|
Re: رزنامة الاسـبوع : ( الـحـنـجـوري ) للاسـتاذ كـمال الـجـزولـي. (Re: بكري الصايغ)
|
Quote: السبت: -------------
ذات ظهيرة قائظة من صيف 1998م، إحتجت لقضاء مشوار ضروري من مكتبي إلى مكتب صديقي كمال بخيت، رئيس تحرير (الرأي الآخر) أوان ذاك. ولأنني استصعبت إخراج سيارتي من موقفها الذي حصلت عليه بصعوبة في الشارع المزدحم، فقد رجوت صديقاً جاء يزورني أن يقلني بسيارته، فوافق شريطة أن أتولى أنا قيادتها.
كانت سيارة صديقي بيضاء وسيارتي صفراء. وفي مكتب كمال وجدنا، بين زوَّاره الكثر، ثلاثينيَّة ناحلة، رقيقة الحال، ما تكاد تلفت النظر. وما أن رآنا كمال حتى هبَّ يرحِّب بنا هاشاً كعادته. ثمَّ أشار إلى الفتاة، وصاح مأخوذاً:
ـ "تصور يا كمال قبل دقايق الأخت دي قالت لي حيجيك هسِّي واحد صاحبك ملتحي ولابس كذا وكذا .."!
ثمَّ استدرك، فجأة، مخاطباً الفتاة:
ـ "لكين كمال عربيتو صفرا وانتي قلتي حيجي سايق عربيَّة بيضا"!
تبادلنا، مرافقي وأنا، نظرات مدهوشة، إلتفتُّ بعدها إلى كمال قائلاً:
ـ "بس أنا فعلاً جيت سايق عربية فلان دا البيضا"!
فارتمى كمال على كرسيِّه مبهوراً، بينما الفتاة ساكنة تماماً، إلا من ابتسامة غامضة تكسو محياها!
................................
أوضح لنا كمال أنها جاءته، أوَّل مرة، قبل حوالي شهرين، وألحَّت، بما يشبه الهستيريا، في طلب مقابلته لأمر قالت إنه يتعلق بحياة أطفاله! كانت تهذي، لاهثة الأنفاس، جاحظة العينين، مبحوحة الصوت، بكلام مفكك عن عقربة، وأنقاض، وفردة حذاء طفل، قبل أن تتوقف، فجأة، لتسأله:
ـ "إنت في ضهر بيتكم في زي ممر مقفول كدا"؟!
تذكر أعمال الصيانة في بيته، والانقاض في الموضع الذي أشارت إليه، وأدرك أنها إنما تحذره من خطر داهم يتهدَّد أطفاله!
بلا كثير تفكير انقذف داخل سيارته، وانطلق إلى البيت. وما أن بلغه حتى اندفع يركض، كالممسوس، إلى حيث أشارت الفتاة. ولدهشته كانت أوَّل ما وقعت عليه عيناه .. فردة حذاء طفل بين الأنقاض! أمسك بمجراف، وأخذ يجذب الحذاء بحذر. وبغتة .. إنفلتت من داخله عقربة سوداء ضخمة كادت تنحشر تحت الأكوام لولا أن عاجلها بضربة قويَّة صرعتها في التو!
كان أكثر ما شغل كمالاً، عندما قفل عائداً، سؤال الفتاة، وقد وجدها جالسة تنتظره في هدوء، عن كيف ألمَّت بكلِّ تلك التفاصيل، بل كيف عرفته هو نفسه! وسرعان ما جاءه التفسير الصَّاعق في طوايا الابتسامة الغامضة:
ـ "شفت ده كلو في المنام، وعرفتك من صورتك الفي الجريدة"!
................................
مرَّت شهور، وأمست تلك الحكاية العجيبة محض ذكرى من (مصايب) صديقي كمال التي لا تنقضي، إلى أن رنَّ جرس الهاتف ذات نهار بمكتبي، وما أن رفعت السَّمَّاعة حتى جاءني صوته يلهث:
ـ "أسمع .. إنتو عندكم مشكلة في أنبوبة الغاز في البيت"؟!
ـ "غاز شنو يا زول .. قول بسم الله"!
ـ "كمال أنا ما بهظر .. متذكر الشابَّة العجيبة اللاقيتا في مكتبي"؟!
ـ "شابَّة شنو"؟!
ـ "ياخي بتاعت العقرب الفي بيتنا"!
ـ "أها .. مالا"؟!
ـ "ضربت لي هسَّي منزعجة .. قالت أحذِّركم لو ما حصَّلتو أنبوبة الغاز حتعمل ليكم كارثة"!
للوهلة الأولى لم أستوعب جيِّداً ما قال. لكن بعد برهة ألفيت سيارتي تهدر مجنونة، عبر الجسر، وأنا خلف مقودها، صوب الخرطوم بحري. وما أن دلفت إلى الشارع المفضي إلى حيِّنا، حتى صكت أذني جلبة عظيمة، وأبصرت سيارة زوجتي مفتوحة الأبواب على مصاريعها، وقد تحلق حولها خلق كثيرون يهيلون عليها التراب، كما أبصرت صبية يتراكضون بأسطال الماء من كلِّ فج!
دُست على المكابح، بقوَّة، أوقف سيارتي قبل خطوتين أو ثلاثة فقط من الحشد، حتى لقد طوَّحت مثيرة زوبعة من الغبار. لكنني عندما انفلتُّ خارجاً منها لاحظت أن الحريق قد أخمد تماماً، فلم تتبق منه سوى آثار طفيفة، وسيارة متسخة تماماً، و .. لدهشتي .. أنبوبة غاز متفحِّمة السطح ملقاة غير بعيد من السيَّارة، وقد أطفأها الناس، بحمد الله، قبل أن تنفجر!
كان مبلغ همِّي، لحظتها، أن أرى زوجتي وإبنتي وأطمئنَّ عليهما. ولم يطل بحثي، إذ ألفيتهما لم تصب أيُّهما بسوء، لحسن الحظ، فقط ألجأهما رعب المفاجأة إلى سور أحد البيوت القريبة.
فيما بعد روت لي زوجتي أنها ذهبت لإحضار إبنتنا من المدرسة. ولأن أنبوبة الغاز في مطبخنا كانت فارغة، فقد أخذتها معها، حيث غيَّرتها في طريق العودة. لكنهما، وعلى بُعد أمتار من البيت، فوجئتا بألسنة اللهب تندلع، على حين غرَّة، من الأنبوبة الجديدة! |
الا يبدو ان هذا من شغل وحيل جهاز الامن والمخابرات؟. والمرأة رقيقة الحال، غامضة الابتسامة، المتنبئة بالمستقبل ومصائبه، تعمل فى جهاز الامن والمخابرات!؟ لاحظ ان المستهدفين فى هذه الاحداث التى تبدو قضاء وقدر، ليسوا كمال الجزولى ولا كمال بخيت، اللذين كانا معارضين للنظام وقتها، وإنما استهدفت هذه الحوادث اقرب الاقربين لهما. ابناء كمال بخيت وزوجة وبنت كمال الجزولى. اين هذه المرأة "المتنبئة" الآن؟
|
|
|
|
|
|