حزب المؤتمر الوطني وفن صناعة مسيرات الغضب المليونية
شاهدت الحشود الجماهيرية التي نظمها حزب المؤتمر الوطني يوم أمس ، والمُنددة بالرسومات الكاركاتيرية المسيئة لشخص الرسول (ص ) ، علىّ في المقام الأول أن أعترف أن هؤلاء الذين خرجوا يوم أمس لا يعرفون بالضبط أين نُشرت هذه الرسومات ، ولا يعرفون بالتحديد إمتداد مصطلح الدول الأسكندنافية الذي أطلقه الذين خاطبوا تلك المسيرة في إشارة واضحة لتوسيع رقعة الصراع بين العالم الإسلامي والغربي ، غير كل ذلك ، أن هؤلاء الذين خرجوا يشكلون الكادر البشري الذي يمثل العمود الفقري للخدمة المدنية المُسيسة في عهد الإنقاذ ، إذاً المسيرة لم تكن عفوية ، بل هي مسيرة سياسية تحولت إلي مؤتمر صحفي حددت فيه الإنقاذ موقفها من دخول القوات الأممية إلي أرض دارفور ، فعبارة " لن نسمح بمواطني هذه الدول بتدنيس أرض السودان " سمعناها أكثر من مرة ولكن في غير هذا الإطار ، وكانت تأتي مقرونة مع مفردات مثل حماية العزة والسيادة الوطنية نعم ركب قادة حزب المؤتمر الوطني الحصان الخطأ لتجاوز المنعطف الخطير الذي يحيط بقضية دارفور ، أن الله قد عصم الرسول (ص ) من الناس ، وهؤلاء الذين تولوا نشر تلك الرسومات جهلة وقد أنتقدهم المجتمع الغربي على هذا العمل ، فحرية التدين وإحترام الأديان مُبجلة في الدول الغربية أكثر منها في الدول العربية والإسلامية ، فهناك من دخل السجن بسبب رفع هذا الشعار في الدول العربية ، و يكفي المجتمع الغربي سماحةً أن هناك قسيساً بريطانياً طالب بالسماح للمسلمين بتطبيق الشريعة الإسلامية في حدود القضايا التي تخصهم ، ومن يريد إحترام الرسول ( ص ) عليه أن يتبع تعاليمه وأن لا يعمل على عكس صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين ، وأن لا يمارس القتل والإغتصاب والفساد بإسم الدين الإسلامي ، هؤلاء الذين خرجوا تحت حراب التغرير و " قلة الشغلة " كان عليهم أن يتذكروا أن هناك 500 ألف مواطني مسلم يحبون الرسول ( ص ) قتلهم الإنقاذ في دارفور بلا ذنب أو جريرة ، وكان عليهم أن يحصوا عدد المشردين الذين وصل عددهم هناك إلي أكثر من أربعة ملايين إنسان ، كلهم يحبون نبي الرحمة الكريم لكنهم بلا مأوى أو طعام ، لا يرحمهم أحد سوى المجتمع الغربي الذي وضعته حكومة الإنقاذ في قائمة المحرمات التي يُحظر التعامل معها ، من السهل إثبات حبنا لرسول ( ص ) بوسائل أخرى غير التشنج والإنفعال وترقب أخطاء الغير ، نعم عن طريق وقف سفك دم المسلمين يمكننا أن نثبت أن الإسلام دين رحمة وإنسانية ، ، عن طريق وقف الطائرات التي تحرق بنيرانها القرى والشجر يُمكننا أن نثبت إن الإسلام دين بناء وليس هدم ، وقد وجد قادة المؤتمر الوطني وقتاً للخروج في سبيل الله كما زعموا ، لكنهم لا يملكون وقتاً لحل أزمات الشعب السوداني ، وقد كنت أتوقع منهم أن يخرجوا وينصروا شعب كوسوفو الذي نال إستقلاله للتو من صربيا ، فقد عشنا في السودان لعقد من الزمان ونحن نسمع خطباء المساجد في الخرطوم يثرثرون بضرورة نصرة المستضعفين البوسنة والهرسك وكوسوفو والشيشان ، و لم يخرجوا للتظاهر فرحاً في ذلك اليوم لأن ذلك سوف يضر بمصالحهم النفطية مع روسيا والصين ، ولو نُشرت هذه الرسومات في الصين لوجدنا منهم من يقول أن هذا عمل فردي ليست له علاقة بتعاملنا مع حكومة الصين ، وقد رأيت المنتجات الدنماركية التي أُمرنا بمقاطعتها ، المضحك في الأمر أننا في طور المقاطعة لهذه المنتجات قبل وقت طويل من الزمن ، هذه المنتجات متاحة فقط للفاسدين الذين عبثوا بأموال البترول السوداني ولكنها ليست متاحة للغلابة في حسكنيتة وكبكابية والجنينة .ربما يكون هناك بالفعل من خرج للتنديد بتلك الرسومات المسيئة ، ويخرج من هذا الإستثناء رجال الإنقاذ الذين تخفوا وسط شعارات الحشود ليذكروا المجتمع الدولي بعنادهم وموقفهم من قضية دارفور ، فهم جبناء في المواجهة الصريحة وأذكياء في الإلتفاف حول النقاط ، بالتأكيد لم تكن هجرتهم لأجل لله ورسوله ، بل كانت من أجل تضييق الخناق على أهل دارفور . سارة عيسي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة