|
الراحل المقيم عابدين صديق ... الخيول المستحلية
|
كتب الشاعر الكبير أمل دنقل في قصيدته ذائعة الصيت (الخيول) التي صاغها إبان النكسة 67: (إركُضِي كالسَّلاحِفِ/ نحوَ زَوَايَا المَتَاحفْ../ صيِرِي تَمَاثِيلَ مِنْ حَجَرٍ في المَيَاديِن/ صيِرِي أرَاجِيحَ مِنْ خَشَبٍ للصِغَار – الرَّياحِين/ صيِرِي فَوَارس َ حَلْوَى بِمُوسِمِك النَبَوي/ وللصبيةِ الفُقرَاءَ حِصَاناً مِن الطِين/ صِيرِي رسوماً.. ووشماً/ تَجفُّ الخُطوط بِهِ/ مِثلمَا جَفَّ – فِي رِئتَيكِ- الصَّهِيلْ!).. * كعاد النوارس في رحيلها الصامت، كل شتاء. فجاةً، غادرنا إلى برازخ العُلي، خدن الروح وصديق المسافة المثقف الثوري المبدع، زين العابدين صديق البشير، أو عابدين صديق كما جرى أسمه بيننا، أو (نائب المفوض).. فأي نزيف للإصدقاء أدركنا هذا الشتاء: فاروق كدودة.. محمد سعيد القدال.. عابدين صديق.. * من شرفات العمر الجميل، بأريجه، وجمره، يطل وجه عابدين صديق، سمح الخلق، طيب النفس والعُشرة. وكما عرفه المئات غيري منذ السبعينيات ونحوها لاسيما من خَبِر مجالات العمل الحزبي وسط فئات الطلاب حينها، وبداخل أروقة الحزب الشيوعي السوداني وهيئاته. وفي حواري أمبكول.. الحلنقة والعيداب والكرفة وساقية القاضي وفي الأعياد نحلِّق حول قبة مدني الازرق. ونحن رائحون وقادمون من جزيرة (أوتد) نزرع ساحات قمحاً وعيش ريف. * فقيدنا الصديق تلقى تعليمه بمروي ومن ثم تخرج في كلية الإقتصاد والدراسات الاجتماعية بجامعة الخرطوم في العام 1975م، وتُخبِر فترته بالجامعة عن مثقف مناضل ومناضل مثقف، ألهم جيله الكثير والكثير من المبادئ الهامة في العمل التنظيمي، في تلك الفترات القاسية التي عرضت في درب الشيوعيين والديمقراطيين عقب يوليو 1971م- إبان قيادتهم دفة العمل المعارض بالجامعات – قتلاً، ومطاردةً، وتشريداً. فما وجدت منهم إلا الثبات وسداد النظر، على النحو الذي عبّرت عنه قريحة الشاعر علي عبد القيوم (أيّ المَشَارِق لَمْ نُغَازِل شَمْسَهَا/ ونُميِط عَنْ زِيفِ الغُموضِ خِمَارَهَا/ أيّ المَشَانِق/ لَمْ نُزلْزِل بالثباتِ وَقَارَها). عقب تخرجه إلتحق عابدين بمؤسسة السكر السودانية، وعمل بعدها بمفوضية اللاجئين التي تدرج فيها وصولاً لمنصب نائب المعتمد، والذي أطاحته عنه مذبحة الخدمة المدنية عقب يونيو 89، ليعمل بعدها كرجل أعمال مستقل، فارداً أجنحة غيمة لهموم الوطن، وأشجان الأصدقاء الماطرة. التعازي الحارة في مقام الفقد أسوقها لأسرته الصغيرة ولأصدقائه ولزملائه ولحبيبتنا بت الملكة وعاشة بشير ولصفوة الروح عمر وصلاح وعماد رافعي شعاب العائلة ولعارفي نداه العطر وأثره الخالد، ومن قبل أُعزَّي فيك نفسي.. يا عابدين.. معلماً وصديقاً، مناضلاً فذاً، فرداً.. أغلبية، مثقفاً ملتزماً، منظماً وقارئاً عارفاً، وإنساناً عميق الحضور.. وألتقط من بين أدمعي – لا تجفُّ عليك – مقاطعاً أخرى لأمل دنقل كتبها نحو خيوله، لأناجيك وأنت في ضفافٍ أُخريات، وكعادتك دوماً تسبقنا دوماً.. حتى في الرحيل: (كُل نهرٍ يُحاولُ أَنْ يَلمَسَ القَاعْ، كُل اليَنَابيعِ إن لَمِسَت جدَولاً مِنْ جَدَاوِلهَا تَخْتَفِي/وهِي.. لا تَكْتَفِي/ فإِركُضِي أَو قِفِي/ كُلَّ يقودُكِ مِنْ مُستَحِيلٍ إلى مُستْحِيلْ!!). ولك السلام في عليائك يا صفىّ الروح والقلب
ناشط فى مجال الحقوق النقابية والإنسانية
|
|
|
|
|
|