الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-30-2024, 04:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مكتبة عادل عبد العاطى(Abdel Aati)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-10-2003, 10:40 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف (Re: Abdel Aati)

    تبدأ مقامات الصوفية بالتوبة، وتنتهي بالتوحيد؛ وبينهما الخوف، والرجاء، والصبر، والزهد، والفقر، والمحو، والإثبات، والتوكل، والتسليم، والرضا. أما الأحوال فهي واردات ترد على القلب، فتبرق وتختفي، ليستأنف الصوفي السير والسلوك.

    تنقسم المقامات إلى مقامات "مادية" وأخرى "معنوية". فالمقامات التي ذكرناها آنفاً هي من المقامات المادية في السير والسلوك؛ أما بعد التحقق بمقام التوحيد والدخول في الولاية فتبدأ المقامات المعنوية. ولكل عارف مقاماته وتسمياته الخاصة، رغم أنها تصب في بحر واحد. من أهم مقامات النفَّري المعنوية الخاصة نختار مقامين اثنين هما: "مقام الوقفة" و"مقام الرؤيا"؛ وسنوضح، باختصار، الملامح العامة لهذين المقامين:

    أ. مقام الواقف والوقفة:

    الواقف هو المنتظِر والمنتظَر داخل لحظة تكاملت في زمن الذات الإلهية وتهيأت وسكنت لتلقِّي الخطاب الإلهي المطلق. والواقف هو ذلك الذي تسلَّق قمة سُلَّم التجريد، والذي تجرَّد من التجرُّد ذاته؛ فهو يدور في عوالم الغيب والشهادة بدون حجب أو أستار. ويحقق الواقف أعلى مراتب الفناء في سُلَّم المقامات المعنوية عند أهل الطريق.

    اختار النفَّري أكثر المفردات تجريداً لتسمية مقاماته المعنوية. فالوقفة/الواقف كلمة مجردة أراد النفَّري أن يؤسِّس عليها معانيه ومعارفه الخاصة. الوقفة عند النفري مسلوبة الإرادة، وخارجة عن كل ضدَّانية وسوائية وغيرية، ولا تتستَّر بأي ستر، مادياً كان أم معنوياً.

    منشأ هذه الكلمة، في اللغة، لتحديد طارئ يطرأ على الحركة. وفي لغة أهل الفقه، "الوَقْف" هو إيقاف هذا المُلك أو البناء إلخ على شخص أو مشروع ما؛ فلا يمكن التصرف به إلا بخصوص شروط الوَقْفية؛ وتبقى هذه الوقفية متواصلة مادامت لا تتعارض مع مصلحة عامة. وعلى كل حال، ما نريد الوصول له، من خلال هذا التفسير اللغوي والاصطلاحي لكلمة "أوقفني" هذه، تبيانُ أن دلالة مقام "الواقف" تشير إلى أن صاحب هذا المقام يصبح مُلكاً لله وحده ليس غير، ظاهرياً وباطنياً، ويطبق كل الشروط المتعلقة بتكامله داخل هذا المقام.

    ونلاحظ ظهور هذا المقام عند النفَّري في المواقف، حيث يبتدئ كل فصل منه بقوله: "أوقفني" الذي يردفه بقوله: "وقال لي"، وكأنه يتلقَّى الخطاب الإلهي بعد أن يتم حال الوقوف ويتهيأ للإنصات.

    والوقوف حالة من حالات التواضع والأدب في مقام الواقف. ولا يصح لصاحب مقام الواقف أن يتلقى الخطاب الإلهي إلا في حالة الوقوف والاستعداد المعنوي لتلقي هذا الخطاب؛ فالوقوف هنا وقوف معنوي. ومن ضمن أحوال هذا المقام الأدب التام مع الله؛ ومن أحواله أيضاً الإنصات والصمت: فلا يصح النطق عند الواقف وهو في دائرة الرؤيا التي تلازِم الوقفة، والعكس بالعكس. يقول النفَّري:

    وقال لي: من رآني لا ينطق.

    في عملية تلقِّي الخطاب الإلهي من حضرة القائل – وهي حضرة الخطاب الإلهي – فإن أول ما يفقد الواقفُ الكلامَ، وبعبارة أدق، القدرةَ على الكلام؛ وتحلُّ محلَّ الكلام حالاتٌ من مثل الأدب والإنصات والصمت. وبعد هذه العملية يتحقق الإلقاء، وتبدأ العبارة الإلهية تكتمل داخل النص، كما في قوله:

    أوقفني في الوقفة... وقال لي: إن لم تظفر بي، أليس يظفر بك سواي؟
    بعد أن بيَّنا عبارة "أوقفني"، وكذلك مقام "الواقف"، نبين الآن العبارة التالية، وهي قوله: "وقال لي". فـ"القائل" هو اسم من أسماء الله، وهو من الأسماء الغيبية، كما ذكر ابن عربي في فتوحاته في فصل الأسماء الإلهية. وهذا الاسم الالهي "القائل" يتحكَّم في نقل الخطاب الإلهي المباشر إلى الوجود على مستويات مختلفة ومتفاوتة: على المستوى الظاهري، الذي من سماته الاختلاف والتفاوت والتشكل، وعلى الصعيد الباطني. فمعروف عند أهل المعرفة أن هذا الاسم "القائل" هو الواسطة أو الوحي الذي ينقل الخطاب من الحضرة الإلهية إلى حقائق كمالية مخصوصة، لها حضور ذاتي متكامل. وحضرة الخطاب الإلهي المذكورة هنا هي إحدى الحضرات عند أهل العرفان، ويتشكل بها الخطاب الإلهي. ويحمل الاسمُ "القائل" إلى كمالات وجودية مخصوصة؛ فيكون هذا الاسم مسؤولاً عن نقل الخطاب الإلهي في النصوص النفَّرية، بما يمكِّن من صياغة المعادلة التالية:

    حضرة الخطاب الإلهي + القائل + الواقف = النص النفَّري
    وأما المسافات المعنوية في المعادلة السابقة فهي كالآتي:

    أ‌. ما بين الخطاب الإلهي والقائل، تكون الكلمات الغيبية

    ب‌. ما بين القائل والواقف، يكون الإنصات المعنوي

    ت‌. ما بين الواقف وذاته، يكون التدوين الظاهري والباطني

    أهم سمات مقام الواقف:

    أ‌. تشبُّه مقام الواقف بالصفات الإلهية الشهودية والغيبية.

    ب‌. الوقفة هي الساحة المعنوية لكمال الذات الإنسانية في دائرة الحقيقة المطلقة.

    ت‌. تختفي كل ضدَّانية وسوائية وغيرية داخل ساحة الوقفة.

    ث‌. مدار الوقفة والواقف فوق مدارات أهل الأرض وأهل السماء، كما يقول النفَّري:

    إذا علمت علماً لا ضدَّ له، وجهلت جهلاً لا ضدَّ له، فلست من أهل الأرض ولا من أهل السماء.

    ج‌. الوقفة تعتق من كل شيء. فهي فوق عالم أضداد الدنيا والآخرة:

    وقال لي: الوقفة تعتق من رقِّ الدنيا والآخرة.

    أهم السمات الواضحة في سلوكية الواقف هي الحرية المطلقة:

    وقال لي: العالِم في الرِّق، والعارف مكاتب، والواقف حر.

    أهم الثوابت الذاتية في شخص الواقف هي الصمدية، والفردانية، وعدم الالتفات الى الأغيار:

    وقال لي: فالواقف لا يقبله الأغيار ولا تزحزحه المآرب.

    ب. مقام الرؤيا:

    إن الرؤيا في معارف وخيال الصوفية والعارفين أهم المنافذ المجردة والذاتية للارتباط بالخطاب الإلهي، ومشاهدة الحقائق المجردة، والالتقاء بالأسرار المعنوية. والرؤيا أعلى مراتب الكشف؛ فهي تنزُّلات التجلِّي الإلهي على الفؤاد ليرى الحقيقة، كما هو وارد في القرآن الكريم: "ما كذب الفؤاد ما رأى" (سورة النجم 11). فمقام الرؤيا آخر أبواب مقام الواقف في سُلَّم المعنى الذاتي الإلهي. ومفتاح الرؤيا اللحظة المطلقة، بلا ذاكرة، ولا عنوان، ولا تسميات؛ فهي القدرة الذاتية والكمالية لاختراق كل شيء وسلب شيئيَّته، وإزاحة محجوبيَّة كل الحجب والموانع والأستار، وإزاحة الألوهية كل غيرية وسوائية عن ذاتها المستقلة. فمن خلال مقام الرؤيا يستطيع الواقف أن يرى كل شيء من وراء كل شيء، وأن يرى الحقيقة الإلهية من وراء كل الأشياء والحجب، كما يقول النفَّري في المواقف:

    وقال لي: لا يكون المنتهى حتى تراني من وراء كل شيء.

    فالرؤيا آخر منتهى الوصول، على أن ترى الحق من وراء كل الأشياء. وبوجود الأشياء يكون للرؤيا القدرة على شهود الحق في كل الوجود، ورؤية الوجود في وحدة شهود الحق. فالرؤيا تنزُّلات الذات الإلهية على سرِّ الواقف وتجلِّيات الحق على ذاته. ومن مساحات الرؤيا التي تتحقق فيها المشاهدة والكشف المعنوي النومُ. يقول النفَّري في المواقف:

    وقال لي: نَمْ لتراني، فإنك تراني؛ واستيقظ لتراك، فإنك لا تراني.

    فنوم الواقف هو الرؤيا المطلقة للحقيقة الإلهية. والنوم هنا نوم معنوي تنكشف له الحقائق عن مكنوناتها وأسرارها؛ وهي إزاحة معنوية لكل رقابة حسية أو مادية، وجدانية أو معنوية، عن حقيقة الواقف. فالنوم المعنوي يحقق هذا الفتح العظيم في رؤية الحقيقة الإلهية. واليقظة هي يقظة الأوهام في مسالك الوجود، بحيث تتلاشى الذات الإلهية في حجب هذا الوجود دون أن يعلم المستيقظ بذلك، ظاناً أنه في يقظة أمام الحقيقة، بينما هو في غيبوبة عن الحق. فالمستيقظ لا يرى إلا أشباح الحقائق؛ بينما تنكشف للنائم من وراء الحجب أسرارُ الحقائق. ويكون الواقف صاحب الرؤية أعظم وأكبر من العارف كما يقول:

    وقال لي: كل واقف عارف، وليس كل عارف واقف.

    ولأن معرفة العارف ملازمة لسرِّ ذاته، لا تفارقه أبداً، فالعارف يبني قصوراً من المعرفة وينصِّب نفسه مَلِكاً على هذه المملكة الشاسعة، ولا يستطيع أن يتخلَّى عن مُلكه؛ فقد أضحت المعرفة حجابه الأكبر. يقول النفري:

    وقال لي: فإن العارف كالمَلِك يبني قصوره من المعرفة فلا يريد أن يتخلَّى عنها.

    وتصير المعرفة ناراً تأكل كل محبة. فالمحبة هي محور ذات الواقف وجوهر مقام الرؤيا؛ بالمحبة يخترق الواقف كل مدارات الحقائق ليصل إلى مكنون الحقيقة الإلهية. فمعرفة العارف تأكل كل محبة لأنها النار التي سُلِّطت على وجدانه المحجوب:

    وقال لي: المعرفة نارٌ تأكل المحبة.

    وأما علوم الرؤيا التي تزيح عن الواقف غيرية الأشياء وسوائية الحجب فهي أن تشهد الصمت الذي هو جوهر سرِّ الواقف وقلمه الذي يدوِّن به وقوفَه. والصمت عند الواقف ملَكة ذاتية:

    وقال لي: من علوم الرؤيا أن تشهد صمت الكل، ومن علوم الحجاب أن تشهد نطق الكل.

    فهذه الشهادة التي يراها صاحب الرؤيا هي استيلاءُ كماله على كل الأشياء، فتشهد له بعمق الكل. وأما إزاحة ذاتية الحجاب فهي إشهاد وإنطاق الكل.

    وكما ذكرنا مراراً، فإنه باختفاء ذاتية الأشياء واستقلالها عن المعنى الحق، وبمحو ضدَّانية التقابل وفعالية تأثير الأضداد على الإنسان، يستطيع الواقف أن يرى من وراء الضدَّين رؤية واحدة. وهذه إشارة إلى عمق التوحيد في المشاهدة من وراء الأضداد، رؤية واحدة حقَّة:

    وقال لي: من لم يرني من وراء الضدَّين رؤية واحدة ما رآني.

    وهذا التوحيد هو حقيقة التوازن الوجودي في جوهر شهود الحق في كل الأشياء. ولا بدَّ أن تتحقق لصاحب الرؤيا المعرفةُ التي يرى بها الحقيقة، ولا يرى بديلاً عنها. وهذا هو الاختلاف بين معرفة الواقف ومعرفة العارف: فالواقف يستخدم المعرفة في الرؤيا لرؤية الحق؛ بينما العارف يرى في المعرفة المعرفةَ ذاتها.

    أهم سمات صاحب الرؤيا:

    أ‌. إزاحة كل ذاتية مستقلة عن معنى ذات الحق ورؤيته بلا وسائط.

    ب‌. سلب كل محجوبيَّة وشيئية عن ما هو دون الحق.

    ت‌. تزيح الرؤيا ظاهريةَ الصور وشكلانيةَ المعاني، وتخلِّص الواقف من انطوائه تحت ثقل تسلُّط التعيُّنات الثابتة والمتغيرة.

    ث‌. الرؤيا تحقق الوحدة الوجودية لشهود الحق.

    ج‌. التثبت في الرؤيا، وانصهار الحقائق الثابتة في ذات الواقف، هو سرُّ اكتمال دائرة الرؤيا للحقيقة:

    وقال لي: قف في مقامك بين يديَّ، قف في رؤيتي، وإلا اختطفك كل شيء.

    ح‌. مركز الرؤيا في المدار الإنساني هي الروح؛ والروح والرؤيا من سنخ واحد، من أصل واحد:

    يا عبدُ، الروح والرؤيا إلفان مؤتلفان.

    فالروح هي السريان الحقُّ لذات الإنسان، والقيمة الكمالية لفعالية الرؤيا؛ والرؤيا هي المعراج الوصولي لحمل الروح على المشاهدة.

    خ‌. الرؤيا لا يتخلَّلها الحجاب، ولا تتحول إلى حجاب أبداً؛ فهي مقام نوراني لأنها من أصل الحقيقة الإلهية بلا وسائط.

    د‌. الرؤيا هي أهم العوالم وأعظم المراتب لأنها جوهر ذاتي يلامس الذات الإلهية:

    يا عبدُ، لو علَّمتك ما في الرؤيا لحزنتَ على دخول الجنة.

    ذ‌. الرؤيا تحقق للإنسان الواقف عبور كل الأشياء واجتياز كل المسافات المعنوية والمادية؛ فتلوح له الأشياء ظاهرة في بواطنها، وكاشفة عن حقائقها، وواضحة في معانيها. يقول النفَّري:

    أنت عابر كل شيء؛ فجزت فرأيت كل شيء، ورأيت وجه كل شيء، ومعنى كل شيء.

    الخاتمة
    إن الله راغب بالإنسان. ولهذا خلقه على صورته. تلك الرغبة الإلهية في الخلق لا تنمُّ عن حاجة افتقارية، بل هي حاجة الغنى نفسه لإظهار ذات العطاء. وتلك الصورة لا يكتمل ظهورُها ما لم تتطابق مع حقائق المعنى الإلهيِّ في سرِّ الإنسان – هذا الإنسان الذي حمل رغبةَ الله على ظهره، وتحمَّل عناء البحث والهجرة والأسفار، وابتكر التساؤل ليحلَّ لغز هذه الحقيقة، منذ فجر الإنسانية إلى يومنا هذا، وأراد الوصول إلى هذا التطابق، إلى اكتشاف المعرفة الحقَّة التي يصل بها إلى سرِّ الصورة الأولى وتمام ظهورها في دائرة الوجود.

    لقد حافظ أهلُ التصوُّف والعرفان على براءة السؤال الخام والقلق الخام كي يتطابقوا مع الأصل، أصل الوجود، الذي تحمَّلوا في سبيله العناء العظيم وضحَّوا بكلِّ وجودهم من أجل الوصول إلى الحقيقة. فهم أهلُ الله الذين لا يستظلون بظلٍّ ولا ينتسبون إلى التسميات. أسَّسوا للمسلمين، بشكل خاص، وللبشرية، بشكل عام، مشروعاً خصباً، وتركوا تراثاً إنسانياً صافياً وعميقاً. فأهل هذا الطريق افتتنوا بالله افتتاناً أفقدَهمْ كلَّ شيء، وأحبوه حباً لامتناهياً، وهاموا في عشقه. ينحتون بوجودهم أسماءه، ويرسمون بدمائهم خرائط الوصول إليه. سكنوا الصحارى والجبال وغاصوا في الوديان، وركبوا البحار، واتخذوا من الهجرة بيتاً ومن الغربة زاداً. فماذا يمكن أن نقول عن أسفارهم – تلك الأسفار التي هي أكثرها تعقيداً على أرض البساطة، وأكثرها بساطةً على أرض التعقيد، في البحث عن مكنون البساطة، وهو الله – الله بسيط الحقيقة – وعن الفناء في هذا المعنى الإلهي. لهذا حملوا قلوبهم مناجلَ للتجريد وللغوص إلى أعماق الوجود بلذة الاختراق وفضول ألم الاستطلاع، لاستخراج كنوز المعارف وحقيقة الكمال المطلق.

    يلمِّعون قلوبهم كما يلمِّع الفارس سيفه، ويعلنون البراءة من الصدأ المتراكم على القلوب، لأن قلوبهم بيت الله. فكيف يهيئون هذا البيت لأعظم وأجلِّ محبوب أفنوا حياتهم في البحث عنه؟! يطلبون الموت كما يطلبون الخلود. دخلوا إلى الحياة من فوهة الموت. هم مدارج الموت التي يعبُر عليها أطفال التلعثم. المعرفة انهمار دموعهم أطفالاً كالنجوم تملأ جسد الرب، لامست شفاه العشاق فتكلَّمت بكل اللغات. وعلومهم مياه التكرار في رحم لذَّات المعارف. هم النسَّاجون الذين نقشوا قلوبهم سجادةً للرب، وأنفاسهم أنوار لامست عيون الله. إنهم ثمرات معارفه التي اختزلت زمن الإنسان.

    يعلنون من مكنون خيالهم: إن زمن الله قيلولة أسمائه بلا نهارات؛ وإن زمن الإنسان خطيئة معلقة على رقبة الشمس. هم أبناء الشمس الذين عزموا على رؤية كل شيء، والنظر إلى كل شيء، وممارسة لذَّات كل شيء، لأنهم عيون الرب في وجوده؛ يرى بهم كل شيء، وينظر بهم كل شيء، ويلمُّ بكل شيء. والحقيقة تعني توسلات الرؤيا لجسور السواحل في الظهور.

    الخيال عندهم ثرثرة المعاني في مجالس الغيب. هم أهل الليل، بيت الله الذي يتوسَّط ساقَيْ الوجود: ساق من نور، وساق من ظلام. وأرواحهم معلقة بأرجوحة إعماء، وأفواههم تحمل خطابات المعاني للوجود، ومرايا رؤية الرب التي تلمُّ بجنون الخطابات. هم أطفال المعاني في أحضان المشيئة التي ربَّتهم أحراراً.

    مقاماتهم جروح أقدام الرب في مسيرة البرازخ. وأحوالهم رياح الجنوب التي لا تملُّ من العتاب. والكشف والحجاب بحارٌ لمراكبَ غرقى؛ والفناء والبقاء ألواح تطفو على ساحل التِيْه الأعظم. لعبة من القرب والبعد لا تحظى بالقُبَل والاحتضان. وعشقهم هوس الموتى من وراء منافذ قيود اللذات. وحزنهم فرح قديم يطفو على سطح السعادة المتأخرة. وتوبتهم انحناء الجسد في بيت الخطايا. وتجريدهم عري الخطاب في غرف خالية من عسل الأنثى. ونفوسهم أقداح الطاعة الممتلئة بالتحولات. وتوحيدهم سكر الفنانين على موائد النار. وذواتهم موائد عليها فاكهة الجنة، يأكل منها المؤمن والكافر. ونومهم سرير العبودية الذي يحلم بالمسافات. وصبرهم عربة يجرُّها حصان الفقر. ورؤياهم امتداد الوادي المقدس المنطوي تحت أسرار دعوة نزع النعلين، ولفِّ الساقين، والجلوس أخيراً فوق نار التيه، والانتظار آخراً بلا أسماء...

    يقول لهم الرب: "من راسلتُه ابتليتُه بجميع البلاءات، ظاهرة وباطنة. ومن لمستُه جعلت العباد يبحثون عنه في كل مكان كي يكون وليَّهم. ومن قبَّلته قطعتُ رأسه. ومن احتضنتُه أفنيتُه إلى الأبد." وقال: "لم أصافح أحداً لأنه سيكون إياي."

    هؤلاء هم أهل العرفان الذين عشقوا الله، وذابوا في كل معانيه، وتجردوا من كل شيء من أجل الحضور والرؤيا والفناء في المعنى الأسمى. إنهم المجانين الذين يتطلعون إلى عقل لا يغيب.

    فكيف نصف هؤلاء، والصفات حجبٌ انتهكوها، والأسماء عبارات تجاوزوها؟

    إنهم كلمات الله التي لا تنفد.

    إنهم حقاً أهل الله.
                  

العنوان الكاتب Date
الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-10-03, 10:37 PM
  Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-10-03, 10:38 PM
    Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-10-03, 10:40 PM
      Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف طارق اسماعيل02-11-03, 01:03 AM
        Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-11-03, 01:38 AM
          Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Yaho_Zato02-11-03, 06:32 AM
  Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف حسن الجزولي02-11-03, 12:16 PM
    Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-11-03, 06:17 PM
      Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف ابويوسف02-11-03, 06:24 PM
        Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-11-03, 06:55 PM
          Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف طارق اسماعيل02-21-03, 01:02 AM
  Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف THE RAIN02-21-03, 08:44 AM
    Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-22-03, 07:10 AM
    Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف Abdel Aati02-22-03, 07:27 AM
  Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف THE RAIN02-22-03, 03:19 PM
  Re: الفكر الصوفي عند النِّفَّري- مقال حذف THE RAIN02-22-03, 03:25 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de