|
صالح فرح ينعي كدودة والقدال وعيد رأس السنة . . أتراح وأفراح ..
|
عيد رأس السنة . . أتراح وأفراح
منذ أيام غابت آخر شموس العام الفائت آذنة لشمس جديدة أن تبزغ حتى نؤرخ لبداية عام جديد في عمر السودان المستقل . ومع مغيب شمس وبزوغ أخرى غاب علمان من أعلام الحزب الشيوعي ، قيل إن أسرجت لهما جواد التعلم وجدتهما على ظهره أهل دربة ودراية ، وإن أسرجت لهما جواد السياسة وجدتهما على ظهره أهل مراس وعزم . عانا في ميدان التعلم قسوة السهر ومشقة الإستذكار فأجيزا بأرفع الدرجات العلمية ، و في ميدان السياسة عانا التشرد والسجن وما فـيه من إبتلاءات ، فما وهن لهما عزم أو ضعفت لهما إرادة ، فإبر النحل دون أي شهد تطلبه . مع الشمسين : شمس غاربة وشمس بازغة غاب البروفسران القدال وكدودة ، رجلان ليس لنا بهما سابق معرفة . ورجلان ينتميان إلى معسكر نختلف معه فكرا وسياسة ولكننا نعترف لهما بسلامة القصد ، ونقدر لهما الوفاء لفكرهما فقد ظلا عنه مدافعين واحتملا في سبيل ذلك كثيرا . كانا من قلة ، إما أن تبلغ مجدا أو تموت فتعذرا ، وكيفما كان . . أي حسام لم تفل شباته ****** وأي جواد لم تخنه الحوافر أولو العزم هم من يستطيعون التصدي للعمل في الحياة العامة ، فهنا العقوق والجحود بعض مطبات الطريق ومعالمه . وحين يصيب من يعمل في الحياة العامة فشل فقليل من يقدر له أنه عمل وإن لم يوفق . إن من يعمل في الحياة العامة ينتهي مصيبا أو مخطئا ، فإن أصاب كسب وقد يفيد من كسبه آخرون ، وإن أخطأ فعلى رأسه وحده يقع وزر خطئه ، والمأثور . . من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ـ فهو أهل لجائزة في الحالين وإن اختلف مقدارها. ألا رحم الله القدال وكدودة . أللهم إن كانا محسنين فزد في إحسانهما ، وإن كانا مسيئين فتجاوز عن سيئاتهما ، وبارك في من خلفا ، وألهم من رزئ بفقدهما صبرا وسلوانا ـ آمين . غير أن الأسى الذي خيم على مجلسه لم يمنع من شهده أن يسمعه يحدث ، فلقد عاد صاحبي من الخرطوم بعد أن شهد فيها الليلة الأخيرة من العام الفائت ، عاد مأخوذا بما رآه وعاشه تلك الليلة . لقد شهد احتفال الناس بـ " ليلة رأس السنة " ، وما كان قد عرف للناس احتفالا بتلك الليلة من قبل . حكى كيف سهرت الخرطوم حتى الفجر وهي تحتفل . الأحبة . . " إتنين إتنين .. . في الشاطئ عند الملتقى " أو قبالة توتي وقد " بدت كالطفلة باكية تنهدت " ، جو للرومانسية فيه نصيب وافر ، والناس في الميادين والحدائق العامة أكوام أو جماعات مع الطرب " الدكاكيني " ، والشواء عبق دخانه يملأ الجو ، وعلب الفارغ من الشراب أو زجاجاته تزحم مواعين القمامة كما تنتثر على الأرض . أما الأندية بعددها العديد فقد حضنــت القادرين على دفع قــــيمة " القعدة " ، رجالا ونساء ، مفضلين ضرا الجدران على طلاقة هواء الميادين .. للإستمتاع بالرفقة والرفيق والشدو بصوت مرتفع مع مصاحبة الأوركسترا الصاخبة . قال صاحبي ، وكان قد شهد بداية أعوام كثيرة كانت أيام ثورات أخرى وحتى أيام الإنجليز إنه لم يشهـــد مثل تلك " الحرية " التي رآها في الخرطوم في رأس السنة ، رأس السنة الذي صار له عيد في عهد الإنقاذ تماما كعيد الإستقلال وكعيد السلام ، عيد يسهر الناس فيه حتى الفجر يحتفلون به .. تماما كما يحدث في بلاد ليس الإسلام مما تعرف من حلول . وبعد ، قال صاحبي إن الـذين يطالبون بالحـــــــريات العامة غايتهم " شيلة الحس ". فلقد رأينا في رأس السنة كيف أتاح لهم النظام من الحرية هامشا لم يألفوه من قبل ، ولـن يــقـلل من ذلك الهامـش أن تســميه تحررا Licence ـ خلطا بينه وبين التطور . فماذا علينا إن كانت الناس متخلفة لا تستبين التطور وما يضير التطور إن كان جهل الناس لا يوفرهم على معرفة ؟ وبركات النظام لم تقف عند الحرية فلقد هيأ للناس من اليسر والغنى قدرا لم يعتادوه ، قدرا لم يقف عند السودان وإنما تعدى حدوده ليـنتشر في بلاد الله ، ولا يقلل من قدره ألا يكون للكثرة الغارقة في البؤس والحاجة نصيب منه . ولكن ماذا يضير النظام إن كانت الناس تعزو كل ما " انحل " في السودان إلى " تفليسة " القفل التي تمت يوم ذاك تحت مسمى الإسلام هو الحل . صالح فرح ، السوداني - سودانايل
|
|
|
|
|
|