|
Re: كتاب سفر الالوان (2) مصطفي بشار- فلأنني ادمنت عشقك وارتضيت هوي السفر (Re: mustafa bashar)
|
مستعمرات النمل على الطريق الصحراوي، وقباب وهامات طينية تطل بين الفينة والأخرى، ولا أذن تصيخ، فإذا أصخت السمع لن تسمع شيئاً، الإسفلت والصحراء بحضورهما المهيب، والروايات التي تحكي عن من تاهوا فيها وقضوا نحبهم عطشاً. تتواتر الحكايات حيث لا أمل أن ترى مدينة أخرى في ذلك اليباس، وحيث ينقطع الأمل، تظهر مدينة مصنوعة اسمها مدينة "الشريان" ومئذنة مسجدها، وبيوت هنا وهناك وأناس يخرجون ويدخلون، لا ترى أي بيوت يمكن أن يكونوا هم ساكنوها، وصبية يبيعون لك أشياء صغيرة وحلوى وبسكويتات، وسجائر، وأي بضاعة صغيرة يمكن أن يحملها صبية على أيديهم . كنت أظن أنَّ النيل الأبيض هو المغفر وحده ولكن وجدت الشمالية، وتبدو أفخاذ أودية وتربة ملونة ومرتفعات صغيرة، وتلال وحجارة سوداء والأفق ممتلئ غباراً وأتربة صحراوية، ونشرب من المخزون المائي على جركانات بلاستيكية وحافظات الثلج أفرغت حمولتها من المياه الباردة. يقولون لك إن مساحة السودان مليون ميل مربع، وأظن أنهم عندما أطلقوا هذا الرقم كان المليون أكبر رقم في ذلك الزمان، قبل "المليار" و"التريليون" و"الديشليون" أيضاً. والرقم الأخير اقتراح مني بإضافة امتداد جديد للأرقام. وفي مدينة الشريان نستجم قليلاً، ونتناول شواء وفولاً ونعتلف بأكبر كمية مغبة الجوع في منتصف الطريق، والسائق أول ما فعل قبل أن يلج الصحراء أنقص كمية الهواء بالإطارات الأربع لكي لا تغوص بعد ذلك في الرمال، و"الدلوكة" والدف مع خالتنا حيناً تعلو، ونتذكر أننا في حافلة "سيرة"، تقوم من جديد وتسمعنا نغماً آخر، والغبار الكثيف غطَّى الوجوه والحقائب، والسائق الممتلئ عضلات وبلحاً، يراوغ الرمل يعلو ويهبط ويزيد ضغطه على دواسة الوقود. الرمال محيطات وأودية، ونرى بين الهضاب بلدة جميلة كنت أظن أن أي منطقة هناك من أهل أستاذنا محمد طه، حتى أوشكت أن أقول من فرط العنت "يا مهمد تاها هقو تتالبوا بي هكم ذاتي". وندخل إلى "تنقاسي" حيث النخيل يلوب من ظمأ المدائن بدموع العذارى والحسان. والحيشان الأستادية والمساحات الرحبة بأهل لنا طيبون، والنهار الغائظ يتبدل إلى جنة من جنان الأرض وجذوع النخل تصاوير وآيات تتراسم في مخيلة كل صب عشق طبيعة هذا البلد، حتى الخواجة مسيو "لودفيك موذي" كان ينشد سحراً أخّاذاً وهو يتسلق قمة البركل، ويخرج لي من حقيبته كتاباً ملوّناً، اشتمل على هذا الجبل الرائع الذي يخفي الأعاجيب، أولئك الخواجات لم يتركوا لنا أثر لكي نتمعَّن فيه. يقول إنه في فرنسا يعمل كصاحب مطعم، ولكن لم يجرِ ذلك الكلام على ذهني بسبب أن هذا الجبل بكامل تفصيلاته في الكتاب الذي يحمله، وأنّ أسهل طريق إلى القمة يكون من الجزء المواجه لمدينة" كريمة". ونعبر بالمعدية من تنقاسي إلى كريمة حيث البهج المروي والكرم الأصيل والناس هناك مرحبون دائماً وكثيراً ويومياً، ويتطلعون إلى حديثك في
|
|
|
|
|
|
|
|
|