|
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 (Re: Abdel Aati)
|
عرض تاريخي مختصر لعلاقات الدين والدولة والمجتمع في السودان:
وفى بلادنا فقد لعبت الأديان السماوية وكريم المعتقدات الروحية دورا هاما في النسيج الاجتماعي والثقافي لشعبنا؛ بدءا من المعتقدات الروحية واديان الممالك السودانية القديمة في كوش و مروى وغيرها؛ وعلى رأسها عبادة الإله-الأسد أباداماك؛ ومرورا بدخول المسيحية إلى بلادنا وقيام الممالك المسيحية؛ ودخول الإسلام وانتشاره في مناطق واسعة من بلادنا؛ والدخول الثاني للمسيحية؛ في حين ظلت مجموعات كبيرة من مواطنينا تعتقد وتمارس كريم معتقداتها من الأديان الأفريقية الضاربة في القدم؛ والمتوارثة جيلا بعد جيل .
وقد أصبح السودان بذلك نموذجا نادرا للتعدد الديني؛ وقد لعب دخول الدينيين المسيحي والإسلامي دورا هاما في تأسيس الدويلات السودانية؛ وتنظيم القانون والانفتاح الثقافي على العالم؛ وفى ترشيد العلاقات الاجتماعية كافة. كل ذلك في ظل روح عامة من التسامح والتعايش المشترك والاحترام المتبادل؛ فكان أن وجدت مجتمعات واسر كثيرة يتعايش فيها المسيحي والمسلم والمؤمن بكريم المعتقدات؛ يتعاونون على الخير ويدفعون الضرر دون تفرقة دينية ولا صراع على أساس المعتقد.
وفي بلادنا لم يكن (للإسلام السياسي) وجود إلا في منتصف هذا القرن حينما ظهرت الجماعات الأصولية التي استمدت وجودها من خارج السودان؛ ضاربة عرض الحائط بكل التراث الديني وكريم المعتقدات في السودان؛ ومتجاهلة الدور الإيجابي للدين في مجتمعنا؛ وواقع أن دخول وبروز مختلف الأديان والعقائد والانخراط فيها في بلادنا قد تم بطريق سلمى وطوعي؛ مما جعل بعض الباحثين والمفكرين يقولون ب "الإسلام السوداني" و"المسيحية السودانية "؛ ولقد أثر هذا الواقع في تركيبة الشخصية السودانية فتميز قوامها العام بالتسامح الديني والاحترام المتبادل وحرية الاعتقاد والتعبد.
إلا إن الحركات السياسية الأصولية ومنذ تأسيسها في الخمسينات؛ وتحديدا عقب دخولها في مصالحة مع النظام الدكتاتوري لجعفر نميري عام 1977؛ قد سعت إلى إستغلال الدين كعنصر من عناصر الأزمة السياسية في السودان، وكعامل للتفرقة والقهر والتمييز؛ وحولت الحرب في جنوب البلاد من صراع سياسي قابل للحل؛ إلى حرب دينية لا تبقى ولا تذر؛ وفرضت على الشعب تسلطا من القرون الوسطى؛ واستغلالا وقهرا باسم الدين؛ في مخالفة فاضحة لأبسط المعايير الروحية والمدرسية للأديان عموما؛ والإسلام خصوصا .
والسودان بحكم التنوع الديني (الإسلام والمسيحية وكريم المعتقدات) لا يمكن أن يتحول إلى دولة أصولية وفاشية؛ قائمة على أحادية السلطة والحزب و الأيديولوجية؛ ومستندة على العنف والتمييز الديني والتخلف الاجتماعي؛ هذه الدولة التي ما فتئت الحركات الإسلاموية تسعى لقيامها في مقابل الدولة المدنية التي تشكلت بذورها الحضارية في السودان عبر تاريخ ممعن في القدم؛ واستنادا على التراث والمخزون الثقافي والحضاري لشعبنا عبر تاريخه ونضاله وكفاحه من أجل تكوين نسيج سوداني متماسك يقوم على أساس المواطنة والمساواة والعدالة؛ ورفض تغول أو سيطرة فئة على الآخرين ؛ ضمن دولة ديمقراطية راسخة؛ لا تزال حلما عزيزا ينتظر الإنجاز والتحقق.
ورغم أن الحركات الإسلاموية والأحزاب الطائفية والأنظمة العسكرية المختلفة قد حاولت استغلال الدين سلبيا في تاريخنا المعاصر؛ وسعت بشتى الطريق إلى فرض هوية ثقافية ودينية واحدة على البلاد؛ إلا أن الحركة الإسلاموية بقيادة الترابي وأتباعه قد جعلت من هذا الهم هاجسها الأول؛ فدخلت في التحالف مع كل الديكتاتوريات لفرض سيطرتها وتحقيق مشروعها؛ وهي أمور من المستحيل إنجازها في ظل نظام ديمقراطي. لذلك فرضت هذه الحركة مع السفاح المخلوع نميري قوانين سبتمبر القمعية؛ وأعدمت الأستاذ محمود محمد طه ظلما وجورا ؛ وسعرت نيران الحرب الأهلية؛ وحاربت النظام الديمقراطي بضراوة؛ ثم انقلبت على كل الشعب في ليلة كالحة وجاءت بنظام 30 يونيو الفاشي على أسنة الرماح ومن فوهات الدبابات؛ وحاولت بكل ما أُوتت من قوة فرضه قسرا على جماهير شعبنا ووطننا .
و ها نحن بعد حوالي عقدين من حكم هذه الفئة الفاشية نشهد انهيار مشروع الدولة الأصولية في السودان؛ وصراع من زعموا بناء مشروع حضاري؛ على المنصب والجاه والمال الحرام؛ وإفلاس المشروع الظلامي لنظام "الإنقاذ"؛ وتدميره للبناء الوطني على كافة الأصعدة، وهو البناء الذي تعاقبت الأجيال على إنشائه. هذا الانهيار لا يقلل من الأثر السلبي لمحاولة فرض هذا المشروع في الحياة العامة؛ حيث عمق من الأزمة السودانية بإدخال أبعاد دينية خطيرة عليها؛ وتدخل في عمل مؤسسات الحكم والإدارة فخربها؛ حيث انهارت مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وانهار الاقتصاد الوطني، وتوقفت عجلاته؛ وساد اقتصاد النهب والسلب؛ و أصبحت بلادنا تعيش عزلة خانقة، وتحتضن حركات التطرف والإرهاب؛ بينما يعيش شعبنا على الفتات؛ ولا تجد الغالبية العظمى ما تسد به الرمق .
ولا زالت الحركات الأصولية تستهدف هدم البنيان الاجتماعي استناداً إلى قاعدة "هدم القديم لبناء الجديد"؛ إلا أن جديدها قد تفتق عن دمار مطلق. حيث عبثت في النسيج الاجتماعي، مستعدية أبناء الشعب على بعضهم البعض؛ متجاهلة في ذلك الحقائق الموضوعية والعلمية والتاريخية؛ والتي تثبت عقم واستحالة تحقيق ما تصبو إليه من إعادة قولبة إنسان السودان وفق صورتها المشوهة. فالإنسان السوداني هو نتاج آلاف السنين من العطاء الحضاري؛ وهو بذلك يستعصى على استبدال تراثه وتخريب نسيجه؛ بفعل جماعات تستصحب منهج الإسلام السياسي، بنهج ومسلك بعيد عن روح العصر ولا يعبر عن واقع السودان أو تطلعات المواطنين.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:26 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:30 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:33 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:34 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:38 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:39 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:43 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 12:47 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-29-07, 09:53 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | عبدالغفار محمد سعيد | 08-29-07, 10:18 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | محمد جميل أحمد | 08-29-07, 10:55 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | معتز تروتسكى | 08-30-07, 04:40 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-31-07, 10:13 AM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 08-30-07, 08:50 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 09-01-07, 09:53 AM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | معتز جعفر الحسن | 09-01-07, 11:41 AM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 09-01-07, 12:25 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | محمد جميل أحمد | 09-02-07, 12:32 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 09-05-07, 10:53 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Omar Bob | 09-06-07, 06:16 AM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 09-06-07, 11:54 AM |
ضرورة العلمانية | محمد حسبو | 09-06-07, 08:37 AM |
Re: ضرورة العلمانية | Abdel Aati | 09-06-07, 12:03 PM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | ماجد حسون | 09-07-07, 08:01 AM |
Re: ضرورة العلمانية وعلاقة الدين بالدولة - ليبرو اغسطس 2007 | Abdel Aati | 09-07-07, 10:25 PM |
|
|
|