|
استجداء لذوي النخوة لحمل مريضة ( بنقالة ) بالسلاح الطبي
|
لا أقصد الإثارة بهذا العنوان , ولكن استفزني هذا الموقف , عندما كنت أمضي إجازتي السنوية بالسودان منذ شهرين , وأحسست أنه أكبر من كونه حالة خاصة , لذا أضعه بين أيديكم . بطريقة أو بأخرى أجبرتني الظروف أن أكون متواجدا بقسم الولادة بالسلاح الطبي في انتظار أن يفرج الله على قريبة لي تعسرت ولادتها , وأمضيت اليوم بطوله منتظرا , بين الاستراحة تارة و الكفتريا والمسجد تارة أخرى , حتى أرخى الليل سدوله , وذهب العاملون إلا من يستدعي عملهم التواجد بالمستشفى . كانت الساعة قد جاوزت الواحدة صباحا عندما قرر الطبيب إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين , وكنت وزوجها المسكين نركض بين الصيدلية والسجلات وغرفة العملية لإحضار ما يلزم من عقاقير ودربات وبعض المستلزمات التي لا أعرفها ... كل هذا عاديا , ليس لأنه الصواب , و إنما لأن الناس قد اعتادوا عليه . بعد العملية وسلامة الأم وجنينها , أخبرتنا الممرضة ( أن علينا أن نحضر جماعة لحمل الأم إلى غرفتها ) , نعم هذا هو المعنى وان اختلف النص , كانت غرفة العمليات بالدور الأرضي , وغرف التنويم بالدور الأول وما فوق , ولا يوجد مصعد كهربائي ( أسانسير ) بالمبنى , والوسيلة الوحيدة لإيصال المريضة من غرفة العمليات إلى غرفتها بالدور الأولي هي حملها ب ( نقالة ) والسير بها عبر السلالم . من أين نأتي بجماعة في الساعة الواحدة صباحا ؟ ولماذا نأتي ( نحن ) ذوي المريضة بجماعة لحملها ؟ في البدء لماذا تصمم غرف عمليات بالطابق الأرضي بينما غرف التنويم في الأعلى , طالما لا يوجد مصعد كهربائي ( أسانسير ) في المبنى المكون من خمس طوابق ؟ ألا توجد أي بدائل أخرى ؟ وهذا المبنى ليس مؤجرا , ولم يكن في الأصل سكنا , وإنما تم بناءه ليكون قسما للولادة ( عمليات وعنابر ) أما عن التجهيز له ليؤدي دوره الطبيعي وفقا للضوابط الصحية , وإجراءات السلامة المتعارف عليها , فحدث ولا حرج وتضيع في مثل هذه الأحوال تحديد المسئوليات , من الذي قرر , ومن الذي نفذ . وقفنا أمام المبنى أنا وزوج المريضة نستجدي الناس المساعدة , وكأنما نبحث عن من يدفع معنا عربتنا التي تعطلت بالطريق لضعف بطاريتها , ومن الله علينا بمقدم وعميد له معرفة بزوج المريضة , واشتركوا معنا في حمل ( النقالة ) , المقدم والعميد في الخلف , وفي المقدمة شخصي الضعيف ( عنقالي ساكت ) وزوج المريضة وهو ضابط أيضا . وبين أرفع فوق , ونزل تحت شوية , ويمين ويسار , انتهت رحلتنا المضنية عبر السلالم لنصل بالمريضة إلي غرفة التنويم ( المتسخة ) وبها ملاءات بلون الكاكي لا تخلو من آثار المريض السابق , وعندما طلبنا تغيير الملاءات وتنظيف الغرفة , أخبرونا أن ذلك يتم بالصباح فقط .... كل ذلك سادتي تم بمستشفى السلاح الطبي بأم درمان , أعرق المستشفيات بالسودان , وذا الإمكانيات العالية , لا سيما وبعد إضافة القسم ( التجاري ) به , وتحقيق نقلة كبيرة به من حيث الكوادر الطبية المؤهلة . لا أعلم مستشفى بالعالم يأخذ من زوار المرضى نقود إلا مستشفياتنا بالسودان , ونقود باهظة , تكفي قيمة تذكرة الدخول لشراء وجبة لا يأس بها , ويتساوى في ذلك المستشفيات الحكومية والقسم تجاري , ولا أعلم أين تذهب كل تلك النقود ( قيمة تذاكر الدخول هذه ) . علمت أن هناك لجنة تسمى لجنة الخدمات الطبية بالسلاح الطبي , تتعدد مصادر ايراداتها , وهي إيرادات مقدرة ومؤثرة , لا أسأل هنا عن أوجه صرف تلك الإيرادات , لأنه ليس من حقي ولكنني فقط أتعجب من ضعف الخدمات الصحية الأساسية , التي لا تتناسب مع ما يؤخذ من المرضى وزوارهم , ناهيك عن الجانب النفسي والإنساني للمريض . لعل الأطباء بهذا المنبر يفيدوننا حول صحة حمل مريضة ( تم إجراء عمليه لها منذ دقائق ولم تفق تماما من البنج ) حملها بالنقالة والسير بها عبر سلالم من قبل أناس ( عاديين ) ليسوا من الكادر الطبي المعالج , وقد تسقط المريضة على الأرض , وقد يحدث ما لا يمكن تلافية من أي عارض , عندها من يتحمل المسؤولية ؟ أخيرا : بقي أن أقول إن زوج قريبتي المريضة هو لواء طبيب وقائد قسم بنفس المستشفى , وكان من ضمن فريق حمل ( النقالة ) عبر السلالم , وقد يكون لقي معاملة خاصة تقديرا لرتبته العسكرية ومكانته العلمية . ماذا لو كان زوج المريضة فرد عادي عسكري أو مواطن مدني ؟ أين يكون موقفه من الإعراب إذن ؟
|
|
|
|
|
|