|
عشوائية الإنقاذ في تكريم الرموز الوطنية - محمود أبو العزائم
|
الإنقاذ دأبت على تجميل نفسها على إمتداد حكمها بأسماء عرفها الشعب و الوطن رموزاً للعطاء محاولة بذلك إستغلال رصيد هذه الأسماء من الحب في كسب تعاطف الشعب و سكوته على تغولها على إنجازات صناع الإستقلال من الوطنيين ... و على هذا النهج سارت على نهج إستهلاك إرث الشعب التاريخي من النضال في التحايل عليه و خداعه ... أكتب و قد دفعني مقال للأستاذ الكبير محمود أبو العزائم بجريدة آخر لحظة بالعدد رقم( 520 ) الصادر بالخرطوم اليوم الجمعة و هو بعنوان ( يحي الفضلي و التكريم )يتطرق فيه لإستهتار هذه الحكومة بمثل من هم في مثل قامة يحي الفضلي ...
Quote: لايزال سيل الرسائل باليد ترد الى «آخر لحظة» ولايزال هاتفي النقال يرن والموضوع في الحالتين هو عدم تكريم المناضل التاريخي الأستاذ يحيى الفضلي، فقد بعث اليَّ الأستاذ عبدالمنعم عبدالقادر عبدالماجد وروى لي الحكاية الآتية التي سمعها بتفاصيلها من السيد محمد الحسن عبدالله القطب النقابي الكبير، رئيس نقابة عمال السكة الحديد، قال حدثت هذه الواقعة إبان حكم ثورة مايو حيث كان البروفيسور عون الشريف قاسم وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف في الوقت الذي كان يحيى الفضلي يسكن في منزل تابع للأوقاف، وبعثت هيئة الأوقاف بخطاب الى يحيى الفضلي تأمره بإخلاء المنزل فوراً، وكان رد يحيى ليس أمامي سوى أن أرحل بأثاث بيتي وأسرتي لنقيم في الجامع، إذ أنني لا أملك بيتاً عند الإخلاء لأذهب اليه. وسمع رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت الأستاذ عزالدين السيد بذلك فذهب فوراً الى الرئيس جعفر نميري وأبلغه بما تعرض له يحيى الفضلي، فاشتاط الرئيس نميري غضباً وأصدر قراراً بأن يبقى يحيى الفضلي الزعيم والبطل التاريخي في المنزل الى ما شاء الله وأذيع القرار في نشرة الساعة الخامسة من مساء نفس اليوم، بل إن الرئيس نميري أضفى على هذا الإسم كثير ثناء. وقد أيد لي الحادثة الإبن الأستاذ إلياس الأمين، الذي أخبرني بأنه كان حاضراً مع السيد عزالدين السيد عند لقائه بالرئيس جعفر نميري، هذه واحدة، رسالة مكتوبة. أما الثانية فهي من الإبن منتصر السر محمد أحمد الذي قدم لي من الشكر أجزله وأثنى على ما كتبت عن شخصية بطل تاريخية من أبطال الإستقلال والحرية وقائد شجاع ضد الإستعمار البريطاني وكغيره من شباب هذا الجيل الذي تألم عندما لم يسمع اسم يحيى الفضلي بين رموز الإستقلال المكرمين، إرتاحت نفسه كثيراً عندما قرأ مقالي الذي وضعت فيه يحيى الفضلي في مكانه الصحيح من الحركة الوطنية فلا غرو إن كنت من أقرب الناس اليه وهو يستحق مني أن أختصه بمصنف أكتبه عن هذا الرجل أعرفه وهو موظف في مصلحة السكرتير المالي، حيث كان يرتدي البدلة الكاملة وعلى رأسه طربوش إيغاظة للإنجليز واستفزازاً لهم معلناً عن الكفاح المشترك بين شعبي السودان ومصر.. وأعرفه وأنا طفل أدرس في الكتاب القديم، كتاب البندر وسلمه أربع سنوات، ذلك في مدينة ود مدني، إذ كنا ننتظر مجيء يحيى الفضلي في إجازته السنوية، ننتظره عاماً كاملاً لأن في مجيئه منحة لكل أطفال الحي قدرها شلن وكان يلعب معنا كرة الشراب عصر كل يوم. وأعرفه وانا شاب كبير أغشاه صباح كل يوم قبل الذهاب الى عملي وفي كثير من الأحيان كان يزوره معي بابكر كرار رحمه الله، ويحيى مولع بشرب القهوة يأتينا بها وكل فنجان يختلف عن الفنجان الآخر ويذهب بابكر كرار الى الكنتين القريب ويأتي بطقم من دستة فناجيل.
وأعرفه وهو يستعد لأداء اليمين وزيراً للمواصلات كان يرتدي في ملابسه والى جانبه صغرى بناته فيندفع صارخاً في وجهي كيف تجيئني الآن وكل الناس كانوا معي أمس ثم ينحني على أذني ويزعم أنه ليس معه «فكة» ويطلب مني خمسين قرشاً للطفلة التي تقف الى جانبه لتذهب للمدرسة، وأعلم أنا أنه لا يملك مليماً واحداً.. يحيى الفضلي الذي يملك عشرات الدكاكين المؤجرة في مدني وعدداً من الحيشان في مدني وأربعين «عتبه» في أم درمان يسكن بالإيجار ويهدد بالطرد مرتين في حياته وأخرى بعد أن رحل عنا، وهو الذي باع كل العقارات لينفقها على الحركة الوطنية.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|