نانسي .. وشوية حكايا ..
حينما سمعتها أول مره قبل عامين تغني رائعة الأستاذ إبراهيم الكاشف ، ظلموني الناس ، أحسست أن شيئاً آخر غير صوتها الجميل يأخذني إلى عالمها .. وعبر هذه الأغنية بالذات ، فقد كان شيئاً في أدائها صادقاً أكثر من كونه صدق فني أوتجلي إبداعي .. كان هناك صدقاً إنسانياً عميقاً ومعايشة نفسية حقيقية لكلمات الأغنية ، حسب ما أحسست ذلك النهار .. وهو ما تأكد لي كلما إستمعت لنانسي وهي تؤدي هذه الأغنية بحضور رائق ومعذب وجلي . واليوم ، وانا أقرأ ما تكتبه الصحف الخرطومية الصفراء ، بكتابها الساديين وخـُلو هم مديريها إلا من رفع وتائر توزيع مطبوعاتهم في جو عكران تملؤه رائحة الغث والنميمة ؛ أشعر بكل هذا أكثر ، وأستعيد صوتها : ظلموني الناس ونسيوا هواي أشكي وآبكي آلامي براي .. قبل أسابيع ، أوائل يناير ، توفي المسيقار "بدرالدين عجاج" في حادث جنائي ؛ بعد أيام قليلة أعلنت الشرطة السودانية القبض على المتهم ( الذي سجل إعترافاً قضائياً بالجريمة ، وقام بتمثيلها ، في وقت لاحق ، بمسرح الحادث ، كما تمت) ؛ لكن ، لم يكف النهم الجماعي لأكل الأفئدة ، وتقطيع الحشايا ، والخوض في الإسَن ، إلا أن يزر القبح قبحاً على قبح ، فرفعوا جلاليبهم ليخوضوا في الدم المستباح أصلاً ، بشهية تحسدهم عليها أنزيمات الماركيز " دو ساد " والعالمين .. فهبشوا ونبشوا في السيرة الذاتية للرجل ولأسرته ، ليجدوا منفذاً لخياشيمهم التي تتغذى على هذه الرائحة ؛ ويا له من تنفس بائس وقبيح ! أتحفتنا النميمة المحلية ، والألسنة والصحف ، بتناول سيرة إبنة المتوفي بشكل يثير الغثيان لما فيه من تجنٍ واضح .. فأخت المرحوم تؤكد في محاورة مسجلة لها على الإنترنت ضلوع الإبنه في حادث القتل (!!) وكابو يكتب على لسان الإبنة ما لم تقله عن والدها (!!) والأم تذكر في لقاء معها بإحدى تلك الصحف كلاماً ليس فيه حكمة الأمهات . والبنت : غارقه في صمتها ، وفي حزنها الذي يبدو لي أكثر صدقاً من حزن حملة قميص يوسف الكذبة .. كل الأحاديث التي تحاول اليوم إبراء ذمتها وإرضاء ضميرها بإلقاء اللوم اللئيم على الإبنة ، لا ذاكرة لها ؛ فحين سطع نجم البنت في سماء الخرطوم ، وكانت شهية كل الصحف مفتوحة للحوار معها ، ومستعدة لفتح الجبهات لصالحها في خلافها الفني (أو قل : الأسري) مع والدها ، عافت نفس البنت أن تتحدث بكلمة مسيئة في حق الرجل .. وكان بإمكانها أن تفعل . ونانسي هي الوحيدة التي رافقت جثمان والدها في رحلة قاسية من قسم أبعشر ، إلى رئاسة شرطة أمدرمان ، إلى مستشفى أمدرمان ، إلى مشرحة الخرطوم ، وهو أمر أشهد عليه . إذ لم يكن في ذلك الليل القارس غيرها هي واعمامها وابنائهم . لقد تحملت بقوة هذه المرافقة ، وعرف كل متابعي هذه الرحلة النكِده ومشاهديها، حزنها الحقيقي ؛ حزن بنت على أبيها .. ذلك الحزن الذي لا يحتمل المساومة ولا المزايدة . واليوم ، تجدهم بين كل فنية والأخرى ، يكفكفون دموعهم ليدلوا بأحاديثهم الصحفية المتجنية ، ولسان حال الدنيا وهي تنظر إليهم : حزنان وواعي ! قاتل في يد الشرطة ، وهم يريدون تحميل الأمر ما لا يحتمله .. لا يهمهم شيء ، ربما رغبة في البروز الإعلامي .. وربما رغبة في إنتقام غامض من بنت حققت ما لم يحققوه من محبة ، ونجاح ، وربما لنقص كبير في الروح .. الكل يتكلم ، والكل يتحدث وينظر .. كل واحد وكل واحده .. قالوا كلامهم وتلسنوا وتمزجوا .. إلا هي .. فقد صمتت .. إحترمت الموت .. وحزنت أكثر ..

[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1: << 1 >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان

اراء حرة و مقالات	Latest Posts in English Forum
Articles and Views	اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases	اخبار و بيانات

الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة

About Us
Contact Us
About Sudanese Online

اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين

News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums

If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]