|
Re: البتروفوبيا (Re: هشام آدم)
|
_______________________
الفصل الرابع:
عزيزي روبن ..
كما أنا سعيدة لأنك بخير، وسعيدة أكثر لأنني قادرة على التواصل معك أخيراً. لا تدري مدى الفراغ الذي تركته رحيلك، والوحدة التي أحس بها في كل لحظة. ذلك اليوم استيقظت صباحاً، ولم أجدك إلى جواري، ووجدت رسالتك على آلة تسخين الماء، لم أصدق ما قرأته في أول الأمر. خلتك ستعود كما كنتَ تفعل دائماً. كنت مستبصرة بكل ما مررت به من وعكات نفسية وما تركه عدم العمل على سلوكك حتى معي، وكنت متفهّمة تماماً لكل ذلك، ولكن لم يكن بيدي ما أفعله. كنت أحاول بقدر المستطاع ألا أقوم بشيء يزيد من شعورك بالطفيلية رغم أنني لم أرك كذلك أبداً. أعرف عنك أنّك شخص مفرط الحساسية، وسريع التأثر، ولكنني لم أعرف أنّ هذا الأمر قد يؤدي بك إلى أن تقرر الرحيل بعيداً عني، بعيداً عن حضن إيميلي الدافئ الذي لطالما احتواك يا عزيزي.
لست غاضبة منك، ولكنني أفتقدك بشدة، أكثر من أيّ وقت مضى. كل يوم أعود إلى المنزل، أتردد كثيراً قبل أن أضع رأس المفتاح وقبل أن أديره لينفتح الباب عن بيت موحش وكئيب كبيوت الأشباح المسكونة بالأرواح. كثيراً ما أسمع صوت ضحكاتك الرائعة في الأرجاء، فيخيّل إليّ أنّك ممدّد في الداخل، وأنّك سوف تأتي في أيّ لحظة لتحتضنني من الخلف، وتشدني إليك بقوة، واستشعر الدفء والأمن بين يديك مرّة أخرى. أتعلم أني أحسّ بالبرد كل ليلة؟ أجل! وأشعر بأنني وحيدة، وأنّ أوراق الجدران التي تلف البيت تملك أعيناً خفية تنظر إليّ وتراقب كل ما أفعل. لم استشعر هذا من قبل أبداً. كيف أمكنك أن تتركني هكذا روبن؟ منذ أن غادرت وأنا أنام على الأريكة التي في غرفة الجلوس، أترك جهاز التلفزيون مفتوحاً حتى الصباح لأشعر بالأمن والاستئناس، حتى أنني اشتريت قطة شيرازية مؤخراً. تذكرت حديثك عن البوميرينين وضحكت كثيراً عندها. أصبحت القطة تذكرني بك كذلك.
لا أدري ما يتوجب عليّ قوله لك؛ هل ينبغي أن ألومك على تركك لي، أم أن أشجعك على ما قررت فعله؟ بوسعي أن أتفهم تلك الضغوط التي حملتك لاتخاذ هذا القرار، ولا شك أنّك كنت تعاني كثيراً ولقد أدركت ذلك منذ الأسطر الأولى لرسالتك. أريد أن أقول، أنني لم أكن أكترث كثيراً بما كان يقوله الآخرون، وكنت على يقين بأن أمور سوف تتحسن ذات يوم. أخبرني أبي قديماً أن امرأة مبتورة اليدين كانت تنفخ في وجه صخرة عملاقة تسد الطريق المؤدية إلى مراعي السافانا الشرقية، ولم تفلح يوماً في زحزحة الصخرة عن الطريق وكان الناس يسخرون منها ويقولون لها كلاماً محبطاً غير أنّها لم تزل تنفخ بعزم وجد حتى استطاعت أن تفعلها أخيراً. كان ذلك حدثاً عظيماً في القرية. عندما سألوها عن سرّ عزمها الفولاذي لم تجبهم بشيء إطلاقاً، واكتشفوا عندها أنها صماء! هل رأيت، لم تكن تسمع سخريات الآخرين ولا ذلك الكلام المحبط، وربما لو سمعته لم تمكنت من إزاحة الصخرة حتى اليوم. أعرف أنّ كلامي قد يبدو سخيفة لك ولكنني فقط أريد أن أقول بأن الناس دائماً محبِطون. لا أحد يعرفك كما أعرفك أنا روبن، لذا فقد فاجأني قرارك هذا، ولم أستطع أن أتأقلم مع هذا الوضع الجديد الآن.
أتريد ما منتهى ما تبغيه أيّ امرأة في هذا العالم؟ هي لا تحتاج إلى المال لتشتري به ما تريد، ولا تحتاج للعمل لتشعر بذاتها وكينوتها، ولا تحتاج للشهرة والحفلات الصاخبة لتعبّر عن نضوجها الاجتماعي، ولا تحتاج للجنس لتشعر بأنوثتها. هي إنما تحتاج أن تشعر بالأمان في يد رجل تثق بأنه يحبها فعلاً. أن تستشعر منه الاهتمام، أن يكون فقط إلى جانبها. تريده مستمعاً إلى همومها لا متطوعاً لحلها. المرأة منّا تريد فقط شخصاً يجيد الاستماع والتشجيع حتى إزاء تلك المشكلات التافهة والحقيرة. وأنت، روبن، كنتَ ذلك الرجل بحق، لا يهم ما تكون ولا يهمني كونك ثرياً أو فقيراً معدماً، لا يهم إن كنت تقضي أعياد الميلاد المجيدة في باريس أو تقضيها متسكعاً في شوارع لوس أنجلوس الأكثر وضاعة، ولا يهم إن كنتَ تسكني معي أو أسكن معك، المهم لديّ أن نكون معاً، أن أحسّك إلى جواري دائماً. سأخبرك بشيء وأريدك ألا تضحك: في أيامٍ كثيرة أقضي ليلاً مرتدية ثيابك التي تركتها هنا في خزانة الملابس. بهذه الطريقة فقط أشعر بك وكأنك تحتضنني بقوة وتسحبني إلى صدرك، وأشمّ رائحتك في كل وضعية أكون فيها. أعلم أن هذا يبدو جنونياً، ولكنني أقوم بذلك فعلاً.
الحياة يا روبن ليست طويلة كفاية حتى نهدر فيها أيامنا في الفراق والأشواق وانتظار المجهول. لا أريدك أن تعود، فأنا أحترم قراراتك الخاصة، ولكنني لا أريد أن تتوانى لحظة واحدة في العودة إذا لم تشعر بالارتياح في تلك البلاد. آه، نسيت أن أسألك عن سرّ اختيارك للبلاد العربية، لِم لَم تذهب كما يفعل الجميع إلى المكسيك أو البرازيل أو إيطاليا حتى! لِم اخترت أبعد الديار لتسكنها، ولتجعل قلبي مشدوداً بعبٍ ناتئ إلى حيث أنت دائماً؟ هنالك الكثير لأخبرك به، فمنذ رحلت حدثت أمور كثيرة، ولكنني فقط أحببت ألا يزاحمني فيك شيء آخر في أول رسالة تستلمها منّي. أريد أن تعرف أنني أحبك، وأنني سأظل محبة لك، ولا يرتبط ذلك لديّ بقرار عودتك من عدمه. المرأة تحب دائماً دون أن تنتظر المقابل، وهذا ما لم تفهمه يا عزيزي.
أرجو أن يوفقك الرب في إيجاد عمل مناسب، وبالطبع سوف أكون سعيدة إن حدث ذلك. وأن يكون دائماً إلى جوارك. كن بخير فهذا أقل ما تستحقه يا عزيزي. مع أمنياتي لك بالتوفيق والنجاح.
ملاحظة: لقد وصلتني الصور المرفقة بالرسالة الإلكترونية، بعض اللقطات لك وأنت في فرانكفورت وبعضها الآخر في خليج البترول، لقد بدوت أبدن من ذي قبل يا عزيزي وتبدو بصحة جيّدة. أحبك كثيراً.
مخلصتك دوماً إيميلي سميث 13 سبتمبر/أيلول 1999
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
البتروفوبيا | هشام آدم | 02-12-08, 09:08 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-12-08, 09:46 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-12-08, 11:33 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-12-08, 01:54 PM |
Re: البتروفوبيا | humida | 02-12-08, 02:03 PM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-13-08, 06:21 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-13-08, 01:23 PM |
Re: البتروفوبيا | humida | 02-14-08, 10:33 PM |
Re: البتروفوبيا | ود الباوقة | 02-14-08, 10:39 PM |
Re: البتروفوبيا | humida | 02-14-08, 10:59 PM |
Re: البتروفوبيا | Sahar Abdelrahman | 02-15-08, 10:37 AM |
Re: البتروفوبيا | humida | 02-15-08, 02:08 PM |
Re: البتروفوبيا | حيدر حسن ميرغني | 02-15-08, 02:19 PM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-16-08, 06:40 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-16-08, 06:33 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-16-08, 06:27 AM |
Re: البتروفوبيا | حيدر حسن ميرغني | 02-16-08, 06:52 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-16-08, 07:21 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-17-08, 11:59 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-18-08, 07:18 AM |
Re: البتروفوبيا | محمَّد زين الشفيع أحمد | 02-18-08, 09:21 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-18-08, 09:51 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-19-08, 06:39 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-19-08, 11:38 AM |
Re: البتروفوبيا | هشام آدم | 02-19-08, 01:16 PM |
|
|
|