لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-24-2024, 10:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2008م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-30-2007, 04:01 AM

Tariq Mohamed Osman

تاريخ التسجيل: 03-23-2007
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا (Re: Tariq Mohamed Osman)

    حكاية مشنقو

    " مشنقو!.. يا مشنقو!"
    كان يمسح العرق من جبينه الملتهب بكُم قميصه الملتصق بجسده الناحل كأنه عود ذرة جاف. بدا بين القميص وشخصه رباط ذهبي وثيق لا يمكن لاحد أن يحل أواصرهما رغم ما إنكشف للقميص من رغبة عارمة في فصم تلك العلاقة التي أنهكته فأمسى لا هو قميص و لا هو بشيئٍ يصنف في عالم اللبس ناهيك عن عالم الأناقة وصيحات الموضة.
    كان النهار معكرا’ شمسه الباهتة قبعت على كبد السماء’ و على المرء ان يتنفس بفيه وخيشومه ليعوّض ذلك العوز الأوكسجيني المصحوب بالرطوبة العالية وذرات الغبار العالقة في الهواء. قطيع من الأغنام مر أمامه وأثار غباراً في وجهه وهو لا يعبأ بذلك’ و لم يعبأ بمدام خميسة التي كانت تناديه’ أو بالأطفال الذين كانوا يعيرونه لأنه تبول في بنطاله المتسخ’ والملئ بالخرائط العشوائية كأنه اطلس قديم الغته وزارة التعليم من المنهج الدراسي.
    كان يترنم بأغنية مأتمية مؤثرة مثل تلك التي لا تتناهى إلى السمع إلا عندما يصيب سهم الحُمام عذراء في خضرة أيامها و حلاوة عمرها. بان من ذبذبات صوته ونثار الريق المتطاير من بين شفتيه وترنح مشيه غير المتسق مع أغنيته تلك’ أنه أغرق نفسه في الشراب إلى اذنيه الكبيرتين كأذني أرنب افريقي حقير. كانت شفته السفلى خمريه كما لو كانت قد قُرمِدتْ بأحمر شفاه للتو’ ووجهه مجعداً تخلله ندوب سوداء الأمر الذي جعل عبدالحكم اسماعيل صاحب الدكان الوحيد في حينا يسائله بعد أن حوقل وبحلق فيه قائلاً: " يا مشنقو هل انت مسئول عن اصلاح هذا الكون ولا شنو؟".
    يقضي مشنقو معظم نهاره وشطرا كبيرا من ليله حول موائد الشراب البلدي’ لا يبرح " أنداية" إلا وقد نفد شرابها’ وأوصدت أبوابها’ فيشد لجام رحاله بين الأزقة و الحفر التي غمرتها مياه الأمطار’ باحثا عن مائدة أخرى يمضي فيها بقية يومه في حوار شيق- لا ينقطع- بين شفتيه المتورمتين وحوريات الجن المدفونات على حواف القوارير التي يعب منها. " دا غُنى بتا شنو يا مشنقو؟" قاطعته حبوبة مندومة بسؤال مباغت بعد أن بترت صلاتها عند الفقرة التي تقول: يا ممتلئة النعمة’ الرب معكِ’ مباركة أنتِ في النساء . ثم التفتت كأنها توجه حديثها الى المارة: " امبارح القريب ده انت غنيت ذي دا يا هو جنه اختي مات...والله انت كان جيت بجاي تاني ابوي ما ولدني!"
    كان مشنقو يقطن قطية صغيرة على شاطئ نهر الجور. لا أحد يعرف قبيلته أو من أين جاء ومتى؟ نسجت حوله الكثير من الأقاويل: قيل انه جاء في ذلك العام الذي قضى فيه الجراد الصحراوي على كل نبت وقتل ثلاثة آلاف نفس لأنهم ما أطاعوا وصايا أجدادهم فاصابتهم لعنة الأسلاف. آخرون تكهنوا وقالوا انه تخرج في احدى الجامعات الأجنبية ويعرف الكثير من لغة أولاد جون. " ده زمان كان وكت ناس شاينيس جابوهم في مستشفى واو هو ياهوكان بترجم ليهم.." قالها التمرجي المسئول عن غسل الموتى عندما سألته عن مشنقو. أما مشنقو نفسه عندما سألته’ قال لي بلغة عربية فصيحة مطعمة ببعض المصطلحات الإنجليزية’ شأنه في ذلك شأن مثقفي اليوم: " ما أقسى أن تكححون نابغة في العلم دون منافس! هل أحدثك عن كلية غردون التي تركتها في منتصف المشوار؟ ام احدثك عن الأفريكان آرتس التي درستها في السربون؟ الم يقال أطلبوا العلم ولو في الصين ؟ طرت دايركت الى هناك حيث ينهي الانسان حياته حرقا احتجاجا لأن هناك طفلاً مات جوعا. ما أجمل النساء في النمساءحيث الغدائر الذهبية المتموجة! أوه ماي فينيسيا أسطورة الفن المعماري العريق".
    قلت: " ولماذا تهمل نفسك هكذا؟" صمت فترة وهو يرنو إلى الشمس التي اذنت للغروب’ وارتسمت على محياه سيماء العبوس واليأس. أطرق طويلا’ ثم رفع رأسه فجأةً كمن لدغه العقرب’ وطفق يرسل الي نظرة حادة وقال:
    " ها أنت شاب خريج’ عاطل وخامل عن اداء اي واجب’ تماما كالجثة المحنطة وليس حرا. لا أهل ولا وطن ولا دين ولا هوية لك..."
    " لي وطن وأهل ودين وهوية..." قبل أن أكمل كلامي قاطعني بحزم قائلاً:
    " ماذا يعني كل ذلك في غياب الحرية؟ لا شيئ على الاطلاق." ثم واصل حديثه قائلا:
    " الحرية تجعلك تصنع ما لا تستوعبه عقل رئيسك الضيق".
    احترنا جميعا في أمر مشنقو هذا: لا صديق له و لا تزوره زائرة من بائعات الهوى اللاتي يجدن التجوال في ظلام الليل. كان يعرف معظم لغات قبائل الجنوب’ أحيانا كان يحدث نفسه بلغات غريبة لم نسمعها من طوال حياتنا’ ويقرأ كتباً حروفها متعددة الأشكال: أهرامات’ مربعات’ مثلثات’ طيور’ ضفادع " ولد دا عجيب خلاص!" قالها جدي وهو يغرغر فمه بالماء ثم واصل اندهاشه بعد أن أخرج من بين أضراسه- مستخدما قشة صغيرة- خُلالة لحم جاموسي وتكرع في الهواء قائلاً:
    " حتى ماحندو مره بتا كجور دي ما بتارف حاجه انو شوف كدي!"

    " مشنقو..يا مشنقو..
    بصوت عال نادته مدام خميسة هذه المره وهوما زال يترنم بأغنيته تلك’ فامسكته من ياقة قميصه بعد أن انزلت البقجة التي كانت على رأسها و هي تقول:
    " يا مشنقو انا دايره دين بتاي..."
    حاول مشنقو الافلات وهو يقول لنفسه: على المناضل أن يتجاوز مأزق اللحظة.
    جمع من سكان الحي والمارة التفوا حولهم. خرج الأطفال من الأكواخ بثياب ممزقة تظهر بطونهم الدائرية التي تنم عن سوء في التغذية. جاءت ميري عبدالرحمن الفكي المرأة التي تعرفها مدينة عن بكرة أبيها. كنت أُسائل نفسي: كيف لإمرأة مثلها أن تسمح للرجال بالاختلاف الى دارها وهى تقطن لوحدها؟." دي مره ما كويس..كان داير مشنقو لكن والله راجل...!" قالتها حبوبه مندمه ثم استشاطت فىّ غضباً بعد ان سحبت نفسا عميقا من تمباك " الكُتكُر" و أردفت قائلة:
    " أوك تمشي جنب بيت ميري’ دي حتى امو مات زالان منو وكمان ابوه ما ماروف يمكن من ناس جيش الجابوم زمن انيانيا وان..."
    اقتحمت ميري عبدالرحمن الفكي الجمع وجسدها المدهون ب "الكركار" يبرق في ذلك الجو المشحون. حاولت أن أبلع ريقي وأنا ابحلق فيها بذهول لم أفق منه إلا بضربة على قفاي من حبوبه مندمه.
    أمسكت ميري بمشنقو من عنقه ولطمته على خده فطرحته أرضا هوه يقول:
    " الله يسامحك يا بت عبدالرحمن الفكي الله يسامحك". فردت ميري بغضب:
    " الله يسامحني بتاع شنو انا كمان ما دايره منك دين"
    أخذت النسوة ينسحبن. شيئاً غير مألوفاً أن تكون ميري في وسطهن. همست احداهن دون أن تسمعها ميري قائلة: " مش دي أكيد مُنَمِرة على حاجة" قال المجنون الذي كان دائم الجري ولا يقف إلا عندما يرى ميري بعد أن قهقهة و صمت فجأة: " يا نسوان أعملوا حسابكم من رجالكم..." ثم أردف بعد ان نظر الى ميري وبصق على الأرض: " انتو عارفين قائد الحامية ما بيمشي عمليات ليه؟ اسألوا بت عبدالرحمن الفكي".
    مر ثلاث أشهر دون أن نرَ فيه مشنقو. لأول مرة شعرنا بأهمية وجوده في حياتنا. مرارة حنظلية الطعم اخترقت حياتنا بغتة كما لو أحدقت بنا كل الشدائد’ أخذ الأطفال يسألون عن سر اختفائه المفاجئ. دعت حبوبة مندمة جميع أهل الحي للصلاة إلى الله ليستجيب لدعواتهم. حتى ميري عبدالرحمن الفكي التي تأثمت وإستغفرت طلبت أن يسامحها الرب لأنها كما كانت تقول السبب الرئيسي في اختفائه. تكون وفد من الرجال والنساء قام بزيارة بحثية لكل الأحياء المجاورة’ لكنه عاد بخفي حُنين’ جابت ميري اندايات أحياء " نزريت"’ " خور كرنقو" ’ " حله زاندي" ’ " وونوك" واندايا انيانيا’ ومشارح كل المستشفيات حتى قيل انها (ميري) إستغلت علاقتها القديمة برجال الأمن والجيش والشرطة و كلفتهم بالبحث عنه. كل كنا نسألها’ لكنها كانت لا تنبس ببنت شفة. تغيرت هيئتها كثيراً و تبدلت’ لم تعد ميري عبدالرحمن الفكي التي كنا نعرفها.
    في فجر أحد الأيام ونحن نغط في نوم عميق’ سمعنا صراخا لأمرأة ايقظت كل الحي’ أطلقنا الأرجل نحو مصدر الصوت الآتي من ميدان " ايزك". رأينا امرأة لم نستبين ملامحها’ كانت معفرة بالتراب’ منفوشة شعر الرأس كما لو كانت عفريتا’ تعض و تضرب على بطنها بحركات هستيرية’ قلنا لابد أنها ميري وقد أتت بالخبر اليقين. سألناها من على بعدٍ فاجابت وهى تصوّت: " في المستشفى ...خلااااص ما... وووووي!"
    هرعنا إلى مستشفى واو’ وجدنا عنبر الباطنة ذات الرائحة الكريهة مكتظاً بالناس’ كان جلياً أن عزرائيل يجول هناك ويرقص رقصته المحبوبة. رأينا شخصاً راقداً على السرير وقد غطى بدموريه وعلى راسه وقف أبونا أنريكو الإيطالي وهو يتمتم بكلمات لم نسمع منها إلا آمين’ بعدها أشار شخص إلى القس بأنه يريد أن يقول شيئاً’ سمح له القس انريكو بذلك فجاء صوته ضعيفا مختلفا عن صوت مشنقو المبحوح الذي ألفناه قائلا: " أبونا ... أبونا برئني من الخطيئة الأصلية". شهق أبونا انريكو طويلا وقبل أن يرد عليه’ رد الصوت الواهن قائلا: " يا ليتني خُلقت حيوانا لاتبرأ من الخطيئة الأصلية!" ثم سأل القس مرة أخرى بصوت أضعف:" أبونا .. ممكن اشوفو؟" " منو؟" سأل القس أنريكو. أجاب الصوت: " ما...ما.." ثم تنهد تنهيدة عميقة وصمت. رسم القس إشارة الصليب وهو يتمتم بآيات من انجيل لوقا والدموع تترقرق على مقلتيه. أمر الطبيب التمرجية أن يأخذوا الجثة إلى المشرحة’ قلت في نفسي ليكن سلام الرب معك يا مشنقو’ وعقدت العزم أن القي عليه النظرة الأخيرة’ رفعت الدمورية عن وجهه ففوجئت بشئ غريب’ لم يكن ذلك وجه مشنقو المجعد والملئ بالثقوب والندوب الصغيرة السوداء’لقد كان وجه ميري عبدالرحمن الفكي.
                  

العنوان الكاتب Date
لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-28-07, 10:20 PM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-28-07, 10:21 PM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-28-07, 10:24 PM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا abraham deng12-28-07, 10:36 PM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-28-07, 10:42 PM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-28-07, 10:52 PM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Elbagir Osman12-29-07, 05:38 AM
    Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Rawia12-29-07, 05:49 AM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-30-07, 03:53 AM
  Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Tariq Mohamed Osman12-30-07, 04:01 AM
    Re: لا يهم فانت من هناك ارثر غابريال في حلتنا Rawia12-30-07, 05:41 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de