|
رداَ على.. الشمالية من النهضة الموعودة الى التواقع .
|
رداَ على ... ( الشمالية .. من النهضة الموعودة إلى التواقع )
بقلم : رأفت حسن عباس
أوردت صحيفة الأيام , بعدد الأربعاء الموافق 13 فبراير 2008فى باب ( وجهات نظر ) مقالاَ للبروفيسور عبد الفتاح عبد الله بالعنوان أعلاه , تحدث فيه عن ثمة دور متعاظم لمنظمات المجتمع المدني في إحداث التنمية بالولاية الشمالية , بالإضافة إلى تناوله لموضوع النهضة التنموية الكبيرة التي حدثت في الولاية ( حسب زعمه ) . و نسبة لأهمية الموضوع خصوصاَ و هو يتحدث عن التنمية التي تعتبر من أولويات القضايا التي تشغل بال مواطني المنطقة بإعتبارها قضية ذات تفسيرات و رؤى نسبية متعددة , رأينا أن نقوم بمشاركته في مناقشة هذا الموضوع . و حتى نتمكن من الرد على ما أورده البروفيسور بصورة موضوعية , دعونا ننتقل إلى متن مقاله مباشرة فهو يقول ( و بعد فترة تقل عن العام بدأت النهضة الموعودة في التفعيل, بعد أن كانت تطل على المنطقة بملامحها.. و تحركت منظمات المجتمع بوعي و إدراك في إنزال أحلام مواطني الولاية إلى أرض الواقع ) إن تناول مثل هذه القضايا المركزية, بشكل موضوعي يتطلب منا بطبيعة الحال إيراد القرائن التي إرتكزنا عليها في مزاعمنا التي نعتقد أنها من أحلام المواطنين , و من نافلة القول أن المشاريع التنموية من المفترض أن نتناولها بكل جدلياتها و آثارها من مختلف جوانبها حتى نخلص إلى نتيجة علمية و واقعية , و لكن البروفيسور تناول الموضوع بطريقة مبهمة لا يمكن أن توصل القراء إلى حقائق بعينها . أما فيما يختص ( بمنظمات المجتمع المدنى ) التى ذكرها فلن يستطيع كائناَ من كان أن يتعرف على ما هية ( الأحلام ) التى أنزلتها تلك المنظمات على أرض الواقع , بوعي و إدراك ( حسب قوله ) . يتواصل حديث البروفيسور و يقول ( فقد بادرت لجنتا إتحاد حلفا , سكوت و المحس و إتحاد أبناء دنقلا و تواضعت على إتخاذ خطوات عملية مدروسة نحو التنمية الشاملة ) و لكننا نجزم بأن لا أحد من أبناء تلك المنطقة يعلم ما هى تلك الخطوات ( العملية و المدروسة ) التى قام بها إتحاد حلفا سكوت و المحس في سبيل تنمية المنطقة , في حين أن ( أطفال الروضة ) بالمنطقة يعلمون أن قمة إنجازات ذلك الإتحاد تمثل في مشروع ( الزواج الجماعي ) الذي كان من نتائجه الأساسية , الكثير من المشاكل التى تم تناولها على مستوى الصحف السودانية بإعتراف قيادات نافذة في الإتحاد , و لا نعتقد أن هنالك ثمة من سيقول بأن مشروع الزواج الجماعي من القضايا التى تؤرق مضاجع مواطني المنطقة . بقول البروفيسور ( ثم بادرت قيادات إتحادات محليات الولاية بتوسيع النشاط ليشمل محليات الدبة و مروى و أخيراَ تكونت لجنة تضم ممثلين للإتحادات المذكورة سالفاَ لقيادة العمل الرسمي لتطوير المنطقة ) و لكن .. ما هى علاقة المنظمات بقيادة العمل الرسمي ؟ إن منظمات المجتمع المدنى التى نعرفها ليست معنية بقيادة العمل الرسمي بأي حال , فهي أجسام شعبية , غير حكومية (Nongovernmental Organizations) و لا يمكن أن تقود العمل الرسمي اللهم إلا إذا كانت منظمات تابعة لمؤسسات تنفيذية حكومية , و لكن المنظمات المدنية تعمل بنظام ( الشبكات ) الذي يتم بين المنظمات ذات الأهداف المشتركة أو المتشابهة حتى تتمكن من التعاون لإنجاز مشروعات كبيرة تهم المواطنين و حتى تتمكن من الحصول على التمويل لمشروعاتها حيث أن الكثير من المنظمات المانحة تميل إلى تمويل المنظمات من خلال نظام الشبكات . و لكن إتحاد حلفا سكوت المحس بالرغم من الإسم الإيحائي الذي اختاروه ليعطى إنطباعاَ بالصفة التمثيلية, و لكن الملاحظ أن عضويتها غير مفتوحة للجميع مما يتعارض مع عمل المنظمات و يقول ( لقد سعدت كثيراً بهذه التطورات , حيث كانت مشاركة المجتمع و تنمية المجتمع في كل المناحي يجب أن تتم عبر هذه المنظمات الأهلية دون أنتظار المؤسسات الرسمية للقيام بكل شيء ) و لا أحد بالطبع يستطيع أن ينكر دور منظمات المجتمع المدنى في تقديم الخدمات الإنسانية و التنموية لكل المجتمعات بدون تمييز بين إنسان و آخر , و لا أعتقد أن الكاتب بقوله ( هذه المنظمات الأهلية ) يقصد المنظمات التي وردت في مقاله فقط , و لكنه يعنى كل المنظمات الوطنية , و لذلك فقد كان الأجدر به أن يذكر أن المؤسسات الرسمية لها علاقة جدلية و دور رئيسي في تفعيل و دعم عمل المنظمات لأنها من المفترض أن توفر لها الحماية و المناخ الملائم و الدعم المادي و المعنوي حتى تستطيع أن تقوم بدورها في التنمية بكل جوانبها , و لكن الحقيقة التى لم يتطرق إليها الكاتب أن السلطة تعيق عمل منظمات و فعاليات شعبية بعينها إنطلاقاَ من إختلاف في مواقف أو وجهات نظر, و هذا ما يتعارض مع شروط العمل الإنساني الذي يفترض فيه الحياد و عدم التمييز بين الناس بناءَ على خلفياتهم أو إختلافاتهم السياسية . فعلى مستوى الفعاليات النوبية قامت السلطات في غضون الشهور السابقة , بإعتقال أعضاء قافلة طبية متجهة إلى منطقة المحس ( رابطة طلاب مشكيلة و نورى ) و قامت بمصادرة الأدوية التى بحوزتهم و التى تحصلوا عليها من ( الإمدادات الطبية ) مما كبدهم خسائر مالية فادحة , بجانب تعطيل عمل إنساني كبير يسعى إلى تقديم العلاج إلى المرضى و المحتاجين, دون أي مبررات موضوعية , و التنمية بطبيعة الحال لا تتم بمعزل عن الإنسان لأنه المعنى بها أولاَ و أخيراَ , و بالتالى سيكون الحديث عن دور المنظمات في عملية التنمية , عديم الجدوى في ظل سلطة( تقتلع الدواء من فم المرضى ) . و لعل معظم القراء يعلمون كيف قامت قوات الأمن و الشرطة المدججة بالسلاح و المعززة بمجموعات كبيرة من السيارات – التي تحمل الأسلحة - بمحاصرة ( نادى أبناء المحس بالخرطوم ) لمنع قيام نشاط ذو صلة بمشروع سد كجبار ! و ما هي الوسيلة التي يمكن أن يشارك عبرها أفراد المجتمع في مشروعات التنمية , إذا لم تكن الإدلاء بآرائهم في هذه المنابر المدنية و السلمية ؟ و يحدث هذا في الوقت الذي تقوم فيه منظمات و فعاليات أخرى بأنشطتها بكل وضوح من غير أن يعترضها أحد و من غير أن تقمعها أجهزة السلطة , لأنها ببساطة لا تختلف مع وجهة نظر السلطة و موقفها . إن هذه الازدواجية المخلة في المعايير الرسمية تجاه المنظمات و الفعاليات الشعبية , يجب تعالج بصورة واضحة قبل أن نطلب من المنظمات القيام بدور فاعل و حقيقي , لأنها في ظل المعايير السائدة الآن لن تستطيع القيام بالدور الذي ينشده البروفيسور . يقول البروفيسور ( و العمل جار الآن في قيام الطرق المسفلتة و إحياء مدينة وادى حلفا لتعود لسيرتها الأولى , فالذي تم في باقى الولاية يعتبر معجزة بكل المقاييس ) و لكن كيف تعود وادى حلفا إلى سيرتها الأولى في ظل إعتماد ( مثلث حمدى ) كمرجعية للحزب الحاكم في تحديد أولوياته التنموية, و كآلية للتهميش المقنن لمنطقتنا ؟ و في ظل الصمت المطبق الذي يصيب النوبيين داخل الحزب الحاكم حيال تلك الرؤية العنصرية التى أقرها مؤتمرهم الإقتصادى ؟ في الوقت الذي بدت فيه معالم ( المثلث ) بصورة سافرة في محاولات إغراق مناطق ( المحس و سكوت ) حتى يتحقق حلم البروفيسور الصادق عمارة الذي طرحه في ندوة ( مركز الإهرام ) بالقاهرة و هو تمليك ملايين الأفدنة الزراعية عالية الخصوبة لمئات الفلاحين المصريين بمنطقة( أرقين ) . إذاَ كيف ستنهض وادى حلفا إذا قامت السدود بإغراق جزء عزيز من جسدها ؟ فوادى حلفا ليست نبتاَ شيطانياَ و لكنها ترتبط إرتباطاَ عضوياَ وثيقاَ بتلك المناطق المزمع إغراقها و سيكون الإغراق بمثابة ( فصل الجسد عن الرأس ) و عندها سيكون الحديث عن تنمية وادى حلفا و نهضتها ضرباَ من الفهلوة ( و الضحك على الدقون ) لأن حينها لن يكون هنالك وادى حلفا , بل واد آخر ! و هنالك ( مجرد سؤال ) يبحث عن إجابة منذ فترة و هو , لماذا قامت السلطة بنقل التجارة الحدودية مع مصر الى ولاية نهر النيل ؟ و ما هى ( الحكمة ) الإقتصادية التى إرتكزت عليها في حين أن وادى حلفا هى أقرب نقطة حدودية مع مصر ! أرجو أن يبحث البروفيسور عن إجابة ( منطقية ) لهذا السؤال المحير . أما الحديث عن المعجزات فلا اعتقد أننا في عصر المعجزات اليوم , فالعالم يعيش في عصر العلم و التخطيط الإستراتيجي الذي يستصحب معه الإنسان في كل خطوة نحو التنمية , لأنه هو المعنى بها أولاَ و أخيراَ . في خاتمة حديثه يقول البروفيسور عبد الفتاح ( ففي كل الدنيا خاصة العالم المتقدم .. الولايات المتحدة , أوروبا الغربية , فإن المجتمع يلعب الدور الأكبر في كل شيء.. في تحديد الأهداف و اختيار من يقوم بالتنفيذ ) و لكن البروفيسور يعلم تماماَ أن أنظمة الحكم في تلك الدول التى ذكرها ليست أنظمة أحادية و إقصائية و أنها تحترم مطالب المواطن حتى و إن إختلفت مع توجهاتها ! و لكن هل يحق للمجتمع ( هنا ) أن يلعب أي دور في اختيار الأهداف و من يقوم بالتنفيذ ؟ إن ما حدث في ( مشروع سد كجبار ) يعد مثالاَ صارخاَ للعقلية الإقصائية التي صاحبت المشروع مما أدى إلى حملة إعتقالات واسعة لأعضاء اللجان التي قام بتكوينها مواطني المنطقة ( الشركاء الرئيسيين ) في المشروع , و قد ذهبت السلطة إلى أبعد من ذلك عندما قامت بإغتيال أربعة من المواطنين لمجرد أنهم قاموا بالتعبير عن رأيهم في المشروع المزمع إقامته . إذاَ ليس من الموضوعية أن نتناول قضية المشاركة من جانب واحد, فالمشاركة ركن أساسي من أركان ( الحكم الراشد ) الذي يتحدثون عنه بإستمرار و لا يطيقون تطبيقه على أرض الواقع , و لكن إذا أردنا بالفعل قيام المجتمع و منظماته و فعالياته بدور حقيقي و ملموس , علينا تناول القضية بكل جدلياتها و جوانبها الموضوعية , و حينها سنصل إلى حقيقة من الذي يعطل حركة المجتمع و يقمع مشاركة منظماته
|
|
|
|
|
|