|
Re: بُشرى سارة لبورداب الرياض... والماء إذا تنفَّس... الإصدارة الجديدة للشاعر سيد أحمد علي بلال (Re: أبو الحسين)
|
أحبتي الكرام...
إليكم بقية اللقاء في جريدة السوداني...
سأحصر حديثي هنا عن المدن. أول تلك المدن بورتسودان حيث قضيت الـ12 عاما الأولى من حياتي المدرسيّة فيها. أحلم بالكتابة، بل أعد العدة لها، عن عمال عنابر ديم التجاني الذين قضيت بينهم السنوات التسع الأولى. هذه إحدى شهاداتي التي آمل أن تعادل الكتابة فيها التجربة.
أثينا ونيقوسيا وإدنبره مدن لم أمرّ بها عابراً. هي حواضر لبلاد مكثت بها وقتاً كافياً أمكنني من التعرف النسبي على شعوبها ولغاتها، حلمت فيها وأحببت وصارعت، ومن فرط حبي لها لم أعد لأيٍّ منها حتى الآن رغم توفر إمكان الزيارات، لكن ربما أفعل.
لا أتصوّر أثينا خالية من أولئك الذين كانوا ملء سمعي وبصري. أثينا التي ذهبت إليها بعد عامين من ثورة البوليتكنيك (كليّة الهندسة) وتقوّض سلطة العسكر كانت تسترد ما أخذته منها سنوات الدكتاتوريّة. وكان الطلاب الجدد الذين زاملتهم في الدراسة من الذين فاتهم شرف حضور تلك اللحظة الباهرة يحاولون التعويض عنها بكل أشكال التمرد.... أثينا، نمت في معظم حدائقها وعرفت كل نخلة فيها. أغلب أهلها مفعمون بالحرية والوجد والتعبير بالكلمة والجسد. ورغم اللغة الواحدة (اللهجة مختلفة) بين أثينا ونيقوسيا إلاّ أن إيقاع الاقتراب من القبارصة كان أبطأ، لكن بمجرد أن يثق فيك أحدهم تنفتح الأبواب (ربما التأني والحذر جزء من شخصية أهل الجزر). أما إدنبره فقد سحرتني بجمال لهجتها وطبيعتها وحدائقها النباتيّة وتواضع علمائها وفنانيها والنزوع التجريبيّ وإبداع بدائل على كافة مستويات التعبير والسلوك والاعتقاد. أما الخرطوم ولندن فلنتركهما لحديث آخر.
شعرك الدارجي – لم يتضمنه الكتاب، أو كتاب آخر. هل ثمة محاولات لكتابات مسرحيّة، وماذا عنك شاعراً في مستوى آخر من مستويات اللغة، ماذا عنك في مساحات أخرى؟
لم أحسم وربما لن أحسم أبداً مسألة الكتابة الشعريّة، وهل تكون بالفصحى أم بالشعبية المحكية (العامية). لذلك أكتب بهما ولي نصوص عديدة باللغة العاميّة، كما كتبت ثلاث مسرحيات صغيرة في أزمنة متفرّقة، إحداها باللغة العاميّة، والثانية بالفصحى، والثالثة خليط من كل الأشكال الشعريّة وغير الشعريّة. هناك مسرحيّة رابعة ضاعت، وحين أتذكرها أحس بوجود ثقب في قلبي.
الدراسات النقديّة هي الأقرب إلى قلبي. ما زلت أقرأ وأتابع وأسجل الملاحظات على الهوامش، وأحلم بيوم أعود فيه ثانية لتجميع تلك الملاحظات في جسد كتابة متماسك ذي مغزى. هل أنت مقل في الشعر؟ لست مكثراً ولست مقلاً. هذا نصيبي من الشعر. مرّت أحيان لم استطع فيها كتابة الشعر وظننت أنه ذهب إلى غير رجعة. عملي في الترجمة لكسب العيش يجبرني على الابتعاد عن الكتابة، في الشعر وفي غيره، بعد الجهد اليومي المضني الذي أبذله في الترجمة، وهي ترجمة خارج نطاق النصوص الأدبية.
لم تصدر لك ترجمة سوى كتاب (تصوّف)، هل أنت مقلّ في الترجمة أيضا؟
لا لست مقلاً في الترجمة فقد ترجمت تقارير وكتبا لمنظمات دوليّة ولمؤسسات ثقافيّة مختلفة ولصحف ومجلات وأفراد، معظمها من الإنجليزية إلى العربية، وعملت في الترجمة والتحرير في مجلات ووكالات أنباء، وشاركت في ترجمة موسوعة علميّة، وكنت قد ترجمت أعمالا شعريّة من اليونانيّة إلى العربيّة. وما زالت لديّ طاقة ودافع لمواصلة الترجمة إذا سمح الوقت بذلك فهي من متعي القليلة في الحياة.
المبدع السوداني مهاجراً، من واقع تجربتك: ما هي الخسائر وما هي الثمار؟
هناك عدة أسئلة تقفز للذهن بموازاة سؤالك هذا: هل تقصد المبدع/ة عموما أم الشاعر/ة؟ هل هناك قانون واحد ينطبق على كل الحالات؟. هل يدخل في قرار الفرد المهاجر حسبان أنه مبدع؟ ألا يمثل ضيق سوق العمل الداخلي أمام غير أهل الولاء ضغطاً يدفع للهجرة؟ هل هناك بالفعل خيارات حقيقيّة، أم أن الكثيرين دفعوا دفعاً للهجرة؟
تجربتي لا تقول الكثير، ولقد تطرقت لبعض ملامحها أعلاه. لكن هناك من يبدع في جمع الخسائر أيضاً. ومن ناحية أخرى فإن للمعادلة طرفين: الحرية ومادة العمل الإبداعي. لا شك أن زاد اللغة في سياقها الاجتماعي يمثل مادة مهمة بالنسبة لمن ينتج الشعر لكن الحرية مهمة أيضاً. الخسائر الكبرى ليست في الهجرة والمهاجرين بقدرما هي في التفكيك المتعمد لبنى ثقافيّة بأدواتها وكوادرها ثم العودة من جديد، بعد عقد من السنوات، إلى مربع الصفر دون مراجعة أو محاسبة أو تعويض. بشكل عام، أعتقد أن أهم النصوص الأدبية واللاهوتيّة التي قاومت الزمن تتعلق بالهجرة والشتات والحياة كرحلة. وهناك تجليّات لذلك منذ الأوديسا والنصوص التوراتيّة. أما في الحالة السودانيّة فعلى المهتمين بالإنتاج الثقافي رصد الموضوع.
(تصوّف) ترجمة، (والماء إذا تنفّس) شعراً، ماذا بعد؟
أكملت تحرير لقاء طويل كنت قد سجّلته منذ سنوات مع الأستاذ، والباحث في الأدب الشعبي، الراحل محجوب كرَّار، وكان ذلك اللقاء قد جرى في سبتمبر 1996 في منزل ابنه جميل بمدينة مانشستر شمال انجلترا. وكان الأستاذ الراحل محجوب حينذاك في رحلة علاجيّة إلى بريطانيا. ويمثل حديث الأستاذ الراحل تحريضاً قويّاً للكتاب من شعراء وروائيين وغيرهم كي يستندوا في إبداعهم إلى إرثهم وخصوصياتهم الثقافيّة. ومؤقتاً أطلقت على هذا اللقاء الطويل الذي يقع في نحو 100 صفحة من الحجم الصغير اسم (زاد المبدع). حاولت أن انقل ما أدلى به الراحل محجوب من حديث وردوده على الأسئلة، بقدر الإمكان، كما صدرت عنه دون تدخّل يذكر، بل إنني حاولت أن احتفظ ببعض ما كرّره في حديثه كي ابرز إحدى مهاراته كباحث وهي مهارة الاستناد إلى ذاكرة توثيقيّة دقيقة. وكنت أحيانا اطرح بعض أسئلتي وتعليقاتي في فترات نكون فيها بعيدين عن جهاز التسجيل كي لا أعيق مجرى حديثه.
يبرز اللقاء دور وطاقة وهمّة الأستاذ الراحل محجوب في جمع ودراسة الأدب الشعبي لمناطق الشايقيّة ولأنبّه لأهميّة ما جمعه من تراث وأهمية المحافظة عليه والاستفادة من المنهجيّة والآفاق التي فتحها في مجال بحوث الآداب الشعبيّة. أتمنى لهذا العمل أن يرى النور. ــــــــــــــــــــــــــــــ
قواسيب مودتي...
أبو الحُسين...
|
|
|
|
|
|
|
|
|