|
Re: الوصول لطريق مسدود ماذا يعنى ؟....عن جديث ياقان .. والمبعوث الامريكى ... ..راى ومقالات (Re: الكيك)
|
المؤتمر الوطني والحركة الشعبية: المحطّة قبل الأخيرة
الطيب زين العابدين
وصلت العلاقة، بين المؤتمر الوطني وشريكه في الحكم الحركة الشعبية، إلى أدنى مستوياتها منذ عقد اتفاقية السلام الشامل في يناير 2005م، وبدأت الحركة تعلن تذمرها من سلوك المؤتمر الوطني بأعلى صوتها، وتتوجّه بشكواها إلى قيادات المجتمع الدولي والإقليمي خارج السودان: الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والرئيس الكيني السابق أراب موي ممثلاً للإيقاد، ولجنة حكماء العالم بقيادة الأسقف ديزموند توتو، وأخيراً مبعوث الرئيس الأميركي أندرو ناتسيوس الذي قضى عشرة أيام في السودان معظمها في الجنوب زار خلالها ست مدن والتقى مرتين بالنائب الأول ورئيس حكومة الجنوب. وصف ناتسيوس المناخ السياسي بين الشريكين بأنه مسموم وأن الثقة بينهما تضيع تدريجياً، وأنهما بدلاً من التعاون في إنفاذ الاتفاقية يتبادلان اللوم وأصبحا عاجزين عن حل خلافاتهما، وأن التوتر يزداد في المناطق الحدودية حيث المواجهة بين الجيش السوداني وقوات الحركة الشعبية، وأن أميركا والمجتمع الدولي مستعدون لمساعدة الطرفين في تجاوز خلافاتهما. والرسالة الأميركية واضحة لمن يريد أن يفهم: إذا عجزتم عن حل الخلافات بينكما فإننا سنتدخّل! وتوجه الحركة الشعبية إلى الاستنجاد بالخارج يعني أنها يائسة من الحل على يد المؤسسات الداخلية: رئاسة الجمهورية أو المجلس الوطني أو مجلس الوزراء أو المحكمة الدستورية دعك من اللجان المشتركة بينها وبين المؤتمر الوطني. فكل تلك المؤسسات تحت سيطرة المؤتمر الوطني بصورة أو أخرى. ولا ينبغي للحركة أن تلوم إلا نفسها لأنها بدلاً من أن تصل إلى اتفاقية سلام مع كل القوى السياسية الشمالية تنكّرت لحلفائها بينهم وقبلت اتفاقاً ثنائياً محضاً مع المؤتمر الوطني، اقتسمت بموجبه حكم البلاد فأعطت الشمال خالصاً للمؤتمر الوطني مقابل أن تسيطر هي على حكم الجنوب، لذلك فهي لا تجد جهة داخلية تشكو إليها ظلم المؤتمر الوطني أو تستعين بها عليه. ومن الناحية الأخرى فإن المؤتمر الوطني الذي نصّب نفسه ممثلاً وحيداً للشمال سيدفع فاتورة التدخّل الخارجي في المسائل العالقة بينه وبين الحركة الشعبية، فكل الجهات الخارجية التي شاركت في صنع الاتفاقية ويمكن أن تتدخل في معالجة مشكلات التطبيق (منظمة الإيقاد، الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة، الأمم المتحدة) تقف بلا مواربة مع الطرف الآخر. ويكفي أن نقول إن مشكلة منطقة أبيي التي تشكّل حالياً أكبر عقبة في استكمال تنفيذ الاتفاقية هي صناعة أميركية في الدرجة الأولى، فالمقترح الأميركي هو الذي شكّل محتوى بروتوكول أبيي، ولجنة الخبراء التي قيل إن رأيها نهائي في ترسيم الحدود تولى رئاستها سفير أميركي سابق يعمل بتوجيهات حكومته أكثر من أن يعمل بعلمه وخبرته (إن كان له علم أو خبرة في مسائل الحدود!). إذا كان التدخل الخارجي ليس في مصلحة المؤتمر الوطني وليس في مصلحة أهل الشمال، فما هو المخرج من الوضع الحالي المتأزّم بين الشريكين والذي ينسحب أثره بالضرورة على مجمل أوضاع البلاد؟ وقبل أن نجيب على هذا السؤال الصعب لننظر في السيناريوهات المتوقّعة من مسيرة الأحداث الجارية. ما هي المحطات الأخيرة التي يمكن أن يصل إليها قطار اتفاقية السلام؟ يمكن أن تكون المحطة الأخيرة هي الوحدة (سالكة أو متأزّمة) عن طريق الاستفتاء الإيجابي في نهاية الفترة الانتقالية أي 2011م؛ الانفصال عن طريق الاستفتاء السلبي في نهاية الفترة الانتقالية أو عن طريق قرار انفرادي من برلمان الجنوب قبل اكمال الفترة الإنتقالية؛ العودة إلى مربع الحرب حول الحدود بين الشمال والجنوب وحول السيطرة على مناطق البترول وذلك قبل الاستفتاء على تقرير المصير أو بعده إن جاء الاستفتاء لمصلحة الانفصال. والأرجح في هذه المحطات الثلاث هو (الانفصال المتوتر) الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب حول الحدود، أي أن الحرب لن تقوم لفرض الوحدة على الجنوبيين، ولكن للدفاع عن المناطق التي يظن أهل الشمال أنها تابعة لهم ويظن الجنوبيون أنها أرضهم. ويصعب على أي حكومة شمالية، بما فيها حكومة المؤتمر الوطني، أن تتنازل عن أراض تابعة للشمال وكذلك بالنسبة لأية حكومة في الجنوب. وإذا قامت الحرب فلن تشتعل فقط في الحدود بين الشمال والجنوب، ولكنها ستشتعل أيضاً في جنوب كردفان وفي النيل الأزرق فهناك أتباع وجنود تابعون للحركة الشعبية في هاتين الولايتين ويظن هؤلاء أن الحركة خذلتهم في عقد اتفاقية السلام التي لم تعطهم الحقوق التي كانوا يتوقعونها. وإذا نشبت الحرب من جديد فهذه فرصة لهم ليأخذوا حقوقهم كاملة بأنفسهم، ولن تتوانى الحركة في مساعدتهم عسكرياً ولوجستياً واقتصادياً انهاكاً لحكومة الشمال وقواتها. وإذا قامت الحرب فسيخسرها الشمال لأن أهل الشمال لن يكونوا على استعداد لخوض معركة تحت راية المؤتمر الوطني مهما كانت أهداف تلك المعركة، لقد استنفد المؤتمر الوطني كل حظوظه من حسن الثقة بين أهل الشمال! وسيقف المجتمع الدولي مع (المسيحيين المضطهدين) الذين تريد حكومة الشمال الأصولية أن تستولي ثرواتهم المعدنية. ولكن خيارا الانفصال أو الحرب لن يكونا برداً وسلاماً على الحركة الشعبية أيضاً، ستكون من أول أهداف الحرب ضرب حقول البترول التي تظن حكومة الإنقاذ أنها استثمرت فيها جهداً كبيراً ومالاً، ولا ينبغي أن تسقط لقمة سائغة (للعدو) يستغلها في حربه على الشمال. وستحرّك حكومة الشمال كل من تستطيع تحريكه من مليشيات الجنوب القبلية لتنقض على قوات الحركة الشعبية، وسيكون الإغراء هو السيطرة على كل موقع يستطيعوا أن ينتزعوه من الحركة الشعبية بما في ذلك مواقع البترول. ولكن المأساة الكبرى ستقع على الشماليين في الجنوب وعلى الجنوبيين في الشمال، فلو انطلقت مجرّد اشاعة بأن الشماليين قتلوا في الجنوب، لن ينتظر أهل الشمال طويلاً قبل أن ينقضوا على من جاورهم من الجنوبيين، ولن تحرّك الحكومة ساكناً من أجل حمايتهم وحفظ الأمن لأن حكومة الجنوب لم تفعل شيئاً لحماية الشماليين هناك. وستتكرر مآساة طائرة كلمنت أمبورو عام 1965 ومأساة مقتل قرنق في أغسطس 2005 بأضعاف مضاعفة! وستؤدي الحرب إلى فساد العلاقات بين الشطرين لسنوات طويلة قادمة مثل ما حدث بين أثيوبيا وأريتريا ومثل ما حدث بين الكنغو برازافيل والكنغو كنشاسا. وخلاصة الأمر أن الحرب ستكون أسوأ الخيارات وينبغي أن يبذل كل جهد ممكن لتفاديها. وهنا يجوز لنا الحديث عن المحطة قبل الأخيرة، أي قبل احتمالات الوحدة أو الانفصال أو الحرب. المحطة قبل الأخيرة هي الانتخابات القادمة، والوقت المتاح للشريكين هو معالجة المشكلات العالقة قبل ذلك التاريخ. السيناريو الأفضل أن تشترك القوى السودانية الكبيرة في الوصول الى معالجة مقبولة ليس فقط لملف اتفاقية السلام ولكن لأزمة دارفور وغيرها من القضايا. السيناريو الثاني أن يبذل المؤتمر الوطني والحركة الشعبية غاية جهدهما في الوصول إلى تسوية سياسية حول المسائل الشائكة ولا بأس من الاستعانة في مسألة الحدود بمحكمة العدل الدولية التي لها سوابق كثيرة في هذا المجال، فالانجاز الذي حققاه في اتفاقية السلام غير مسبوق في تاريخ السودان منذ الاستقلال ولا ينبغي لهما أن يحطما ذلك الانجاز بالاستماع الى حماقة بعض المتشددين من الطرفين. السيناريو الثالث أن تتقدم القوى الرئيسة الثلاث في الساحة (المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية، وأحزاب المعارضة الشمالية) برؤية واضحة لكيفية معالجتها لقضايا البلاد بعد الانتخابات الى موعد حلول الاستفتاء، وعلى رأس تلك القضايا استكمال تنفيذ اتفاقية السلام وحل أزمة دارفور، وتكون هذه الرؤية هي أساس التحالفات الانتخابية بين القوى المتقاربة في برامجها لخوض الانتخابات القادمة. ويقع على التحالف الفائز أن ينفذ برنامجه وعلى الطرف الآخر أن يقبل بحكم الجماهير. ولا بديل للمعالجة السلمية الداخلية سوى فرض الحلول الخارجية أو الحرب مرة أخرى.
|
|
|
|
|
|
|
|
|