|
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن (Re: Abdel Aati)
|
قضية الدين والدولة ومفهوم العلمانية: ظهر مفهوم العلمانية مع الثورة الفرنسية، والثورة الصناعية في أوربا ليطرح على بساط البحث قضية علاقة الدين بالدولة، وقد شهد ذلك العصر تحولاً عميقاً في بنية وتركيبة المجتمع الأوربي من مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الرأسمالية، نتج عن هذا التحول تغيير في العلاقات الإجتماعية السائدة خلال عهود الإقطاع لتنمو على أنقاضها العلاقات البرجوازية والمجتمع المديني. وقد إقتضت الكثير من الضرورات التاريخية هذا التحول، منها سيطرة الكنيسة على المجتمع والسلطة السياسية وما أستتبع ذلك من تداخل في الخطاب بين ما هو إلهي، وما هو بشري(=التراث الإنساني)، وإكتسبت السلطة السياسية قداسة مستمدة مباشرة من السلطة الإلهية عبر الكنيسة.
ماحققه هذا الإنتقال الذي خلقته الثورة الصناعية، وعلى المستويين الفلسفي والسياسي، أنه فصل ما بين سلطة الكنيسة وسلطة الأمير (=الدولة)، وقد أدى ذلك إلى ظهور مجال ثالث هو سلطة الشعب أو المصلحة العامة والذي تم تعميقه لاحقاً فلسفياً بطرح بنظرية العقد الإجتماعي لجان جاك روسو، أيضاً أضاف التطور المعرفي عمقاً لمفهوم العلمانية، والتب لم تعد تقف عند حدود [الفصل بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية] بل تعدتها إلى تحرير العلم والمعرفة من إرتباطهما باللاهوت وأصبحت العلوم الطبيعية والإنسانية تتمتع بإستقلال نسبي واسع، وهو ما أدى إلى تطورها المذهل في كافة المناحي.
تحديد المصطلح: العلمانية Secularism تعني أصطلاحاً "فصل السلطة الزمنة عن السلطة الدينية"، هذا على المستوى المفهومي والإطار التاريخي، والعلمانية بهذا التحديد وضعت حداً فاصلاً بين السلطة الزمنة كممارسة تتم على المستوى الإجتماعي، السياسي والمعرفي، وبين السلطة المستمدة من النصوص الدينية (الميتافيزيقية). إن إنتقال المفهوم إلى العالم الثالث وتحديداً الدول التي تدين بالإسلام، واجهته الكثير من الإشكاليات، فلا توجد حتى الآن ترجمة مقابلة لكلمة Secularism في اللغة العربية إلا عندما نأخذ المعني من الإطار التاريخي، بمعني؛ عندما نتحدث عن علمانية في اللغة العربية نجد أنفسنا مضطرين لتجاهل التحليل الفيلولوجي في هذه اللحظة. إن المصطلح وبكيفته الغير محددة في اللغة، أدخل الكثير من السجال حول المصطلح نفسه، وأصبح هنالك أكثر من مفهوم متداول والذي في الأغلب الأعم عبارة نواتج إشتقاقات أيديولوجية أكثر منه تحديداً معرفياً قاطعاً، وهو ما أصبح فيما مدخلاً للإبتزاز السياسي. وعندما نتحدث عن دولة علمانية فإننا نعني وعلى وجه التحديد الدولة القائمة على الفصل التام ما بين الدولة كمؤسسة والدين كمؤسسة ـ كما يضبطنا الإطار التاريخي للصراع في أوربا كتجربة تاريخية مرت على البشرية، مع الوضع في الإعتبار الفرق بين المجتمعين، و الفترة التاريخية. ومن هنا إذا كانت سلطة الدولة معروفة فما هي سلطة الدين إذاً؟؟ نطرح ذلك وفي ذهننا مقاربة ذلك بالتجربة الإسلامية وبالطبع نستصحب في ذاكرتنا إختلاف الإسلام عن المسيحية.
هنالك إختلاف حول مسألة السلطة داخل الدين الإسلامي، بعض الكتابات تقر بأن الإسلام لم يعرف قط نمطاً لدولة كهنوتية كما عرفتها أوربا القرون الوسطى، وكتابات أخرى تناقض هذه المقولة وتقرر أن الإسلام (دين ودولة) في ربط محكم بين السلطة الدينية والسلطة الزمنية!! هذا بالطبع إذا تم إستثناء الحقل الشيعي بإعتبار أن له تسلسل كهنوتي واضح التراتبية (نظام الملالي في إيران)، ومناقشة قضية الدين والدولة غير مطروحة أصلاً بالنسبة له. إن الإستناد الوحيد في تبرير إن (الإسلام دين ودولة في المفهوم السني) يقوم على أساس ضعيف ومختلف عليه في النص الديني الواردة في آيات الحكم الثلاثة[ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(الظالمون، الفاسقون)]، وعندما ننظر إلى الكثير من الآيات الواردة في النص القرآني والحديث الشريف [وأمرهم شورى بينهم، وشاورهم في الأمر] والحديث النبوي [وأنتم أعلم بشئون دنياكم] نكتشف أن دينية الدولة التي يرددها مناصري حركات الأسلام السياسي (الإسلام دين ودولة) غير موجود أصلاً أو على الأقل هناك إختلاف حول المدلول الحقيقي لها. وعندما نمضي في ترجمة مصطلح العلمانية من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية فإننا نكتشف مفارقة، فعلمانية في اللغة العربية مشتقة من مصدر [ع،ل،م] بمعني معرفة أو عالم [ ع،أ،ل،م]، واللتين تنتهيان إلى نتيجة واحدة، وسواء أن كانت علمانية هي ناتج أشتقاق من المصدر [علم] أو [عالم] فإنها ترتد فلسفياً إلى الدلالة بأن المعرفة الناتجة منها أنما هي محصلة لتراكم التجربة البشرية المستمدة من المعرفة بقوانين الكون عموماً وبالتالي، تنتفي صفة الإلحاد التي تدمغ بها العلمانية كموقف معرفي، وينسحب ذلك أيضاً على الموقف السياسي. تأسيساً على ما سبق، فمفهوم الدولة العلمانية لا يخرج من هذا السياج، ونجد أنه من الضروري تحديد أنماط الدولة لتوضيح فكرتنا:
الدولة الدينية أو الدولة الثيوقراطية: وهي نموذج الدولة التي تقوم على أساس ديني في فهمها لطبيعة تحريك مؤسسات الدولة وتكوينها، والتوجه العام للسياسة التي تطبقها هذه الدولة، وعادة ما يكون هنالك دين بعينه (مسيحي كما في نموذج أوربا القروسطى أو إسلامي كما في إيران، السودان، السعودية والعديد من الدول العربية) يمثل أساس الخطاب الذي تشتق منه الدولة أيدولوجيتها السياسية وتوجهاتها العامة، وهذا النموذج إقصائي للكيانات الدينية الأخرى، لأنه بطبيعة التكوين يعتمد ديانة بعينها ولا يفسح مجالاً للأديان الأخرى إلا ككيانات أقل شأناً في أحسن الفروض.
الدولة الإلحادية: هذا النموذج إقصائي أيضاً، لكن بطريقة مختلفة، بإعتباره لا يضع للأديان كبير إعتبار في حركة المجتمع، لا وبل لديه موقف منها كما في نموذج التجربة الإشتراكية عموماً.
الدولة العلمانية: هذا النموذج يمثل موقف وسط ما بين النموذجين السابقين، وأهم معالمه أنه يقوم على أساس مدني على المستوي السياسي ومحايد تجاه مسألة الأديان، بمعني أنه نموذج لدولة مواطنة يكون فيها أنتماء الفرد لمنظومة الدولة على هذا الأساس، وتأخذ مسألة الأديان كموقف يخص حركة الفرد والمجتمع ولا تعتبر معيار للإختيار في مستويات التنافس على مستوى الدولة أو الإنتخاب الطبيعي في المجتمع. النموذج الأخير يمثل قمة ما توصل إليه الفكر الإنساني حول ممارسة السلطة السياسية، ب‘تباره يوفر الحد الأدني للفرد أو المجموعات في التعبير عن نفسها ككيانات في منظومة دولة في واقع عالم ومجتمعات مليئة بالتعددية على مستويات متباينة يصعب قولبتها في أطر محددة، وبالتالي ترك الباب أمامها مفتوحاً لتطور نفسها في سياق حركة التطور الكونية. والسودان واحداً من النماذج القياسية في هذا الجانب. عليه لا يمكن صهر جميع قومياته وأعراقه وأديانه في قالب واحد مهما كان.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:21 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:23 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:24 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:25 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:26 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:27 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:29 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:30 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:31 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:32 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:32 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:33 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | WadalBalad | 07-08-03, 05:40 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-09-03, 11:05 PM |
|
|
|