|
جدو : عليك الله في واحد "يرقع" بعشرين ألف في كسلا دي ؟؟
|
مثله كثيرون مروا على لافتة حي الميرغنية بكسلا ، قضوا أيامهم فيها وعاشوا لياليها ثم رحلوا بصمت أو صخب ... "كالمبو " ... عبد الرحيم "دين هلا " ... وأخرهم "جدو " من أحببت وعنه سأكتب ... جلهم جاؤوا من غرب القاش استدعتهم حضارة الشرق المزيف .. ترف تجاره وموظفي خدمته المدنية من الطبقة الوسطى المتطلعة ... فشكلوا رقما... أضاء ... شع ... ثم ارتحل ... كان "دين هلا " أحدهم ... قدم من غرب القاش ... بل من قاعها ... بهرته لمبات النيون ... وسينما كسلا الوطنية والشرقية ...وقبلهما بيوت الميرغنية المفتوحة لمن مثله ولمن شابهه ... بدأها " بالبنزين " في طلمبة أجيب ... وأنتقل مترقيا للعمل في البيوت " قرف البلاعات " ... توصيل الوساخة " للكوشة " ... ثم كل شيء ...وفي يوم ما صار أحد أبناء الحي ... لعب في فريق الأمل والشبيبة ( خلف الحراس ) .. شارك في حفلات الأفراح والليالي الملاح ( قبل أيام عديدة من المناسبة ... من مواعيد أخذ " الخبيز " لفرن أبو سيف .. حتى وداع العريس بعد صبحية " مكربة " )... ونشط في مرات عديدة في جلب " الفرح المعبأ في الزجاجات " ... وصارت أيامه شرقا تزيد عن أيامه غربا ... وساكن " آل الولي " في الغرفة القريبة من المطبخ له مثل الذي عليهم بالمعروف ( اذكره منتعشا ذات عصر ... عدد أمهاتي نساء الحي تكلا .. تكلا ... أسرة .. أسرة ... بيتا ... بيتا ... بداية بزينب بت عمر ( مرة البخيت سيد أحمد ) في أول الحي نهاية بعلوية بت سعد النور ( مرة توفيق ) في آخره ... بت مكرونة أي والله ... بت المأمور أي والله ... عطية مرة المهدي أي والله .. ويمط الصوت مدا في تناغم عجيب ... فما تلعثم ولا تتعتع ولا طلب جرعة ماء فكأنه ورب السموات زياد بن أبيه وقد وقف خطيبا علي منبر الكوفة من الظهر إلي العصر...) .. ثم أصبحنا ذات يوم وقد انقطع صوته في السجن الذي أرهقه تعذيبا ( و العهدة علي الرواة ) ...فيا " لدين هلا .. الأمورو مسهلة " كما يحب أن ينعت نفسه ... مثله كان "جدو " صنو روحي ورفيق عطلاتي المنزليه الذي فقدته في الصيف الماضي ...ففي نهار غائظ .. استراح " جدو " بعد أن أخرج الوساخة للكوشة في بيت أهلي " آل بدري " ... آثر كالمعتاد أن يجر " عنقريب " بدون لحاف تحت تلك الليمونة الظليلة ... دقائق فقط واندفع الدم من أنفه كالماسورة المفتوحة .. نزيف .. دم .. دم في كل مكان ( أخبرني لاحقا وهو ضاحك والله الدم جري من نخرتي ذي بول الشافع ) ... كانت " بت إسماعيل " وبناتها في البر ندة يقضون قيلولة القهوة ... اندفعوا نحوه تماما كما يفعلون لو كان النازف " وحيدهم عمر " ... رفعوه ... سندوه .. أخذوه للمستشفي وبكل شهامة كسلاوية ألتف حوله الأطباء وأولهم أخصائي الباطنية " ياسر " الذي طالما حمل " جدو " أوساخ بيته وجالسه أمام بقالة ود الحاجة ... ودفعت ( بالبناء للمجهول ) فاتورة العلاج والدواء أما كيف ومتى فلا أحد يجيب !!!... وكان التشخيص ضغط دم مرتفع .. ولما قابلته بعدها في أجازتي استنكر ساخرا ( والله يا أبوي عمر "كان يخاطبني رغم إنني أصغره بحوالي ثلاثين عاما بأبوي عمر" : هو بره ذاتو الضغط دم ما عوير عشان يجييني أنا بتاع الوساخة ده !!!) .. وبالفعل كان ضغطا عويرا حتى انه صرع ذلك الطيب البسيط . من أين تراه ظهر "جدو " في حياتي ... لست أدري .. فقد ظهر ذات يوم كالوعد الحق في بيتنا بكسلا ... أمامي مباشرة في "برندة الشغل " كما نسميها ... بعراقي مقطع ... وصديري قمة في الوساخة و"شبط " تموت تخلي .. وشوال فارغ يحمله على كتفه لزوم الشغل ... ولاحقا ( بعد المرض وبعد أن صار قادريا إلي جانب تجانيته ) سبحة لالوب تطوق الرقبة وتنزل حتى الصدر .. وأبوي عمر !!!! كل ما عرفته عنه انه " أخو زكية " وزكية هذه ممن عشن وعملن في بيت أهلي " ناس التجاني مليح " أحتضنتها "بت السيد " بكرمها وجودها منذ صغرها ... وصارت من عاملات البيت فيا لطيبة أهلي !!! أبوي عمر ... وكان الزمان كله خير فقد لبس كل ملابسي " السكند هاند " حال ولوجي لقفص الزوجية ... وكان الوعد أن نلتقي في أجازتي الماضية في "مدني " حال حضوره لطيبة الشيخ عبد الباقي في "الرجبية " ( عشان عايزين جلابية يا أبوي عمر ) وأخذ رقم هاتفي ( الذي كتبته له مع الوصف خمس مرات في خمس صناديق برنجي متفرقات ) .... ولكن يا للقدر فلا زالت الجلابية ملفوفة " بجريدة " تنتظره ... وإن تأخر هو في المجيء فقد استدعاه منادي السماء أن أقبل !!! أبوي عمر ...( عليك الله في واحد "يرقع " بي عشرين ألف في كسلا دي ) ..بعد أن أعطيته عشرين ألفا لزوم " غمته " ومصاريف ....ابتسم ... وظهرت تجاويف الأسنان التي نخرتها عاديات السنين ... ولكن لما كان " جدو " ظريفا "وود ميرغنيه " وكله ذوق ... فقد وصلني منه في اليوم الثاني كيس فواكه منقة وجوافة وموز وتفاحات أيضا !!! بما يقارب ما أعطيته له وربما يزيد ؟؟؟ ألم أقل لكم أنه "جدو " !!! ومن غيره ؟؟؟ جدو ... جدو ... ألا زلت محتاجا "للرادي " كما طلبت مني ... أم اكتفيت بصوت بلابل جنان الخلد ؟؟؟ اللهم ارحمه وأغفر له .........
|
|
|
|
|
|
|
|
|