|
|
 إيجابيات الاستعمار !!
|
العنوان الاستفزازي ليس مقصوداً لمحض الإثارة .إنها حقيقة تفقع عيون المنكرين. لا سيما إذا أعدنا البصر كرتين في حالنا ونحن نمسك عن بعضنا البعض - إلى حد كبير جدا- زمن الاستعمار بينما تمزقنا الصراعات والحروب الأهلية والفتن "الذاتية"قبل الاستعمار وبعده
وكنتيجة لذلك نجوع ونعرى في غير زمن االاستعمار الإنجليزي لبلادنا (قبل وبعد!!) ولا يقترب منا شيء من ذلك أثناءه
لا ندعو لاستعمار جديد بحال من الأحوال ولكننا ندعو لاستقلال أكثر إيجابية في النواحي كلها من الاستعمار !
وأنى لنا ؟؟ ثم أنى لنا ؟؟
فعلى أقل تقدير لم تشهد سنوات الاستعمار جميعها – والله أعلم - سنة مثل "سنة ستة " ولا مثل سنين الإنقاذ التي توشك أن تكون جميعها على غالبية السودانيين "سنة ستة " وطبعاً لا يعرف الكثير من أبناء الجيل الحالي ما هي سنة ستة وإن كانوا يحسون بطعمها في حلوقهم .
للاستعمار الإنجليزي المصري حسنات وإيجابيات يمكن حسابها بمقارنة أحوال وأوضاع البلاد والعباد تحت إدارة المستعمرين بأحوالهم وأوضاعهم تحت إدارة الوطنيين على تعاقب حكوماتهم .
لا يستطيع منصف إنكار الإنجازات التي حققتها الثورة المهدية على صعيد تشكيل أمة سودانية من حيث الانتقال بالناس من القبلية إلى "الوطنية والقومية" ومن الاحساس بالذل والتبعية إلى الاحساس بطعم الاستقلال الحقيقي .
ولكن الدولة التي قامت بعد ذلك فشلت فشلا ذريعا في المحافظة على ما تم إنجازه فبرزت الجهويات والعرقيات وبرز الاستبداد والحروب الأهلية الطاحنة .
في سنة 1306 هـ تحول المزارعون والرعاة إلى غزاة ومجاهدين و...و وقود للحرب الأهلية فيما بعد بتحويل الطاقة الإنتاجية إلى قتالية .
* في زمن الإنجليز قام الأمام عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي بتحويل الطاقات التي وفدت إليه بنية الغزو والجهاد إلى الزراعة في الجزيرة أبا وربما كان هذا جزءا من الأسباب التي أدت إلى الرفاهية التي حدثت في ذلك الزمان والأزمنة التالية فكان هذا الابتعاد المحمود عن الوقوع في سنة ستة أخرى
* في زمن الإنقاذ تم توجيه معظم الميزانيات إلى النواحي العسكرية والبوليسية والأمنية وقليل من القليل إلى الإنتاج الحقيقى المتمثل في الصحة والتعليم فظلت السنوات جميعها (سنة ستة )!
لم يكن كتشنر يملك القدر الوافر من الشجاعة ، كالذي تميز به أجدادنا البواسل الذين قال عنهم أحد جنوده فيما بعد  لم نهزمهم ولكنا سحقناهم) .
دفع السودان المهر ليتزوج الواقع الإنساني الاجتماعي الثقافي المسمى مع مشروع الحداثة ..
السودان هذا المتعدد التاريخي والمتعدد الجغرافي والمناخي والمتعدد الإثني والعرقي والثقافي دخل للتو في عباءة الدرويش ، كان بحاجة إلى لحظة تاريخية أخرى تربطه بحاضر العالم من حوله في منجزات الحداثة المادية والثقافية في آن معاً وكان الخيار الأقرب هو الدخول في هذه التجربة .. تجربة الاستعمار .. ويخرج منها هذا السودان الذي نعرفه الآن كما يدخل قطن مشروع الجزيرة الخام إلى مصانع لا نكشير ويخرج منها ملبوسات وأقمشة زاهية قابلة للاستخدام .
السودان الآن هو بكامله من صنع التجربة الاستعمارية ليس سيئا كله . بمعنى أن هناك إيجابيات ومزايا كثيرة . هذه الإيجابيات والمزايا... معظمها يندرج تحت مسمى الحداثة هذه العروس الجميلة التي تزوجها السودان.
السكة حديد ، الكهرباء ، الترماي ، الإذاعة ، الارتباط الثقافي بالعالم ، الإدارة السياسية في الحضر والريف ، احترام المعتقدات والأديان إلى أقصى حد ممكن ، الأفكار الوطنية والقومية والتحررية والديمقراطية ، أمدرمان القرن العشرين الممعنة في الدعة والجمال والغناء .. (والثورة) وهي أحد أحياء أمدرمان تختلف جذريا عن الثورة المهدية الأم ، كل هذه ملامح في وجه العروس .. ليتنا زدناها جمالا بعد الاستقلال ... بل ليتنا تركناها على حالها الذي كان مستوراً ورائقا
نظام تعليمي راسخ
بدأ المستعمر بإنشاء كلية تعمل على تخريج معاونين مهنيين له من أبناء الأسر العريقة في البلاد ولكن هؤلاء سرعان ما أنشاوا نواد للخريجين . وكان أبرز إنجازات هذه النوادي هو إنشاء المدارس الأهلية
لم يخرج الاستعمار بعد أن تجذر النظام التعليمي المعروف باسم بخت الرضا في الواقع السوداني تجذرا نافعا وجميلا كأزهى مايكون النفع وكأجدى ما يكون الجمال لقد أفاء هذا النظام بخيراته على هذه البلاد والبلاد المجاورة وبالجملة فإن هذا النظام هو أحد إيجابيات الاستعمار بهذا الشكل أو ذاك .
العدل ،واحترام الإنسان ، إلى حد ما
لا يمكن أن نسمى المستعمر الغاصب عادلاً بشكل مطلق . ولكن الإنجليز حاولوا ممارسة الإنصاف والعدل الذي ألفوه ربما من الطريقة التي نشاوا وتشكلوا بها في بلدانهم . الصورة المرفقة توضح مجلساً للمفتش الإنجليزي - بامدرمان فيما يبدو- يستمع بقليل من الصلف ولكن بكثير من الصبر لشكاوى ومداخلات عامة الناس وفي الهواء الطلق .. يحكي أهلنا الذين شهدوا جانبا من ذلك العهد برميل ...أحد المفتشين الإنجليز الذين تعاقبوا على أم درمان – كان يفرض على باعة الحطب الذي يستخدمون الإبل أن يترجلوا منها حال دخولهم المدينة لئلا يكشفوا عورات البيوت .
قارنوا أكثر بين عفو الرئاسة عن جوليان التي لم تكمل مدة الشهر في الحبس وبين الإصرار على نيوفيلد إما أن يدخل الإسلام أويبقى في الحبس
ألم أقل لكم : حليل زمن اللنقليز !! أو كما قال بعض المخضرمين !
|
|
 
|
|
|
|
فتحي البحيري
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست