ضرورة عمل سدود في دول حوض النيل لتوفير المياه لمصر المؤمنة

Quote: العلماء-محطات رصد الزلازل بالقرب من سدود المياه -------------------------------------------------------------------------------- - مطالب بمحطات رصد الزلازل بالقرب من سدود المياه ومراقبة النشاط الزلزالي في البحيرات المائية بدقة - د. طلال مختار لـ«الشرق الأوسط»: المشاريع الجديدة بحاجة لدراسات جيولوجية وجيوفيزيائية لتحديد أفضل المواقع لانشائها عند مرورك بإحدى البحيرات المتجمعة خلف السدود في السعودية أو في انحاء العالم قد لا ترد في بالك امكانية حدوث زلزال من تحت مياه تلك البحيرات، لكن باحثا سعوديا في علوم الأرض يؤكد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عبر صفحة «المياه» بوجود علاقة مباشرة بين بحيرات السدود والزلازل، وذلك من خلال ما يعرف علميا «الزلزالية المستحثة في الخزانات المائية»، ويقصد هنا بـ«الخزانات» البحيرات المتجمعة خلف السدود، حيث تبين ذلك بعد ان تم رصد العديد من الزلازل بالقرب من بحيرات المياه التي تتجمع خلف السدود الكبيرة في مناطق عدة من العالم. وذكر الدكتور طلال مختار، نائب مدير مركز أبحاث المياه، والأستاذ بكلية علوم الأرض بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، لـ«الشرق الأوسط»، ان الآلية التي تحدث بها الزلزالية المستحثة في البحيرات الواقعة خلف السدود ليست مفهومة حتى الان، كما انه لا يمكن التنبؤ بدقة عن زمن ومكان حدوثها، إلا انها تحدث إما نتيجة ثقل الماء الذي يعبئ الخزان والذي يعمل على تغيير حالة الإجهاد الإقليمي في المنطقة بالقرب من السد، أو للزيادة في ضغط المسامات في الصخور وفي الفواصل وعلى الصدوع تحت الخزان، نتيجة تسرب المياه من خلالها، وبالتالي تعمل على تقليل الصلابة والاستقرار الفعلي للصخور تحت منطقة السد، ومن ثم حدوث الزلازل. وبين الدكتور مختار انه تم بناء ما يربو على 225 سدا في السعودية ونحو 25 سدا إضافيا يجري حاليا العمل على بنائها. ومن المعروف ان شبه الجزيرة العربية تتميز بنشاط زلزالي متدن ويشبه إلى حد ما النشاط الزلزالي لغرب شبه الجزيرة الهندية. إلا ان من المهم جدا، والحديث للدكتور مختار، سرعة إجراء الدراسات للوقوف على الوضع الجيولوجي للمناطق التي من المزمع انشاء السدود الكبيرة عليها، وكذلك متابعة السدود القائمة، وذلك لتحديد حالة النشاط الزلزالي بالقرب منها والوقوف على مدى تأثير الزلزالية المستحثة بالخزانات ـ ان وجدت ـ على السدود في السعودية. وركز الدكتور مختار في حديثه على ان كثيرا من هذه السدود انشئت لغرض تغذية المياه الجوفية ورفع منسوب المياه في آبار الزراعة في المناطق المجاورة لها، إلا ان من الملاحظ ان عددا من هذه السدود لم يعد يؤدي المهمة التي انشئ من اجلها نتيجة لتراكم كميات كبيرة من الطمي تعمل على تكوين طبقات عازلة تؤدي إلى منع تسرب المياه إلى الخزانات الجوفية. واضاف الدكتور مختار «لقد وقفت شخصيا على عدد من هذه السدود، مثل سد حيزان وسد أبها وسد روام، حيث وجدنا كميات كبيرة من الطين التي تمت إزالتها من قاع السد كمثال على هذه الظاهرة». ويتابع الدكتور مختار: إذا كانت معظم السدود تعاني من ظاهرة تراكم الطمي وانعدام تغذية المياه الجوفية، فانها تعتبر وهي بهذه الحالة آمنة من الناحية الزلزالية، حيث ان حجم بحيرات المياه خلف هذه السدود ليس كبيرا في اغلب الأحوال، ولذا فان حدوث زلازل نتيجة الحمل الناتج من ثقل الخزان خلف هذه السدود يتضاءل. كما ان استحداث الزلازل بسبب تسرب المياه إلى باطن الأرض عبر المسام والشقوق غير وارد أيضا نتيجة لوجود الطمي الذي يعيق تغذية الخزان الجوفي. ويمكن اعتبار عدم حدوث الزلازل المستحثة كمؤشر على ان التغذية الجوفية من هذه السدود شبه منعدمة. ومع ذلك فان هذا الوضع يتعارض مع الغرض الأساسي الذي انشئت من اجله تلك السدود، وإذا ما تمت إزالة العازل الطيني من قيعانها، فربما تعود التغذية إلى الخزانات الجوفية، ومن ثم فان تأثير انتشار الماء خلال المسامات ربما يؤدي إلى زيادة ضغط المسامات وتكوين الظروف الملائمة لتقليل مقاومة الاحتكاك على جانبي اي صدوع يحتمل وجودها في مناطق هذه السدود ما يؤدي إلى حدوث الزلازل المستحثة. وبين الدكتور مختار انه لا يمكن في الوقت الراهن تقييم وضع السدود في السعودية من الناحية الزلزالية، وتقدير تعرض المناطق المجاورة لها لاحتمالية حدوث زلازل، إلا ان مشاريع انشاء السدود الجديدة وخاصة في المناطق المتاخمة لجنوب غربي السعودية لا بد وان تسبقها دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية لتحديد انسب المواقع لانشاء هذه السدود بعيدا عن الصدوع النشطة أو التي من المحتمل تنشيطها، وحدوث زلازل مستحثة بالخزانات عليها. وأوضح الدكتور مختار انه «بالرجوع إلى خريطة مواقع السدود بالسعودية الحالية وخريطة النشاط الزلزالي يمكن ملاحظة ان المناطق التي بنيت فيها السدود في السعودية خالية والحمد لله من إي نشاط زلزالي حديث، ولكننا أيضا نلاحظ في نفس الوقت ان عددا لا بأس به من السدود تم تشييده في المناطق الجنوبية الغربية للسعودية وهي مناطق قريبة جدا من النشاط الزلزالي الحاصل في جنوب غربي شبه الجزيرة العربية. كما ان عددا من السدود تم تصميمه لتخزين كميات كبيرة من المياه، وهنالك أيضا توجه إلى حقن المياه تحت الخزانات الموجودة خلف سدود التغذية المعطلة بفعل تراكم الطمي في قاعها مما أعاق عملية تغذية الخزان الجوفي. وبالنظر إلى عدم وجود دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية وهيدروجيولوجية كافية لطبيعة الإجهاد في هذه المنطقة ولخواص النفاذية في صخورها وحيث ان زلزالا بـ 6 درجات كان قد ضرب منطقة ذمار في اليمن في ديسمبر من عام 1982، فان عملية انشاء السدود وحقن المياه قد تؤدي إلى ظهور مشكلة الزلزالية المستحثة بخزانات بحيرات السدود في تلك المنطقة أو في مناطق أخرى بها سدود. لذلك فلا بد من عمل الدراسات اللازمة لمشاريع السدود الكبيرة في المستقبل. كما ينبغي مراقبة السدود الكبيرة المشيدة التي يتم حقن المياه من خزاناتها إلى داخل الأرض والتأكد من عدم وجود إي نشاط زلزالي مصاحب لهذه السدود». وطالب الدكتور مختار بتشجيع عمل الدراسات الزلزالية لمناطق السعودية خاصة مناطق الدرع العربي المتاخمة للبحر الأحمر وخليج العقبة واليمن وانشاء محطات رصد صغيرة بالقرب من السدود الكبيرة لمراقبة «النشاط الزلزالي الدقيق» فيها والذي يصعب رصده بمحطات الرصد البعيدة ودراسة جيوفيزيائية وجيولوجية وهيدروجيولوجية منطقة الدرع العربي لمعرفة سماته وخصائصه ومدى ملاءمة بيئته لبناء السدود السطحية والعمل على تطوير الأساليب التقليدية لإدارة الموارد المائية السطحية والبحث في إمكانية تطعيمها وتطويرها بالعلوم والتقنيات الحديثة والعمل على رفع كفاءة تشغيل وإدارة صيانة السدود القائمة والعمل على انشاء قاعدة بيانات متكاملة عن السدود السعودية والقيام بدراسة تقويم شامل (تقويم التأثيرات البيئية) للسدود قبل انشائها. وعاد الدكتور مختار إلى التأكيد على ان من المعروف في الأوساط العلمية ان انشاء السدود العالية، أو الكبيرة، يمكن ان يؤدي إلى توليد هزات أرضية. ولقد لوحظت هذه الظاهرة في العديد من السدود في عدة مناطق من العالم مثل الهند والصين والولايات المتحدة ومصر والبرازيل وغيرها. وأوضح انه بالرجوع للوقائع التاريخية فانه ثبت حدوث زلزال في البحيرات المائية الواقعة خلف عدد من السدود حيث شهد الأول من شهر أغسطس (آب) 1975 وقوع هزة أرضية بمقدار 7.5 إلى الجنوب من اوروفيل بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة ضمن سلسلة متتابعة من الهزات الأقل مقدارا والتي سبقت الهزة الرئيسية وتم رصدها على مدار شهر يوليو (تموز) من العام 1975. وعلى الرغم من ان تلك الهزة لم تؤد إلى اي خسائر بشرية ولم تلحق إي أضرار كبيرة بمدينة اوروفيل أو المناطق المجاورة لها، إلا انها كانت لافتة للنظر وذلك لحدوثها في منطقة تبعد 10 كم إلى الجنوب من سد اوروفيل، ويقع هذا السد إلى الغرب من جبال سييرا نيفادا في شمال شرقي كاليفورنيا ويعتبر اعلى سد ترابي في الولايات المتحدة إذ يبلغ ارتفاعه 236 مترا، كما تبلغ طاقته الاستيعابية نحو 4365 مليون متر مكعب. ولقد بدأت عملية تعبئة خزان هذا السد في نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 1967 وتم الانتهاء منها في سبتمبر (ايلول) سنة 1968. كما ان المنطقة التي وقع فيها الزلزال (أو الهزة الأرضية) تعتبر من المناطق المعروفة بانخفاض زلزاليتها لكونها بعيدة عن منطقة النشاط الزلزالي التكتوني المرتبط بصدع سان اندرياس على طول غرب ولاية كاليفورنيا. ولقد بدأ رصد حدوث الزلازل في منطقة السد في أواخر شهر يونيو (حزيران) 1975. وانتقل الدكتور مختار بحديثه إلى منطقه أخرى من العالم وبالتحديد لمنطقة كوينا الواقعة غربي الهند وتبعد نحو 200 كم إلى الجنوب من مدينة بومباي. ولقد تم بناء سد كوينا على مجرى نهر كريشنا في 1962، وتم الانتهاء من ملء خزان الماء في بحيرة شيفاجيزاجار في 1963. ويبلغ ارتفاع هذا السد الخراساني 110 أمتار وطوله 800 متر. كما تبلغ سعة الخزان 2.8 بليون متر مكعب، وأقصى ارتفاع للماء يصل إلى 103 امتار. وقد شهد ديسمبر 1967 وقوع زلزال بمقدار 5.6 في منطقة السد أدى إلى حدوث أضرار جسيمة، فبلغ عدد الوفيات من جراء تدمير الزلزال للمنازل نحو 200 شخص. ويتمعن الدكتور مختار في هذه الحادثة حيث يقول «نلاحظ ان منطقة كوينا لم تكن مكتظة بالسكان في ذلك الوقت وإلا لتضاعف عدد القتلى بكثير»، وقد بلغت نسبة المنازل المهدمة جراء هذا الزلزال في نحو 50 قرية في منطقة كوينا 80 في المائة. وبلغ العدد الإجمالي للجرحى 2300 جريح. كما عانت بعض القرى المجاورة لمنطقة السد من بعض الخراب في البيوت إلا انه لم تحدث فيها وفيات. وأضاف الدكتور مختار: لقد تبين ان الزلزال الرئيسي وقع على عمق نحو 8 ـ 10 كم تحت سطح الأرض وهو مرتبط بصدع وادي نهر كوينا ـ ناجار بالقرب من موقع السد وأعقبه حدوث نحو 100 هزة تابعة. وشعر بالزلزال الرئيسي السكان في مناطق بعيدة في الشمال وفي الجنوب وفي الشرق من كوينا. وتابع الدكتور مختار: لقد لوحظ ان فترات حدوث الزلازل بالقرب من سد كوينا يرتبط بمواسم هطول الأمطار الغزيرة. وبمقارنة معدل وقوع الزلازل ومستوى ارتفاع الماء في بحيرة شيفاجيزاجار فقد لوحظ ازدياد عدد الزلازل عندما يرتفع منسوب الماء إلى اعلى مستوى له في الخزان، ويتذبذب مستوى الماء في الخزان بنحو 30 ـ 35 مترا، بين موسم هطول الأمطار ومواسم الجفاف. وأورد الدكتور مختار مثالا آخر مرتبطا بالسدود المائية وبالتحديد في منطقة جوانجزاهو في جنوب الصين حيث وقعت سلسلة من الزلازل في منطقة لم تحدث بها الزلازل قط. وأعقب انشاء سد هسينج فينج كيانج الخراساني في سنة 1959 (والذي يبلغ ارتفاعه 105 أمتار) ازدياد في تسجيل عدد الزلازل المحلية التي بلغ عددها في عام 1972 نحو 250.000 زلزال. وبالرغم من ان معظم هذه الزلازل كان ضعيفا إلا انه في 19 مارس (آذار) من عام 1962 وقع زلزال قوي بمقدار 6.1 درجة، أدى إلى تخريب جسم السد وتطلب ذلك عمل الإصلاحات العاجلة له. وقد استمرت ملاحظة عدة حوادث زلزالية بعد ذلك الزلزال وفي مناطق متفرقة في الصين ترتبط مواقعها بخزانات السدود وذلك في أكثر من 18 موقعا مما يدل على وجود رابطة بين انشاء السدود التي تكون خزانات ذات السعة التخزينية العالية وبين استحداث النشاط الزلزالي المستحث. وبيّن الدكتور مختار حدوث الزلازل في خزانات بحيرات السدود امتد إلى الوطن العربي وبالتحديد مصاحبة النشاط الزلزالي لانشاء السد العالي الذي تجمعت خلفه بحيرة ناصر في منطقة أسوان بمصر، والسد العالي كما هو معروف عبارة عن سد ترابي تم الانتهاء من بنائه في سنة 1970 في منطقة تبعد نحو 10 كم إلى الجنوب من أسوان. ويبلغ ارتفاع السد 111 مترا، وطوله 3.6 كم، والسعة التخزينية القصوى لبحيرة ناصر التابعة للسد تبلغ 164 بليون متر مكعب. وقد بدئ بملء البحيرة في سنة 1964 ووصل الماء إلى أقصى ارتفاع له في نوفمبر (تشرين الثاني) 1978. ويصل الماء إلى أقصى ارتفاعه موسميا في شهري أكتوبر ونوفمبر من كل عام. وقد شهد الرابع عشر من نوفمبر سنة 1981 وقوع زلزال مقداره 5.6 وشعر به السكان بقوة في أسوان. وعلى الرغم من ان موقع الزلزال الأصلي لم يتم تحديده بدقة نتيجة لبعد محطات الرصد عن موقع الزلزال في ذلك الوقت (أقرب محطة رصد كانت في حلوان وتبعد نحو 690كم عن أسوان)، إلا انه باستخدام بيانات الشدة الزلزالية ومواقع توابع الزلزال الرئيسي التي تم رصدها باستخدام محطات رصد متنقلة تم تجهيزها بعد زلزال 14 نوفمبر أمكن الاستدلال على موقعه وعمقه، فكان زلزالا ضحلا يقع تحت بحيرة ناصر وعلى بعد 60 كم من موقع السد العالي، وقد شعر معظم السكان في أسوان بالزلزال الرئيسي وسارع الكثير منهم إلى الخروج من منازلهم بعد سماعهم أصواتا مدوية كأصوات تفجيرات كبيرة وهي عادة ما تسمع عند حدوث الزلازل الضحلة. وقد تعرضت بعض المنازل في أسوان لأضرار طفيفة ولكن جسم السد لم تحدث له اي إضرار أو تصدعات. ولقد فاجأ هذا الزلزال الكثير من المتتبعين للنشاط الزلزالي في مصر إذ انه بالرغم من حدوث زلازل تاريخية فيها على مر العصور إلا انها كانت دائما مرتبطة بالإسكندرية والقاهرة، ولم تعرف منطقة أسوان اي نشاط زلزالي في السابق. إلا ان موقع الزلزال الرئيسي والامتداد المكاني الخطي لمواقع التوابع وكذلك نتائج الحل الميكانيكي للبؤرة كلها تشير إلى ان النشاط الزلزالي تحت بحيرة ناصر مرتبط بصدع كلبشة الممتد من الشرق إلى الغرب.