|
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية (Re: Abdel Aati)
|
ازمة مشروعية النظام السياسى السوداني الكلاسيكي:
رجوعا مرة اخرى الى النظام السياسى العام فى السودان ؛ والذى تشكل الاحزاب احد عناصره ؛ فاننا نرصد ان معظم تجليات هذا النظام ؛ العسكرية والمدنية والانتقالية ؛ قد شابتها الكثير من مسالب ازمة المشروعية . فاذا كانت هناك غيبة كاملة للمشروعية الدستورية فى الانظمة التى وصلت الى دست الحكم قوة وقهرا ؛ فان هناك قصور كبير فى مشروعية كل من الفترات النتقالية والمدنية ؛ فيما نتطرق اليه بسرعة فى الفقرات اللاحقة .
الانظمة العسكرية : ونقصد بها فترة حكم الجنرال عبود (1958-194) ؛ وفترة الديكتاتورية المايوية (1969-1985) ؛ وفترة ديكتاتورية الجبهة القومية الاسلامية (1989-الآن) . ان هذه الانظمة ؛ ورغما عن طابعها المختلف ؛ واختلاف الغطاء الفكرى والسياسى الذى قدمت به نفسها للجماهير ؛ فانها عانت من غياب مصدر المشروعية الاول ؛ اي الخيار الشعبي؛ وتمثل هذا فى وسيلة وصولها الى السلطة ؛ وهى العنف . ان النظام الذى اتى الى السلطة بالقوة ؛ وتشكل القوة الضمانة الاساسية لاستمرارية وجوده ؛ يفتقر حتما الى المشروعية الشعبية ؛ حسب التعريف الذى تبنيناه فى بداية هذا المقال .
ان هذه الانظمة قد حاولت ان تغطى على انعدام مشروعيتها الاصلي بخلق شكل من اشكال الممارسة الدستورية ؛ سواء كانت فى انتخابات المجلس المركزى لعبود ؛ او فى الانتخابات الرئاسية ولمجلس الشعب تحت نظام نميرى ؛ او الانتخابات الرئاسية وللمجلس الوطنى تحت الديكتاتورية الجبهوية . الا ان هذه المظاهر كانت تتناقض مع تركز السلطة فى ادوات ومراكز خارج مجال العملية الانتخابية المزعومة . سواء كانت المجلس الاعلى للقوات المسلحة (عبود ) الاتحاد الاشتراكى (نميرى ) او الحزب الحاكم وجهازه السرى –مجلس الاربعين (النظام الحالى). كما ان العملية الانتخابية بنيت على واقع سياسى وتنفيذى معطى سلفا؛ اى تحت مبادرة و اشراف ورقابة السلطة الديكتاتورية ؛ وبذلك فقد انعدمت مشروعيته الاولي هى الاخرى ؛ بناء على المبدأ القانونى القائل : ما بنى على باطل فهو باطل .
ان ما يقال عن العملية الانتخابية يقال ايضا عن الاستفتاءات ؛ والتى تفرخت تحت ظل الديكتاتورية المايوية ؛ وعن مفهوم البيعة ؛ والذى خلقته الحركة الاصولية ؛ ومارسته مع نميرى ثم مع البشير ؛ بوصفه تكريسا لمبا المشروعية الدينية لحكم كل منهما كامام . ان نفس هذه الحركة قد نقضت بيعتها مع كل من الامامين ؛ متجاوزة فى ذلك مرجعيتها التى تقول ان نقض البيعة غير ممكن ؛ ولو كان الامام ظالما ؛ ما دام ملتزم رسميا بالاسلام . ان هذه المسرحية الفجة توضح هشاشة الاسس التى تعتمد عليها الانظمة الديكتاتورية لخلق مشروعية ما لتسلطها .
ان الدستور ؛ والذى يشكل المرجع الاول فى الانظمة القائمة علي المشروعية الدستورية ؛ قد تحول الى نقيضه تحت هذه الانظمة ؛ اى تحول الى اداة لتكريس السلطة اللاشرعية ؛ ولتكبيل حركة الجماهير وسلب حقوقها ؛ بدلا عن تكريس ضمانات هذه الحقوق .ان دستور مايو الذى فصل لصالح الديكتاتور ؛ ما تجاوز كونه احد ادوات النظام القمعية ؛ ولذلك فقد تم خرقه عشرات المرات من قبل السلطة التنفيذية . اما دستور نظام الانقاذ ؛ قلم يتعد كونه نقلا لدستور/ لوائح حزب الجبهة الاسلامية ؛ ومحاولة فاشلة منها ؛ لفرض فكرها وبرنامجها على مجمل المواطنين .
فترات الانتقال : وهى الفترات ما بين الحكم المدنى والعسكرى فى السودان . نذكر منها فترة الانتقال بعد ثورة اكتوبر وقبل انتخابات العام 1965 ؛ وفترة الانتقال بعد انتفاضة ابريل وقبل انتخابات العام 1986 ؛ ونستثنى منها فترة الانتقال الاولى 1954-1956 ؛ ذات الظروف الخاصة ( حيث كانت بين الحكم الاستعمارى والحكم "الوطنى " ؛ و قامت على عملية انتخابية وحكومة ناتجة عن هذه العملية) .
ان السند الاساسى لوجود (ولطبيعة) فترات الانتقال كامن فى توازن القوى السائد فى اللحظة التاريخية المحددة ؛ ووجود اطراف متعددة ليس لاحدها الغلبة الكاملة ؛ ولكن له بعض التفوق . ان فترة الانتقال بعد الاكتوبرية قد سادها تفوق التيار اليسارى فى حكومة سر الختم الخليفة الاولى ؛ ونوع من التوازن السياسى ؛ بميل الى اليمين فى حكومته الثانية . اما ما يميز فترة الانتقال بعد الابريلية ؛ تحت قيادة المشير سوار الدهب ؛ فهو طابعها المحافظ ؛ ودفاعها عن بقايا النظام المطاح به ؛ واعطائها وزنا ثقيلا فى حكومتها للتيار المحافظ والرجعى ؛ الامر الذى فرضه ضعف القوى الثورية والديمقراطية حينها ؛ ووقوف الحركة الاصولية والاحزاب الطائفية بكل ثقلها خلف العناصر العسكرية المحافظة والمسيطرة .
ان فترة الانتقال ؛ باتاحتها المجال للعمل السياسى ؛ وضمانها للحريات الدستورية المختلفة ؛ تقترب من النموذج الستورى ؛ لكنها تبتعد عنه بانعدام العملية الديمقراطية والانتخابية فى افراز مؤسساتها ؛ وكون سلطة التشريع والتنفيذ مستقاة ليس من ارادة الشعب ؛ وانما من واقع انتزاعها من قبل اطراف محددة ؛ يسمح لها توازن القوى او الاتفاق ما بين الاحزاب بهذا الاستيلاء .
ان فترات الانتقال بهذا تعتبر ذات مشروعية منقوصة ؛ وهى بذلك لا ينبغى ان تفصل فى مسائل جوهرية من القضايا السياسية . وانما ينبغى ان تكون اقصر ما يمكن وان تمهد الطريق وتعد العدة للنظام القائم علي المشروعية الدستورية . الا انه من الملاحظ ان القوى ذات الغلبة فى كل فترة انتقال قد حاولت ان تستغلها لتمرير سياسات وقرارات مصيرية ؛ لا تكفلها لها الحدود الدنيا لمشروعيتها (توازن القوى او الاتفاق السياسى ).
اننا من هذا المجال ؛ ننظر بعين القلق الشديد ؛ الى اقتراحات التجمع الوطنى الديمقراطى السابقة (حينما كان يطمح للاطاحة بالنظام )؛ والتى تقترح فترة انتقال طويلة جدا (من ثلاث الى خمس سنوات ) ؛ لتحكم فيها عناصره بعد الاطاحة بالنظام ؛ وهو حكم –ان قام - لن يستند الى اى مشروعية ؛ غير مشروعية القوة والامر الواقع . وننظر لقلق اشد ؛ الى مشاريع فترات الانتقال التى يعد لها حاليا ؛ بعد اتفاق سياسى بين النظام ومعارضيه ؛ والتى بكل المقايسس تفتقر الى المشروعية الدستورية الشعبية ؛ وستشكل –ان تمت – امتدادا جديدا للانظمة المفتقدة الى المشروعية فى الحياة السياسية السودانية . الفترات الديمقراطية : وهى الفترات الممتدة من 1954-1958؛ 1965-1969 ؛ 1986-1989؛ ةوالتى وصلت الى الحكم فيها حكومات نتيجة لانتخابات ديمقراطية ؛ وتحت ظل دستور ديمقراطى .ان هذه الفترات ؛ منظورا اليها من مرجعية المشروعية الدستورية ؛ تعد اكثر الفترات فى تطور النظام السياسى السودانى التزاما بمبدا هذه المشروعية .
الا ان هذه الفترات قد تميزت بمسالب ؛ قللت كثيرا من مدى التزامها بهذه المشروعية؛ نذكر منها باقتضاب المسالب الاتية :
· محدودية العملية الانتخابية ؛ حيث ان النظامين الديمقراطيين الين قاما بعد اكتوبر وابريل ؛ فشلا فى اجراء الانتخابات فى كل مناطق القطر ؛ وبقيت مناطق كبيرة ؛ فى جنوب البلاد ؛ غير ممثلة فى البرلمان ؛ الامر الذى لقى بظلاله على مشروعية تمثيل النظام الناتج ؛لكل المواطنين ؛ كون العملية الانتخابية لم تكن شاملة .
· الاساس الطائفى للولاء : والذى جعل العديدين يشككوا فى مشروعية النظام ؛ والذى يدعى الدستورية؛ بينما يتم فيه كسب الولاء على اساس الانتماءات القبلية والطائفية ؛ وتمارس فيه النخاسة السياسية والاستعباد السياسى . ان سيطرة الطائفية على العملية السياسية والانتخابية قد ضربت مبدا المشروعية الديمقراطية لهذ1ا النظام فى الصميم .
· انتهاك الحقوق الدستورية وتجاهل الدستور : والذى تعبر عنه واقعة حل الحزب الشيوعى السودانى فى العام 1965 ؛ وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان . ورفض السلطة التنفيذية لقرار السلطوة القضائية ؛ فى عدم مشروعية هذا الحل . الامر الذى جعل الحكومة فوق الستور ؛ والسياسة فوق القانون .
· عدم القدرة على حل مشاكل المواطنين : وهو راى اتى من الحركات الثورية ؛ والتى رات فى عجز النظام عن تحقيق التنمية والتطور والعدالة الاجتماعية ؛ قصورا فى مشروعيته ؛ حيث ان واجب السلطة الاول هو تمثيل الشعب ؛ وخدمة مصالحه . فاذا لم تلتزم السلطة بذلك ؛ فانها قد خرجت عن مهمتها المناط بها ؛ وبذلك فقد فقدت مشروعيتها؛ مهما كان مصدر تلك المشروعية متحققا؛ من الناحية الشكلية .
اننا هنا ؛ وبرغم الاعتراضات الجدية التى اقامتها الحركات والتنظيمات الثورية ؛ النقابية والعقائدية والاقليمية حول ضعف المحتوى الاجتماعى للحكم الديمقراطى فى السودان ؛وعلى طابعه الطائفى ؛ لن نعتبر هذ الجانب نقضا لاسسس مشروعينها . الا ان محدودية تمثيلها ؛ وعدم قيام الانتخابات فى كل القطر ؛ والانتهاكات التى تمت للحقوق الاساسية ؛ تشكل لنا علامات واضحة ؛ على قصور مشروعية الانظمة الديمقراطية التى توالت على حكم السودان ؛ اعتمادا على مبادى الدستورية ذاتها ؛ والتى لم تلتزم بها الى النهاية هذه الانظمة .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 00:24 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 00:48 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 01:11 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 01:18 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 01:33 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 01:45 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 02:00 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 02:01 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Sidgi Kaballo | 04-30-04, 03:47 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 04-30-04, 04:06 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Sinnary | 04-30-04, 07:18 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Sinnary | 04-30-04, 06:17 PM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Muna Abdelhafeez | 05-01-04, 08:01 AM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Sinnary | 05-01-04, 09:27 PM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 05-02-04, 07:23 PM |
Re: ازمة المشروعية فى الحركة السياسية السودانية | Abdel Aati | 05-02-04, 09:00 PM |
Rep | Osman M Salih | 05-06-04, 12:12 PM |
|
|
|