الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
منصور خالد يكتب عن الراحل .....امين التوم ساتى..
|
الاحد29نوفمبر2004 امين التوم .. رجل لا أعُزي فيه بل فيه أُعَزى
بقلم: د. منصور خالد
عندما نعى لي الأستاذ إدريس حسن أول من أمس نبأ رحيل الأستاذ الجليل أمين التوم قلت لنفسي هذا رجل لا أُعَزي فيه بل فيه أُعَزى. كان أمين أباً حانياً، وأخاً كريماً، ومرشداً لا يضل من تقفى أثره، كما كان جاراً يُجير ولا يُجار عليه. وعلى امتداد عمره تأزر أمين السماحة ولم يعرف عنه الاجتراء على قبيح. بفضل هذه الوشائج وتقديراً لفضائله وفواضله نمت بيني وبين شيخنا الجليل علائق وارفة، واستكن في نفسي حب له عميق. وبسبب من كل هذا، انحفرت في الوجدان وقائع يصعب أن تنمحي. وإن كان أغلب الناس لا يعرفون غير أمين التوم الذي ظنوا أن السياسة قد ملكت عليه أقطار نفسه، إلا أنني عرفت أميناً آخر إستهواه المسرح والأدب والفن وهي أمور كنت اتجادل معه فيها كثيراً وتعلمت منه غير قليل. فقبل ولوجه ميدان السياسة كان أمين ناشطاً مرموقاً في المنتديات الثقافية في الثغر، الاسم الذي كان أهل زمانه يطلقونه على مدينة بورت سودان. وكان من بين صحابه في تلك المنتديات الراحلون مبارك زروق وحامد حمداي وعبد العزيز الكابلي، والد الفنان عبد الكريم. ومن رَحِم تلك المنتديات خرج امين على الناس برواية ''أم دورين''، والتي كانت إضافة للأدب المسرحي السوداني الذي افترعه الشيخ إبراهيم العبادي بروايته المك نمر (أخرجها الشيخ بابكر بدري عام 1927)، وتبعه فيه خالد عبد الرحمن أبو الروس برواية خراب ''سوبا'' (أخرجت في نادي الزهرة بأم درمان)، فسيد عبد العزيز في ''صور الغرام'' (الرواية التي قدمت للمجتمع الفنان زنقار في نادي التاج الرياضي)، ثم قصة أحمد إبراهيم فلاح ''فرسان الغرام'' (قدمت للمرة الاولى في نادي توتي). ومن المؤسي أن الانهماك في السياسة الوطنية أقعد الراحل عن مواصلة نشاطه الأدبي، وكان في ذلك إفقار للأدب.
وحين دلف أمين التوم الى ميدان السياسة لم يهرول فيه إلى غير غاية كما فعل آخرون، بل أستانى عن الزحام عند الحوض الروى مع قلة من صحبه الأقربين. من بين هؤلاء عبقري الروح زين العابدين حسين شريف الذي لم أعلم برحيله إلا في اللحظة التي جلست أسجل فيها هذه الخطرات. الرجلان نأيا عن السياسة بعد أن أضحت حشواً ليس فيه ''سوى الهذيان من حشد الخطيب''، وقبل أن يصبح الوطن فريسة تنتهشها الذئاب الاسبارطية. ولربما كان هناك سبب آخر لنأي الرجلين بنفسيهما عن مأدبة اللئام هذه، ذلك السبب هو الكرامة. الكرامة عند البعض هي أغلى ما يملكون، إلا أنها عند أمين وزين كانت هي كل ما يملكان. لا أغالى إن قلت أن أمين التوم أيضاً، من بين كل أبناء جيله من السياسيين، كان نموذجاً متفرداً في الامانة الفكرية والشجاعة الأدبية. فمن بين كل السير الذاتية التي قرأت في ربع القرن الأخير كان كتاب أمين التوم ''ذكريات ومواقف في طريق الحركة الوطنية السودانية، دار جامعة الخرطوم للنشر ''1987 أقرب محاولة للنقد الذاتي الصادق. وقد سعدت كثيراً بقراءة ذلك الكتاب الذي اهداه إلى مشكوراً في هجرتي الاولى بلندن. ولكي لا أظلم الناس أقول أن تلك الأمانة لمستها مؤخراً في مذكرات أحمد محمد يس (العام 2001)، والتي بعث بها إلى مشكوراً هو الآخر وهو يصدرها ـ أبقاه الله ـ بقلم غير مرتعش: ''إلى أخ كريم وإبن اخ كريم''. وعلى أي، فالذي يقرأ مذكرات أمين التوم يلمس فيها، أول ما يلمس، كيف أن الراحل لم يذهب الى ما ذهب إليه البعض في تنزيه أنفسهم عن كل خطيئة، والحاق المسئولية كلها عن أخطائهم، بل خطاياهم، بالآخرين. وإن كان من الصعب على كتاب السير الذاتية النأي بأنفسهم عن الشخصانية إلا أن أمين التوم حاول، وأفلح، في أن لا يجعل من نفسه أو مجموعته السياسية سرة الكون، أو أن يلغي جهود زملائه المعارضين في الحركة الوطنية، أو يلتمس الاعذار لبعض الأخطاء الجسيمة التي لحقت بالديمقراطية مثل حل الحزب الشيوعي. رحم الله أبا مهدي وأبا زينب فبرحيلهما أُدرج في الكفن إثنان من آخر العادلين.
|
|
|
|
|
|
|
|
|