|
الهوية في فكر الحركة الإسلامية
|
الهوية في فكر الحركة الإسلامية رشا عوض عبد الله
في يوم الأربعاء الموافق 2/1/2008م أقام مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية ندوة عن الهوية في فكر الحركة الإسلامية تحدث فيها الأستاذ المحبوب عبد السلام القيادي البارز بحزب المؤتمر الشعبي، وذلك ضمن سلسلة ندوات المركز عن إشكالية الهوية في السودان والتي ابتدرها بمؤتمر الهوية في السودان في سبتمبر2007م تحت شعار(نحو هوية وطنية متعددة الأبعاد)، جاءت الأطروحة التي قدمها الأستاذ المحبوب متجاوبة مع تحديات المرحلة الراهنة في البلاد إذ ابتعدت عن التبسيطات والتعميمات السطحية للخطاب الإسلاموي في مثل هذه القضايا، حيث جاءت الأطروحة مؤكدة على ضرورة استيعاب واستصحاب التعددية الدينية والثقافية والإثنية في السودان منطلقة من أن الواقع السوداني واقع معقد ومركب وبالتالي يطرح تحديات معقدة ومركبة تستوجب التجديد الفكري.
كما تضمنت الأطروحة اعترافاً بتواضع المساحة التي احتلتها قضايا التنوع الثقافي ومشاكل الهوية في فكر الحركة الإسلامية السودانية مقارنة بالمساحة والاهتمام الذي حظيت به القضايا الدستورية والقانونية وأشارت إلى حادثة انضمام يحيى بولاد للحركة الشعبية لتحرير السودان وقتاله في صفوفها وهو القيادي الإسلامي المجاهد والملتزم الذي سبق أن قدمته الحركة الإسلامية لرئاسة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وذلك في سياق تناوله للتحديات الفكرية الجديدة التي تفرض على الحركة الإسلامية الالتفات لقضية الهوية والتعددية، وخلصت الأطروحة إلى أن دستور 1998م هو أفضل ما قدمته الحركة الإسلامية لمعالجة قضايا التعددية والتنوع والديمقراطية وأن هذا الدستور يجسد فكرة أن الحرية أصل ثابت في الإسلام.
فيما يلي أعرض بعض الاستدراكات والإضاءات حول موضوع الندوة: أولا: عادة عندما يتحدث الإسلاميون في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومشاكل صراع الهوية يكون الجمهور المتلقي متحفزاً للانقضاض على المتحدث فور انتهائه من الحديث ومحاصرته بالتناقضات الكبيرة بين ما يطرحه نظرياً وواقع التجربة العملية للحركة الإسلامية أثناء حكم الإنقاذ، ومنطقياً لا يمكن رفض هذا المسلك بشكل قاطع فهناك مشروعية أكيدة لاختبار مصداقية الطرح الفكري بمقارنته بواقع التطبيق، ولكن مصلحة الحوار الوطني تقتضي أن لا تهدف محاصرة الإسلاميين إلى الحكم المطلق بأن لا سبيل للتقدم والحرية وحقوق الإنسان والتعددية إلا إذا انسحب الإسلاميون كلية من الساحة الفكرية والسياسية لأنهم غير مؤهلين لأية إضافة إيجابية في هذه الميادين، لأن هذه الروح الإقصائية تعمق حالة الانقسام وتحول دون بناء أرضية صلبة للتراضي الوطني، مما يؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمة التي صنعها الإسلاميون بإقصائهم للآخر، فالمسعى الديمقراطي ليس من أجندته مصادرة مشروعية وجود الحركة الإسلامية بل يهدف إلى تنحية الحركة الإسلامية من موقع الوصاية على الوطن الذي احتلته دون وجه حق وإخضاع مشاركتها في الشأن العام لضوابط عقد اجتماعي عروته الوثقى المساواة في حقوق وواجبات المواطنة.
ثانيا:عادة ما يطرح الإسلاميون وكثير من العلمانيين مبدأ تأسيس الحقوق والواجبات على أساس المواطنة ومبدأ الالتزام بالديمقراطية كحل لمشكلة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين وما يترتب عليها من صراع هويات في الدولة الواحدة، وهذا خطأ كبير فالالتزام بهذه المبادئ ضروري حتى إذا كان كل مواطني الدولة من المسلمين، لأن شأن إدارة الحياة العامة بطبيعته شأن تعددية واختلاف حتى بين المسلمين أنفسهم، بل حتى بين(الإسلاميين) المنتمين إلى مدرسة آيدولوجية واحدة, وهذا ما يفسر انقسام الحركة الإسلامية السودانية ذاتها إلى المؤتمرين الوطني والشعبي.
ثالثاً:على الحركة الإسلامية أن تدرك أن الذي يجعل من الإسلام عامل صراع وانقسام بين المواطنين المسلمين والمواطنين غير المسلمين في السودان هو التوظيف الآيدولوجي للدين في السياسة، ذلك التوظيف الذي ينطلق من اعتقاد أن للهوية الدينية(الإسلامية) الحق في الوصاية على الآخرين عبر الهيمنة على فضاء الحياة العامة، وهو اعتقاد يجد سنده القوي في الفقه التقليدي والتفاسير السلفية، وهنا يشتعل الصراع بين الهوية الإسلامية والهويات الدينية الأخرى ليس اعتراضاً مبدئياً على وجود الإسلام كعقيدة وشعائر ووجود المسلمين ككيان له هويته المستقلة، وإنما اعتراضاً على الامتيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يطالب بها المسلمون على مستوى الدولة، لأن هذا التمييز على أساس الدين يتعارض مع مبدأ المساواة في المواطنة في الدولة المدنية الحديثة وهو تمييز تتضرر منه كثيراً المجموعات غير المسلمة في ظل دولة تفتقر أساساً للتوازن التنموي والعدالة في توزيع السلطة والثروة والديمقراطية السياسية والثقافية.
رابعاً: في أعقاب إصدار دستور1998م ثم توقيع اتفاقية السلام في يناير2005م أصبح يتردد كثيراً بين الإسلاميين عدم ممانعتهم لأن يتولى رئاسة الدولة السودانية شخص غير مسلم لأن في مرجعيتهم الفكرية متسعاً لقبول ذلك، ولكن إذا تتبعنا التصورات النظرية للحركة الإسلامية بشأن الدولة وجدناها تعرف الدولة بهوية إسلامية وبشكل قاطع، ولذلك يحق لكل من اطلع على هذه التصورات وشهد بعضاً من تطبيقاتها العملية في عهد الإنقاذ وهو غير مسلم أن يشعر بغربة تامة عن هذه الدولة ويشعر بالتهميش، فمثلاً يقول الدكتور الترابي في كتيب له بعنوان خواطر في الفقه السياسي لدولة معاصرة صدر عام200م: مشروع إقامة الدولة الإسلامية يبدأ بـ (الإصلاح السياسي التوحيدي وهو مشروع شامل في التزكية الإيمانية والخلقية وفي التشريع السياسي فمن أول يوم استقبلت فيه أقدامنا قبلة الإسلام ووضعت على طريقه، سيستدعي الأمر مرحلة انتقال حتى نبلغ الواجبات الأساسية ثم نمضي قدما إن شاء الله في كمالات توحيد السياسية والدين ).
وفي أحدى رسائل البعث الحضاري وتحت عنوان رؤية معاصرة لنظام السياسة الشرعية يقول الدكتور غازي صلاح الدين: الدولة تعبر عن المجتمع في وظيفة القيادة وهي الأداة لحراسة الدين وسياسة الدنيا كما عبر عنها فقهاء الأحكام السلطانية، مقصودها كما قال ابن تيمية هو: (إصلاح دين الخلق وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم) ولذلك فإن جميع ولاياتها كالقضاء والحسبة والحرب في (الأصل ولاية شرعية ومنصب ديني) ولإقامة الدولة الإسلامية في العصر الحديث يحتاج المسلمون إلى الاقتباس من نظم الحكم والإدارة الحديثة دونما حرج لان ذلك لا يتعارض مع الإسلام.
وبذلك يمكننا استنتاج أن الحديث عن قبول ولاية غير المسلم جاء نتيجة للضغوط السياسية وليس التجديد الفكري، ولكي يكون انتقال السودان إلى آفاق التعددية الحقة انتقالاً حاسماً لا بد من المراجعة النقدية العميقة لفكر الحركة الإسلامية.
|
|
|
|
|
|