد شيوعي واحد أو أثنين وأخو مسلم أو اثنين، وكانت طبيعة حياة الريف ملؤها التسامح والحميمية والنقاء والتلقائية تستند على معرفة الناس العميقة ببعضهم البعض ومعرفة تفاصيل بعضهم وتوجهاتهم وسلوكياتهم ، يتعاملون معها ومع اختلافاتهم ويقبلونها باحترام ويجعلون من كل اختلاف حالة للتندر والمفارقة كضرورة لخلق الحد الأدنى من التوتر والحوار الحيوي الخلاق الذي تتطلبه الحياة وكسر الرتابة والضجر.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: حياة ريف السودان قبل العاصفة وقبل أن يصيح الديك (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
كانت تربط أهل الريف مواثيق غير مكتوبة، يتكافلون بلا من ولا أذى، إذا مرض منهم عضو ترى كل أفراد القرية يحملون الهم والحزن والمواساة ليس بزيارة للمجاملة وأداء الواجب ولكنهم يأتونه بأرواحهم ونفوسهم المشفقة وبمقترحاتهم العلاجية يللا نوديك للبصير عشان يكويك هسع تطيب ، وانا مشيت قبيل سقيت ليك خضارك وأديت غنمك وبقرك قش وخليتن شبعانات ورويانات. كانوا يأتون ببسلاتهم التي تحوي أطيب ما أدخروه لأنفسهم من طعام. يأتي الجميع النساء والرجال والأطفال، يشعر المريض كأنه أهم إنسان في المجتمع حتى يشفى بمؤازرة الناس ودعمهم المعنوي والمادي الذي يقدمونه بآصرة النقاء الإنساني، كان ريفنا هو مجتمع النفير (العمل الجماعي) لحل مشكلة أي فرد ببناء بيته أو سقفه أو يشتلون له البصل أو دق العيش .. أو مجابهة أي طاريء لا يستطيع الشخص أن يواجهه منفرداً فيجتمع إليه الناس ويؤدونه كفرض إجتماعي يتباهى الناس بالمسابقة لإنجازه.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حياة ريف السودان قبل العاصفة وقبل أن يصيح الديك (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
كان الأطفال في ذلك المجتمع يتمتعون بحرية كاملة ولديهم متسع من الأرض ومن الرفاق يفرغون طاقاتهم ورغباتهم في اللعب والكلام تحت ضوء القمر الذي كان يزدهي وتنتشر أشعته الباردة مجاناً قبل أن تأتينا (الجمرة الخبيثة) ، كانوا يعيشون في مجتمع كله آباء وأمهات وإخوان وإخوات وأشخاص حريصين عليهم كلهم بنفس الدرجة وعلى قدم المساواة، ومن حق أي كبير أن يؤدب أبناء القرية دون أن يتعرض للمساءله، وكان كل كبير يؤدي هذا الدور بإحساس أبوي تلقائي، فأين ذهبت تلك الروح في زمان التربية القسرية المعلبة ؟!!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حياة ريف السودان قبل العاصفة وقبل أن يصيح الديك (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
كان أهل الريف يأكلون نفس الطعام ويلبسون نفس اللباس وكان عامل السن هو أهم ميزات أعطاء الإنسان درجة على الآخرين كان كل ذلك قبل أن تلد الأمة ربتها ويتطاول قصار المتنفذين في البنيان ويتطوأسوا كأنهم سيخرقون الأرض أو يبلغون الجبال طولا ويحشرون أنوفهم في كل ما ألف الناس يحرمون قيماً حافظت على تماسك المجتمع لقرون وهو يتطور طبيعياً دون قسر أو قرفصة على رؤوس الناس، جاؤا إليه بجمود يفسد الفطرة وتعال منفر وكذب يتمسح بالتقى، جاءوا ليخرسوا أسباب فرح الناس، حيث كان هناك أفراد نساء ورجال عاديين يؤدون الدور الكوميدي ويتقبل الناس إبداعهم بفرح ومرح يمنعان عنه كل أسباب المرض والتوتر، وبدأ الريف يدخل في دائرة القلق والتحور السلوكي لزوم مواكبة الثورة الثقافية القاصدة لسيطرة الأقلية على حساب المجموع فخمد الفرح وأنزوت التلقائية ودخلنا لدائرة شريرة قضت على اليابس قبل الأخضر وأصبح ريفنا الفقير يبكي على ماض كان قد بكى منه.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: حياة ريف السودان قبل العاصفة وقبل أن يصيح الديك (Re: Mohamed Abdelgaleel)
|
استحالت الرجعة للريف للقديم وأستحالت الرجعة للبيت القديم الذي غنى له حميد:
أنا ماشي ... راجِع ... لي بِيُوت تفتح لِي أدُقْ أو ما أدق من غير تقول الزول مِنُو ولا حتَّى علّ الداعي خِير لا مالَك الجابك شِنُو لي بيوت بجِيهن في أيِّ يوم إن جيتا ليل إن جيت دغُشْ طوَّالي أدفْر الباب وأخُشْ
أصابت ريفنا تغيرات كثيرة وأصبح من المستحيل أن أقوم طوالي أدفر الباب وأخش فذلك زمان إنقضى
| |
|
|
|
|
|
|
|