|
Re: الحب والجنس في حياة الرسول (ص) (Re: عمر التاج)
|
_____________________________
الفاضل: عمر التاج
أولاً أشكرك على حسن الظن بي، وقد أرسلت إليك برسالة شكر بهذا الخصوص، وأتمنى –فعلاً- أن أكون أهلاً لما تظنه بي. وبعد ،،،
ففيما يتعلّق بالمقال المنشور فإنني لن أدعي نشره بغرض الفائدة العلمية أو الأدبية، ولكن شدّني في هذا المقال أمران هما: (1) ما يتعلق بمسألة القداسة فيما لا قداسة فيه. (2) ما يتعلق بوصف البخاري بالشعوبي والمجوسي. لأن هذين الأمرين -في اعتقادي- قد يقودان إلى فتح أذهاننا إلى أفاق واسعة جداً في محاولاتنا الحثيثة دوماً لقراءة التاريخ الإسلامي المستعصي علينا جميعاً. وعندما أقول مستعصي، فلأن أحد العنصرين السابقين هو تحديداً ما يعوق دون تصوير التاريخ الإسلامي على أنّه (تاريخ) ويرفعه إلى مقام (القداسة) رغم أنّ التاريخ بمفهومه المتداول لدى الجميع هو تناول أحداث وسيرة الشخوص في زمان/مكان معيّنين. شخصية الرسول الكريم، هي شخصية محورية في التاريخ الإسلامي لأنه مفجّر الثورة الاجتماعية الجذرية التي قامت في جزيرة العرب. والديانة الإسلامية هي أيضاً مثيرة للجدل، لأنها على غير المعتاد قامت بدعوة يمكن تسميتها بالعالمية (وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً؛ ولكن أكثر الناس لا يعلمون) حتى أنّه تجاوز "كافة الناس" إلى كافة الثقلين الجن/الإنس مثيراً بذلك جدلاً واسع النطاق حول ديانة الجن فيما قبل البعثة المحمدية، وعن كيفية الدعوة إليهم وقتها. إذ لم يتطرق نبي أو رسول من قبل إلى دعوة الجن، بينما نجد أنّ الرسول (ص) يجلس إليهم ويعظهم. بقية الديانات السماوية جاءت غير مرتبطة كليةً بالمجتمع الذي وُجدت فيه، وبالتالي فإن إمكانية التصديق بتوافقها مع أيّ مجتمعٍ آخر لهو أمر وارد. بينما يأتي الإسلام (هذا الدين العالمي) ليحصر كل طاقاته الخلاّقة في نطاق عروبي ضيّق جداً، ويخاطب الناس كلهم كعرب بل وإنه ليتحدث إليهم -حتى في خطابه العاطفي- بخطاب البدوي ونزعاته وحاجاته؛ فنجده يتحدث عن نهر الخمر ونهر العسل ونهر اللبن، والحور العين (وهؤلاء بمواصفات عربية قحّة) والولدان المخلّدون ويُلزم غير العرب بتعلّم العربية للدخول في هذه الديانة. لذا كان الإسلام –كما أعتقد- أكثر الديانات مثاراً للجدل. رغم أنّ الدين بصورة عامة هو دائماً مثار جدل، فلا يخلو مجتمع ديني من توارد التساؤلات حول ديانتها.
مسألة القداسة: كلام بسنت سهلا حول هذه النقطة في منتهى الوضوح؛ فهي لا تتحدّث عن الرسول (ص) باعتباره شخصية دينيّة، بل باعتباره إنساناً. وفي حال كونه إنسان يصبح لا فرق بينه وبين شخصٍ آخر، لأن القداسة تأتي من العصمة المطلقة، ولا عصمة للرسول في الأمور الدنيوية، هو نفسه أكّد ذلك في أكثر من موضع سواء خشي أن يغالي الناس فيه أو لأمر آخر. ولأنه (ص) شخصية قيادية –أعتبرها من أكثر الشخصيات عبقرية- فقد كان لابد لنا من تناول سيرته وحياته ونقل ذلك بكل أمانة غير متأثرين بأيّ عاطفة أخرى، لأن المنهاج العلمي يقتضي ذلك. كلنا قرأنا سيرته العاطرة لابن هشام، ومن لم يقرأ فبإمكانه أن يفعل الآن، لأن سيرة ابن هشام متوفرة في المكتبات. أرجو من الذين قرأوا سيرة ابن هشام أن ينقلوا قراءاتهم الخاصة حول هذه السيرة التي تكاد لا تخلو من مبالغات لا تصدق، بل إن جلّها متأثر بالإسرائيليات إن لم يكن نسخاً له. حياة الرسول (ص) الخاصة ليست مرتبطة أبداً بموضوع القداسة الدينية، لأن القداسة نفسها مرتبطة بالدين. وهذا ما أكّد عليه القرآن الكريم (قالت لهم رسلهم إن نحن إلاّ بشر مثلكم ولكنّ الله يمنّ على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطانٍ إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون) والسلطان هنا هو المعجزة بالضرورة، والمعجزة تأتي دائماً لتدعم حجة الرسول ولتبيّن أنه رسول من عند الله، وليس مجرّد مدعٍ كاذب. وإذا كنّا نصدّق بأن البشر خطاءون فيما يتعلّق بأمور دنياهم كما قال الرسول (ص) نفسه (أنتم أعلم بأمور دنياكم) التي قيلت في تلك الحادثة التي توضّح أن أمور الدنيا لا عصمة فيها لأحد أبداً، فإن تناول شخصية الرسول (ص) من الناحية الشخصية لهو أمر وارد ومنطقي بل يراه البعض واجباً من باب التعرّف على حياته (ص) بغرض الاقتداء أو اشتراط المحبّة. وهي –أي بسنت- تعلم مسبقاً –كما نعلم جميعاً- مدى تأثير العاطفة الدينية على المجتمعات الدينية، لذا فإنها قالت أنها كانت تعلم أنّ اللغة التي استخدمتها ستشكّل صدمة للقارئ. ولا يعني أبداً أنها كانت تعلم ذلك وفعلت ما فعلت أو كتبت ما كتبت لإثارة الحميّة.
مسألة وصف البخاري بالمجوسي والشعوبي: هذا أمر أعتقد أنّه يجب التثبّت منه لأنه لو صحّ لكان كارثة عظمى في مسار تمحيص الأحاديث النبوية، وبالتالي ستفتح أبواباً للخلاف والتشاحن بين مختلف المذاهب والطوائف الإسلامية وعلى رأسها السنّة والشيعة، فيما يُنسب إلى الرسول (ص) من كلام لاسيما حول الإمامة والعصمة وغيرها من الأمور الهامة جداً. ومن قبل سمعنا الطعن الذي قيل في أبو هريرة الذي أمره الرسول (ص) صراحةً بمحو ما يكتبه عنه من أحاديث وعدم انصياعه لأمر النبي في ذلك. ومن قبل كذلك سمعنا عن أحد الكتبة (أظنّه عبد الله ابن أبي السرح) الذين حرّفوا في القرآن فطردهم الرسول (ص) أو أهدر دمهم، ثم أعاده الخليفة عثمان بن عفان في عهده. وقصص كثيرة تحكى وتحاك حول العديد من الشخصيات الإسلامية المعروفة. لذا فإنه يتوجب علينا أن ننزع عنهم صفة القداسة هذه وأن نتناول التاريخ بكّل تجرّد حتى نقف على حقيقة الأمر، لكي لا نكون كالنعامة تدفن رأسها في الرمل.
هذا الغرض الأساسي من جلب هذه المقالة. وقد يكون الصواب جانبني في ذلك، وقد يكون الصواب حليفي. هذا الأمر مرتبط بالتمام والكمال بمدى فهم القراء للمقال ولما جاء فيه. فإذا جاءكم شخص (اليوم) وقال بأنه يريد أن يتزوّج فتاة بعمر الثالثة عشر، فسوف لن تقبلوا منه ذلك، لا الفطرة ولا العلم يقول بذلك، فكيف نبرّر زواج النبي (ص) من السيّدة عائشة وهي بعمر التسع سنوات إذن؟! هل هذا أمر ديني أم أمر دنيوي يجب مناقشته؟ الأمر عندي كان كهذا تماماً.
والله عليمٌ بذات الصدور!
|
|
|
|
|
|
|
|
|