|
جون ماشيك
|
في الثمانينيات كان المسبح الواقع في ركن وزارة الخارجية الحالية اسمه مسبح فرع الرياضة العسكرية .. في الإجازات الصيفية تدب في أنحائه الحياة و يصبح المكان خلية نحل ..
في العام 1982 توجهت أنا و أختي عالية و عبير مع أبي الى مسبح فرع الرياضة العسكرية و دخلنا مكتب كبير المدربين مكي عبد العاطي الذي سأخافه أكثر مما خفت أستاذ سيف في مدرسة الموردة الإبتدائية.. كانت الإجازة الصيفية في أولها و كان أبي قد جاء قبلها بيوم الى المنزل بكيس كبير من دكان اسمه شاشاتي كان يقبع في شارع الجمهورية ليخبرنا( الداير يمشي الفاضلاب السنة دي لازم يتعلم العوم) مكي عبد العاطي رجل ذو صوت جهور .. كان يرتدي بدلة رياضية غالبا ما كانت برتقالية لسبب ما.. بعد أن ملأنا الأوراق اللازمة ختم أبي حواره مع مكي بالعبارة الشهيرة (ليكم اللحم و لينا العضم) و يبدو أن مكي كان يأخذ هذا التعبير المجازي حرفيا فقد قارب القضاء على لحم ظهري لاحقا بسوط شجر الحناء الذي كان يحف فناء المسبح.. في اليوم الأول تم تقسيمنا على المجموعات التي سنقضي بها باقي إجازة الصيف.. عالية و عبير تم توزيعهم على كابتن فتحي و هو رجل قصير و لكنه على لياقة بدنية عالية و يمكنك رؤية عضلاته كما في كتب التشريح حاله حال كابت يوسف و حسين الذي كان يأتي يوميا الى حوض السباحة ممتطيا دراجته من أمبدة دون أن يبين عليه أثر التعب.. تم توزيعي على مجموعة المدرب الأطول قامة و الأكثر سوادا .. و الأضخم بنية و هو من قبيلة الدينكا .. كان اسمه جون ماشيك.. كان جون ماشيك أسرع المدربين في سباحة الحرة أو الكرول و الفراشة .. كما أنه كان بطل الجمهورية للمسافات الطويلة و أشهر سباقات تلك البطولة هو سباق سوبا- الخرطوم الذي بعدها بأعوام سأشارك فيه كتفا بكتف مع معلمي جون ماشيك ممثلا نفس ناديه الهلال. وقتها كان جون ماشيك رقيب على ما أذكر بسلاح الجو... و قد سمعنا عنه الأساطير التي ببركة مجاورته رأيته يقوم بفعل بعضها.. أصعب أيامي كان اليوم الأول في المسبح فبعد أن تم توزيعي .. ذهبت بابتسامة كبيرة نحوه مصافحا فسألني إن كنت أجيد السباحة بعد؟ بكل تهذيب قلت.. لا! و لكن جون ماشيك كان لا يصدق بسهولة فما كان منه إلا أن قذف بي الى الماء مبتسما و كان آخر ما سمعته يقوله.. نشوف! بعد دقيقة بدت كأنها الدهر أخرجني جون ماشيك و أنا أكحكح.. و الماء يصعد أنفي و يؤلمها .. و كنت في دهشة مخلوطة بفزع رهيب.. المهم في العام 1985 كنت أقف بجوار معلمي جون ماشيك لآساعده في متابعة طلابه الجدد.. أصبحت حينها بفضله مساعد مدرب و أنا لا زلت في التاسعة.. و الأكثر من ذلك سجلني جون ماشيك لآشبال الهلال وشاركت بعدها بعام في أول بطولة جمهورية. جون ماشيك كان يضحك بصوت عال جدا.. تعرف أنه وصل الى المسبح عند عبوره الباب.. كان أكثر المدربين استهلاكا للخبز عندما يحين وقت الفطور.. و كان أكثرهم تمرينا و أشدهم على طلابه.. كان دائما ما يحكي لنا عن أنه يقفز من الكبري .. فننبهر و نتمنى أن نفعل فعله يوما ما.. في العام 2002 ألتقيت جون ماشيك بعد سنين عددا.. كان يمشي مستعينا بعكاز.. عندما سألته عن ما حدث.. أجابني : طلبوا مني أن أودي واحدة من الأشياء التي كنت أوديها ببراعة في شبابي و هي القفز من هليكوبتر أمام الرئيس في النيل في واحد من أعياد الثورة و يبدو أنني قفزت في مكان ضحل.. حزنت حينها جدا جون ماشيك وقتها كان في الخمسين من عمره.. و لكنه كان بصحة جيدة بسبب الرياضة.. لم تساعده الحكومة على علته التي أصابته ليفرح رئيسها.. عندما كنت أودعه.. طلب مني بخجل أن أعينه ببعض المال لكي يتناول افطاره.. ساعتها رأيت في عينيه انكسارا لم أظن أنني سأراه أبدا في عيني هذا الرجل جون ماشيك.. بطل الجمهورية للمسافات الطويلة بطل نادي الهلال الرياضي و معلمي ..
سلام عليك أينما كنت الآن أعلم أنك لا زلت في الخرطوم تزرع شوارعها جيئة و ذهابا بحثا عن الرزق أعلم أنك هناك بقوامك الممشوق مثل كل محاربي الدينكا تبتسم لا زلت ... و تتذكر سلام عليك يا تمساح النيل يا.. جون ماشيك.
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: جون ماشيك (Re: fadlabi)
|
Quote: في العام 2002 ألتقيت جون ماشيك بعد سنين عددا.. كان يمشي مستعينا بعكاز.. عندما سألته عن ما حدث.. أجابني : طلبوا مني أن أودي واحدة من الأشياء التي كنت أوديها ببراعة في شبابي و هي القفز من هليكوبتر أمام الرئيس في النيل في واحد من أعياد الثورة و يبدو أنني قفزت في مكان ضحل.. حزنت حينها جدا جون ماشيك وقتها كان في الخمسين من عمره.. و لكنه كان بصحة جيدة بسبب الرياضة.. لم تساعده الحكومة على علته التي أصابته ليفرح رئيسها.. عندما كنت أودعه.. طلب مني بخجل أن أعينه ببعض المال لكي يتناول افطاره.. ساعتها رأيت في عينيه انكسارا لم أظن أنني سأراه أبدا في عيني هذا الرجل جون ماشيك.. بطل الجمهورية للمسافات الطويلة بطل نادي الهلال الرياضي و معلمي .. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جون ماشيك (Re: fadlabi)
|
Quote:
في العام 2002 ألتقيت جون ماشيك بعد سنين عددا.. كان يمشي مستعينا بعكاز.. عندما سألته عن ما حدث.. أجابني : طلبوا مني أن أودي واحدة من الأشياء التي كنت أوديها ببراعة في شبابي و هي القفز من هليكوبتر أمام الرئيس في النيل في واحد من أعياد الثورة و يبدو أنني قفزت في مكان ضحل.. حزنت حينها جدا. |
الحبيب فاضلابى انه لامر محزن ان يصاب فى احدى اعياد الثورة عندما كان يؤدى وظيفته ويتم اهماله بهذه الطريقة بدون تعويض او الاستفادة من خبراته حتى وان كان بدون النزول الى الماء
تسلم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جون ماشيك (Re: دوت مجاك)
|
الصديق دوت مجاك
المحزن أنه لا أعرف ما جدوى جعل رجل في الخمسين يقفز من هلكوبتر؟
الناس في عمره بالقدر الذي خدم به وطنه يتم تكريمهم و يستحقون حياة هادئة في منزل جميل لا أن يقوموا بحركات بهلوانية يصفق بعدها الرئيس السمين من كرسيه العالي.. و لكن جون ماشيك لا زال يسعى في طلب الرزق الى يومنا هذا كأنه في بدايات شبابه..
و الله يا دوت ما تتخيل الزول ده واجعني كيف؟
| |
|
|
|
|
|
|
Re: جون ماشيك (Re: fadlabi)
|
شكرا يا قريبي
أنا بطالب الدولة ...
و نادي الهلال البسجل في الناس بالملايين ده يهتم بمن مثلوا و جاب الكاسات و الميداليات و صنع تأريخ كبير للهلال في السباحة
جون ماشيك بطل جدير بالتكريم و الإحترام
| |
|
|
|
|
|
|
|