الطاهر ساتي يكتب في الصحافة عن بائعات الشاي في الشوارع :

Quote: اليكم : أخيرا .... أحسنت يا الكودة ..!! ** أحدهم كان قد وصفهن قبل عام بانهن يقبحن وجه العاصمة بمنظرهن غير اللائق ، وأخر اتهمهن قبل نصف عام بأنهن يمارسن الرذيلة ويشجعن الاخرين عليها.. هكذا كان يحاكم بعض ولاة أمرالناس بائعات الشاي بعاصمتهم المسماة - لفظا - بالحضارية ، وكأن الحضارة هى أن تدفن آبارالعامة المعطلة تحت قصور الفئة المشيدة .. بتلك الأحكام الظنية - الجائرة - كانوا يضايقون بعضا من نساء بلادي اللائي رمتهن ظروف الحياة وقسوتها في قارعة الطريق ليبحثن عن سبل العيش الكريم والرزق الحلال .. تلك أحكام قاسية ومظان مؤلمة لايحتملها كل من يرى في بائعة الشاي بعضا من أمه الكريمة أو اخته الشريفة أو حرمه المصون ، ولكن ذاك النفر من ولاة الأمر- لسوء في أفعالهم - كانت ظنونهم تسيئ لشريحة ان هى أرادت بيع الهوى لما أرهقت نفسها بافتراش الأرض وغبارها تحت وطأة الأنظار في سبيل لقمة غذاء وجرعة دواء ومتر كساء لنفسها ولصغاريدثرهم برد هذا الشتاء حين يأمره الرحمن بأن يكون ..« دفئا وسلاما » ... !! ** يظل مشهد منافي للانسانية وكل الديانات الداعية اليها ، ذاك المشهد الذي يظهر فيه موظف المحلية متأبطا شرطيا يفرغ كل طاقاته ومهاراته وخبراته في امرأة جريمتها هى فقط تريد أن تعيش بستر الحال ، حيث لاتمد يدها للمارة ولاتفسح ساقيها للسيارة ، ومع ذلك يأبى موظف المحلية سترها حالها فيطاردها ويكسر أوانيها ثم يصادر بعضها ، وكل ذلك لا لتنظيم العاصمة كما يزعمون ولكن لتغريم المرأة وتحقيق الربط المقدر لخزائن المحلية ، أي انهم يكشفون حال النساء ليستروا - بالمقابل - حال الخزائن ، ويا لتلك الخزائن التي - كاحواض الرمال - لم تمتلئ بالموارد عاما ، لا النفط يستر حالها ولا السلام يسد عجزها ولا هى بالمانحين تكتفي ، ولذا تطارد أجهزة الدولة أمهاتنا وأخواتنا في الأسواق وأمام المستشفيات والمدارس لدفع راتب المعلم ونثريات السيد المعتمد ، حفظ الله آل بيته من الفقر والنزوح والتشرد وتوسد الثرى نهارا والتحاف السماء ليلا ، وهكذا حال من تحطم المحليات « كبابيها » وتصادر« صوانيها » فجرا، ثم تعيدها قبل الضحى مقابل تسديد « الغرامة » ..هل هكذا تحمي الحكومات مدائنها من الفوضى..؟.. وهل مايحدث « حماية » أم « جباية » ..؟.. والذي أنفسهن بيده لو أضربن عن العمل أسبوعا لاستجداهن معتمد الربط المقدر - بكل محلية - على العودة لكى لا يسبب غيابهن عجزا في ..« الموازنة العامة » .. !! ** المهم .. ** أخيرا تفهمت احدى محليات العاصمة الظروف التى أرغمت بعض نسائها على بيع الشاي ، وهذا يسعدنا ويدفعنا لمدح تفهمها .. وأن تتفهم المحلية - تلك الظروف - أخيرا خير من الا تتفهم نهائيا ، وكذلك خير من المحليات الأخرى التى لا تزال شرطتها تطارد نسائها في الطرقات .. وهى محلية الخرطوم .. اذ قرر معتمدها مبارك الكودة تأجير مواقع عمل لبائعات الشاي والأطعمة بنصف القيمة ، وتزويد المواقع ببعض أساسيات العمل ، مع اعفائهن من الرخص والرسوم .. قرار صائب يصطحب الجانب الانساني الذي لا يتناقض مع التنظيم .. وتخصيص مواقع لعملهن غير انه يفتح أبواب بيوتهن بالكسب الحلال ، أيضا يسهل على المحلية عمليات الرقابة الصحية على أطعمتهن ومشروباتهن ، وذلك بالتوجيه والارشاد ثم بالغرامة اذا تكررت المخالفة .. وكذلك تلك المواقع ستسهم كثيرا في استقرارهن وتجنبهن مشاق التجوال والترحال الدائم من مكان الى آخر، وبالتأكيد الأمكنة التى هن يتزاحمن فيها غير خافية على أجهزة المحلية .. ونأمل أن تتوفق محلية الخرطوم فى هذا المشروع الانساني وتقدمه نموذجا لكل محليات السودان .. وربنا يحفظ البلد من الفقر والحرب و..« الحكم غير الراشد »