|
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن (Re: Abdel Aati)
|
تحليل البنيات السياسية
الأحزاب الطائفية: إن إلقاء نظرة للنسيج الداخلي لهذه الأحزاب يكشف لنا المزيد من إشكالياتها، والتي ظلت تنعكس على مر التاريخ على الواقع السياسي العام، والملاحظة الجديرة هنا أن إصطلاح "طائفية" في تقديرنا لا يفي بالغرض كاملاً في فهم طبيعة العلاقات الداخلية ، بل قد يكون مضللاً في الكثير م الأحيان ، إذ أنه يعكس مفهوم للطائفية مغايراً تماماً لحقائق الواقع من خلال تآكل قوته المفهومية عبر الزمن. وقد أشار أبكر في سياق توصيفه لهذه الأحزاب الى البناء الأولي الذي نشأت عليه هذه الأحزاب (طائفة الختمية الإتحادي) ، (طائفة الأنصار حزب الأمة). السؤال المنطقي الآن هل إنتفت العلاقة بين الطائفة والحزب ؟ الإجابة على هذا التساؤل قج تكون بالنفي، أو الإيجاب لكن نعتقد أن ذلك مرد حدس وينبغي تعزيز ذلك بالتحليل، إن ذلك مسألة ضرورية لكشف طريقة التفكير داخل الطائفة الدينية والحزب المرتبط بها، نتفق مع الكاتب في أن طريقة التفكير وآلياته قد إنتقلت مع الطائفة الى الحزب، لكن من الأفضل أن نري ذلك من خلال رؤية بطانة التفكير في نسيج الطائفة الدينية بشكل عام وعلى وجه الخصوص أرضية العرفان بإعتبارها المفهوم الأساسي الذي أنبنت عليه فكرة الطائفة الدينية في السودان. والمعروف أن الطائفتين المذكورتين (الختمية والأنصار) هي طرق صوفية بالأساس، والتصوف هو ما يعرف "بالعرفان"، أو الغنوص، ويعرف العرفان أو الغنوص على أنه (( .. العرفان في اللغات الأجنبية يسمى الغنوص و " “gnose والكلمة يونانية الأصل “gnosis ومعناها: المعرفة، وقد أستعملت أيضاً بمعنى الحكمة ، غير أن ما يميز العرفان هو أنه من جهة معرفة بالأمور الدينية تخصيصاً، وأنه من جهة أخرى معرفة يعتبرها أصحابها أسمى من معرفة المؤمنين البسطاء وأرقي من معرفة علماء الدين [ أهل الرسوم كما يسمونهم] الذين يعتمدون النظر العقلي (اللاهوتيون، المتكلمون). وهكذا أستعملت الكلمة في القرنين الثاني والثالث الميلادي للدلالة على المعرفة بأمور الدين معرفة أسمى من تلك التي تقررها الكنيسة. ومن هنا الغنوصية“Gnosticism“ وسنطلق عليها العرفانية ـ وهي؛ جملة التيارات الدينية التي يجمعها كونها تعتبر أن المعرفة الحقيقة بالله وبأمور الدين هي تلك التي تقوم على تعميق الحياة الروحية وإعتماد الحكمة في السلوك ، مما يمنح القدرة على إستعمال القوى التي هي من ميدان (( الإرادة))، فالعرفان يقوم إذن على تجنيد الإرادة وليس على شحذ الفكر ، بل يمكن القول أنه يقوم على جعل الإرادة بديلاً للعقل .وإستطراداً في ختام تحليلنا للعرفان كوقف ونظرية فإن الموقف العرفاني، كما يحلله الجابري موقف سحري يلغي العلم كله بجعله من ((أنا)) العارف الحقيقة الوحيدة، وهي يعتبر العالم كله شراً ليجعل من ((أنا)) ه ، ومن ((أناه)) وحده ((نفحة)) الخير الإلهي الوحيدة في هذ العالم. وبنقلة سحرية ينقل العارف تاريخه إلى ما قبل تاريخ البشر، لا بل الى ما قبل تاريخ الملائكة (..) وبما أن نزعة (( الأنا الوحيدة)) المسيطرة عليه لا تقبل التعدد على مستوى البشر أو على المستوى الإلهي، فإن النهاية المنطقية التي ينتهي إليها ـ حتماً ـ "إدعاء الإتحاد بالإله أو حلول الإله فيه". والنظرية العرفانية بمختلف صياغاتها، تكرس رؤية سحرية للعالم صميمة (..) ولا تعود تعترف بقيود المكان ولا بقيد الطبيعة ولا بناموس أو سنة من نواميس أو سننه (..) وبعد فإن العرفان يلغي العقل.
النص السابق يكشف لنا بوضوح عن طريقة تناول الطرق الصوفية العرفانية لمسألة المعرفة، والتي تتم عن طريق (الكشف أو الإلهام)، وألياتها، ممارسة رياضات بدنية ونفسية (إعتكاف، تسليك). وهذا الموقف يتناقض مع الموقف العقلي الذي يتم فيه التعّرف على حقائق الأشياء وغيرها إستدلالياً. أيضاً طريقة التنظيم والتراتيبة داخل هذه الطوائف (حوار، مقدم، شيخ ...ألخ) توضّح من جانب آخر سلم المعرفة، والذي هو أقرب الى التسلسل الكهنوتي من حيث التنظيم، إذ كلما تصاعد المريد إلى أعلى في هذا السلم زادت معرفته حتى يصل إلى مرحلة ما يعرف بـ ((العلم اللدني= تناول المعرفة مباشرة ودون وسيط من لدن الذات العليا)). من هنا نكتشف أيضاً أن المعرفة في هذا الحقل غير مرتبطة بقواعد متعارف عليها (منهجية) يتم أستنباطها من موضوع (ما) للوصول إلى ماهيته أو العلاقات الداخلية للموضوع قيد الدراسة، وهو الإستنتاج الذي وصل إليه الجابري عندما إنتهى به التحليل الى نتيجة أن تناول المعرفة في هذا المجال ((العرفان)) ذات طابع سحري أكثر منه عقلاني.
وإذا كنا قد قررنا أن الطوائف السياسية (بمعني الأحزاب التي تكونت من أساس طائفي/ديني/عرفاني) مرتبطة صميمياً بجذورها العرفانية وغير منفصلة عنها، على الأقل في تناول المعرفة، أو طرائق التنظيم، فبالضرورة أن تتسرب كل طرق التفكير وآلياته من الطائفة الدينية الى الحزب السياسي أو على الأقل يصعب الفصل بينهما. وعلينا أن نتصور حجم الإشكاليات التي تنعكس على المجتمع من واقع هذا السلوك السياسي، فهذا التنظيم السياسي يرى العالم كله من خلال الرؤية العرفانية الخالصة، بما في ذلك القضايا اليومية الملتصقة بحياة الجماهير، ومصادمات مثل تلك الأحزاب مع الفلسفة وقضاياها مثل مسألة العلاقة بين الدين والدولة وغيرها جد مرير، وفوق كل ذلك نجد أن الطبيعة التنظيمية لهذه الأحزاب تظل منغلقة على الطائفة التي يغطيها الظل العرفاني [قارن تجربة الإكليروس في عهود الظلام في أوربا] وتتعامل مع الجماهير خارج نطاق دائرة الطائفة الدينية/السياسية على أنهم عمالة مدربة تعطي خبراتها المعرفية والسياسية بمقابل معلوم أو في أحسن الفروض هي مشروع أتباع (جدير بالذكر هنا إسترجاع موقف حزب الأمة من محمد أحمد المحجوب) ، وهناك مقولة متداولة في أوساط الأنصار تكشف لنا عن العلاقة بين الأنصاري وعضو حزب الأمة (كل أنصاري حزب أمة، ولكن ليس كل حزب أمة أنصاري) وكما هو معلوم أن الأنصار هم البطانة الطائفية لحزب الأمة، ونفس القول ينطبق على الحزب الإتحادي وطائفة الختمية.
ما نستنتجه من التحليل السابق أن هنالك علاقة إرتباط "بنيوية" بين الحزب والطائفة الدينية في السودان ومسار إنتقال الفرد من المؤسسة الطائفية الى الحزب السياسي هو ليس إنتقال من فضاء الى فضاء آخر مختلف على صعيد القوانين والعلاقات الداخلية، إنما هو حركة في نفس المجال، فقط تختلف الوظائف الجديدة. وعليه يمكننا أن نمضي قدماً ونستنتج أن عملية صناعة القرار داخل مؤسسات الحزب الطائفي تمر بسلسلة معقدة من العمليات التي يتداخل فيها التفكير العقلاني مع التفكير العرفاني، هذا التداخل بالضرورة لن يفضي الى نتائج قادرة على معالجة الواقع المشخص. وهذه إحدى أهم أزمات الأحزاب الطائفية في السودان.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:21 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:23 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:24 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:25 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:26 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:27 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:29 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:30 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:31 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:32 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:32 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-08-03, 01:33 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | WadalBalad | 07-08-03, 05:40 AM |
Re: مسارات السودان الجديد - كتاب للتجاني الحاج عبد الرحمن | Abdel Aati | 07-09-03, 11:05 PM |
|
|
|