|
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن (Re: wadalzain)
|
د.ناهد محمد الحسن
لا شك إن الأجيال القادمة هى الرهان الوحيد المتبقى لمجتمع سليم ومعافى، وإلى أن يأتى هذا الوقت علينا أن نعالج أنظمتنا التربوية ومن قبلها علاقاتنا الزواجية والوالدية. وقد انتهينا فى المقال السابق الى اسس اختيار الشريك باعتبارها الخطوة الأولى نحو زواج مستقر وسعيد, ونحن اليوم بصدد مراجعة علاقاتنا الزواجية بغرض دفعها نحو مفهوم الشراكة الحقيقية لتحقيق بيئة تربوية آمنة للطفل ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
يحفظ الزوجان أدوارهما فى سيناريو الزواج حتى ينصرف الضيوف فيبدآن بالارتجال غير الخلاق، باعتبار أن الجميع يركزون على ليلة العرس متجاهلين ما بعدها، حيث يبدء الرهق الحقيقى فى مواجهة التغيرات الجديدة والواقع الصعب. فالزواج السعيد ليس هبة بقدر ما أنه شئ نتعب فيه لإنجاحه والمحافظة عليه. والوقت الذى نهدره زمن الخطبة فى الثرثرة التى تجمل الشريكين فى أعين بعضهما البعض، وإلهاب المشاعر وشحن الغرائز، كان يمكن ادخاره للحديث الواعى حول الزواج وتنبيه الشريك الى العيوب التى لا يراها ليتعامل معها... الأشياء التى يحبها كل منهما ويكرهها... فقد يحتاج احد الشريكين الى رؤية طبيب نفسى إذا وجد نفسه مثلا عاجزا عن التواصل السوى نتيجة لتراكم خبرات الطفولة السابقة وغيره من الأسباب. الوضوح والصدق والواقعية، هي أولى خطوات الزواج السعيد, حتى لا نفاجأ بأننا تزوجنا من شخص لا نعرفه وكثيرا ما تسمع عبارة "تغيّر بعد الزواج"، وهو بالطبع لم يتغير بل هدأت الرغبة، فألقى اليها قميص يوسف فارتدّت بصيرة.
علينا قبل الزواج من التأكد بأننا فى طريقنا للزواج من بشر قضى زمنا لا يستهان به رهينا لأنظمة تربوية تفعل فعلها فى الشخصية، ولم يسلم منها الا القلّة المحظوظة، لذلك نحن بحاجة الى مواجهة الذات قبل الدخول فى تجربة قد تؤلم شخصا كل ذنبه فى الحياة أنّه أحبّنا. وقد تتحول عملية التغيير هذه بمساعدة الشريك الى تجربة عاطفية مثيرة. ربما أول سؤال يخطر ببالى كلما تأملت دراما الزواج فى بلادنا: لم لا يلبث الشريك أن يرحل الى الصالون تاركا الزوجة فى دوار الأعمال المنزلية، الأطفال، وطلبات الزوج التى لا تنتهى، والضيوف والمجاملات الاجتماعية؟. وللحاق بهذا الماراثون تبدأ الزوجة فى الاغتراب عن ذاتها شيئا فشيئا، فلا أنت تعرفها ولا هى تعرف نفسها!. وحتّى لا يبتسر أحدهم حديثى بدعوى أنّه إلزام لمشاركة الرجل فى الأعمال المنزلية، أؤكد قناعتى بأن العمل المنزلى وتربية الأطفال الدؤوبة، تجارب روحيّة مثمرة، تعوّد على الصبر وتحمل المسؤولية وضبط النفس وتنير الدروب المعطبة بالذات فى مجال ترقيها نحو الإنسانية. وغياب الأب السودانى عن عالم أطفاله بسبب العمل والرزق او عمدا لخلل مفاهيمى متعلق بالأدوار الجندرية التى تكل للمرأة مسؤولية البيت والتربية, قد يكون وراء غياب أخلاقيات العمل والالتزام المهنى والنهوض بالمسؤولية وعدم الصبر على العمل الشاق, لذلك نجد كثيرا من الآباء يهربون تاركين النساء بمفردهم فى مواجهة الحياة. وتعيش المرأة السودانية أصعب تجارب الزواج النفسية على الإطلاق بمفردها، دون دعم الزوج ومساندته فى لحظات الإنجاب.
يعتبر رحيل الزوج الى الصالون علامة على فشل الحوار الزواجى أو على أحسن الفروض تدليلاً على مسيرة زواجية تقليدية. الطفل الذى ينشأ وهو يراك لصيقا بزوجتك ولديكما غرفتكما الخاصة، لن يندهش كالطفل الذى يضبطك فى فراش أمه ليلا! للسرير المشترك قدرة مدهشة على إبقاء التواصل وتحسس الحواجز التى فى طريقها الى الارتفاع. وهو من أهم دعائم الذات لدى المرأة وأحد أهم الأشياء التى تبقيها دافئة وعلى عناية دائمة بشكلها. كما أنه فاتحة للحديث فى أحد التابوهات المحرمة، التى تتسلل باختلالها وتشوهها لتعكر صفو حياتنا وتجلب السخط اليها، باعتبار أن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر لا بد من التطرق اليه ما دمنا بصدد دفع الحياة الزوجية نحو الشراكة الفعلية.
تتعلق المرأة بالتفاصيل الحميمة التى تسبق المباشرة الجنسية أكثر من العملية الجنسية نفسها، وهى دراسة إحصائية تطرق لها السيد الصادق المهدى فى كتابه (المرأة وحقوقها فى الإسلام)، وإن كنّا فى مقال سابق ناقشنا الانجذاب الجسدى القائم على مؤشرات الخصب، فنحن بصدد إيجاد أجابة لانجذاب المرأة للرجل العريض المنكبين كتفصيل جمالى أساسى، ربما هى الرغبة فى الحماية بالاختباء فى كوخها الصغير بين ساعدى الرجل الذى تحب. لكن دون شك الطريقة التى بوسع ساعدين بهذا الاتساع أن تعانقاها بها، هى تجربة يود الجميع لو يختبرها. والوقوف عند الساعدين للتدليل على أهمية التفاصيل الحميمة فى علاقة يعانى أحد أطرافها من تأخر الاستثارة والوصول الى الذروة.
لو سألنا: لم تحب المرأة شخصية الدون جوان فى مختلف الثقافات؟ لباتت الإجابة واضحة: من تعاطيه المدرك والحساس لحاجات النساء العاطفية. هنالك أشياء بسيطة بمقدورها أن تشعل جذوة حبنا للشريك الذى لا ينى يلتفت الى اجسادنا الجميلة وحضورنا الأنيق.. ولا يزال يؤكد معنى وجودنا فى حياته. والكلام الجميل هو ما نفتقر اليه رجالا ونساء... فإذا كنت مثلا متضايقا من غياب زوجتك لظروف عائلية ملحة خارج المنزل جعلتك تشعر بأنك تفتقدها وبدلا أن تسمعها هذه العبارات الرقيقة، تنفجر فى وجهها عند حضورها مؤنبا لها على تأخرها ومبالغا فى إشعارها بالتقصير والإهمال. بعض الرجال يحتكمون الى حكمة قديمة مفادها لا تظهر عواطفك لامرأتك فتسئ استخدامها، وهى الحكمة التى أحمّلها مسؤولية الشتاء الذى يسكن فى كل البيوت السودانية جاعلا القلب متطلعا الى شمس جديدة، يصبح حضورها ضرورة بقاء لا مجرد نزهة عابرة. يقول أندريه موروا فى (فن الحب): "ولعل شخصا كريم النفس ان يقول: اننى اعلم باعترافى لك بحبى أضع نفسى تحت تصرفك، ولكن يسرنى ان افعل ذلك. فإذا كان الشخص الآخر اهلا لهذه الثقة، امكن للحب ان يعيش الحب بأسمى معانيه حبا متبادلا قوامه الثقة المشتركة.. اما اذا لم يكن ذلك الشخص كذلك فإن من الضرورى إعطاءه جرعات مقوية من الدلال".
وما يخترعه موروا هنا من فنون الحب يلائم طبيعتنا تماما، فالرجل ليس مخطئا تماما فى إخفاء مشاعره ولكن هذا الإخفاء عطل عملية تداول الحب حتى سئم الشريك. فأنظمتنا التربوية التى تنتهى بنا الى عوز الحب المكتسب تجعلنا ساديين جدا امام الحبيب الذى يرمى رايته عند اقدامنا ويركع.. فجرعات الدلال التى اقترحها موروا من شأنها أن ترده الى صوابه وأنك فى طريقك للإفلات من قبضته فيكف عن ألاعيبه الصبيانية. فبالاضافة الى عبارة موروا يمكنك ان تفهم الشريك انك وإن كنت تتألم لفقده الا انه بمقدورك الرحيل ما دام هو غير راغب فى بقائك. انها توليفة بمقدور اى شخص ان يفتلها وفق هواه، وكما تشتهى الحيل.. اذ اننا لا نزال نقدر الأكاذيب والالتواءات أكثر، اذ علينا ان نتفادى مكانيزمات الدفاع النفسى التى يشهرها فى وجهنا الشريك كلما حاولنا الاقتراب منه.
هل حاولت مرة بعد حياة زوجية طويلة ان تتودد الى زوجتك فى أثناء قيامها بالأعمال المنزلية بالجلباب القديم والشعر المهووش؟ وهل حدث وأخرجت حياتك الزوجية من صقيع الاعتياد والصرامة العلائقية والطريق المختصرة للتخلص من إلحاح الرغبة؟. كلما نظرت الى رقصة الفالس الوافدة الى بلادنا فى طقس الزيجات الحديثة، اتساءل: لم لا نستخدمه كحيلة راقصة للبقاء فى احضان احدهم بالمنازل الزوجية؟! فالتفاصيل الصغيرة فقط هى التى تخلق قصة حب ورثاء كهذى:
"بلقيس هذا موعد الشاى العراقى
المعطّر والمعتّق كالسلافة
فمن الذى سيوزع الأقداح ايتها الزرافة؟
ومن الذى جلب الفرات لبيتنا
وورود دجلة والرصافة؟".
قصيدة (بلقيس) لنزار قبانى هى قصة الرثاء لأعظم لزيجة ازدهت بالتفاصيل الحميمة من امشاط شعرها الى امشاط قدميها، والحيلة الوحيدة الناجعة لإبقاء احدهم بقربنا هى المزيد من الحب والعطاء، اذ يتسلل الكسل والرماد الى اسرّة المحبين بعد الزواج، ويتبخر الشغف فيثور الخوف والتوتر ويظهر الشجار.. وكل ما علينا لإبقاء هذه الجذوة الإصرار على العبارات العاطفية الجميلة مع إجازات خاطفة تذكى نار الشوق والوجد. علينا ان نسد كل الفجوات فى قلوب الذين نحبهم فلا يتسلل منها المتسللون، وعلى المرأة ان تخرج من انقياديتها البلهاء والطوعية الى حد ما، فالذى يهرب من الندية شخص متهالك او لا يدرى ماذا يريد. يتعلق الرجل بالمرأة ذات الشخصية القوية ويبدأ فى ابتزازها عاطفيا لترويضها الى ان لا تجد فى نفسها حرجا مما قضى وتسلم تسليما ليكتشف انه كان عاكفا طوال الوقت على نزع الأوراق التى يحبها من زهرته دون ان يدرى!.
والحقيقة ان المرأة ليست بريئة تماما من المسؤولية، يقول الدكتور مصطفى حجازى: "فالمرأة التى تنادى بالشراكة والتكافؤ فى المسؤوليات والحقوق لا تزال مدفوعة بدرجات مختلفة من التمسك بالأدوار القديمة بما فيها من تبعية واتكالية، وفوائد مختلفة. كذلك هو حال الرجل الذى لا يزال يخفى فى أعماقه نفس النزوع التسلطى الفوقى الموروث ثقافيا، ونفس النظرة الى المرأة كأداة لتحقيق مختلف رغباته وغاياته, وراء شعارات المساواة والانفتاح والتطور التى يرفعها عاليا". وقد عنيت بخطابى الرجال أكثر لأنهم لا يزالون فى مواقع القيادة والريادة فى المجتمع يحرسون أبواب التغيير بصرامة وهواجس يفضلون فيها الإيحاءات غير المباشرة بالرغبة من دخان وعطر وخلافه وينفرون من التودد المباشر الذى يلمس خلايا الشكوك ويجعلها تتكاثر بشراهة.
ان لم نكن طبيعيين وتلقائيين فى حياتنا الزوجية فسيحل التوتر محل السلام، ولو كانت الحياة الزوجية رحلة مؤقتة لأمكننا التظاهر، لكنها شبه حكم بالمؤبد علينا فيه ان نحسن اختيار رفيق سجننا فنسجن انفسنا فى روعته حتى يتلاشى وعينا بالأسر وإلا تنامى احساسنا بالقضبان الى حد تحطيمنا او تحطيمها والخروج. (نواصل
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 09:59 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:02 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:05 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:08 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:13 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:17 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:22 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:33 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:35 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-17-08, 10:38 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | kamal ali | 01-18-08, 00:49 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | doma | 01-18-08, 05:01 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | صباح حسين طه | 01-18-08, 06:55 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | doma | 01-18-08, 07:05 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | عبدالكريم الامين احمد | 01-18-08, 07:25 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | doma | 01-18-08, 07:28 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | Yasir Elsharif | 01-18-08, 07:55 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | كمال الدين بخيت اسماعيل | 01-18-08, 09:21 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | أبو ساندرا | 01-18-08, 11:12 PM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | Mannan | 01-19-08, 00:54 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-19-08, 10:39 AM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | sudania2000 | 01-19-08, 01:57 PM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | Elawad Eltayeb | 01-19-08, 02:43 PM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | Elawad Eltayeb | 01-19-08, 02:43 PM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | Faisal Al Zubeir | 01-19-08, 05:42 PM |
Re: الـدكــتوره ناهـــد مـحمـد الـحســن | wadalzain | 01-22-08, 01:56 PM |
|
|
|