الصديق العزيز والإنسان المحب ، أبوبكر .. سلامات ..
الوثائق مثل كل شيء في السودان اليوم عرضه للضياع والفقد ؛ مثلها مثل كل تاريخ المدينة والناس ، فكل شيء يا صديقي في خرطوم اليوم يأتي عليه الزمن بالتجريف والتدمير وإفقاد المحتوى ؛ تأمل يا صديقي في عمارات اليوم ، شيء خارج عن النسق والمزاج المحلي ولا يشبه أي شيء نعرفه ، مباني زي علب السجاير تفتقد حتى لشبابيك الله والرسول ..
وأثرياء المدينة الجدد والحاكمين ، ليس من أحد فيهم على ما أعتقد يرغب في أن يحفظ للمدينة تاريخها ، فهم أيضاً من خارج السياق بل ربما من خارج التيار الإنساني العام .
المهم يا أبوبكر ، فدار الوثائق ينسحب عليها كل ما يمر ببلادنا السودانية جبر الله كسرها ؛
كلما أمر من هناك ، يوجعني قلبي ؛ أول أمري زرت المكان لأن فيه كان منزل والدة الأستاذ حسين شريف ، وفي سعيي المحموم لتلمس أثر الرجل زرت حوش السيدة شامة بسرايا الإمام عبد الرحمن بالخرطوم والتي تحولت إلى دار للوثائق بعد ان صادرها حاكمنا الأرعن الأسبق المشير نميري ؛ كان الإمام عبد الرحمن قد إشترى هذا القصر من المرحوم كونت مخلص ، الذي كان زي ما تقول كده شهبندر تجار عصره وزمانه ؛ وقد قام على بناء هذا القصر عمال من ضمنهم حرفيين طليان ، جيء بهم خصيصاً لصناعة الأبواب والشبابيك الخشب الجميلة ، التي كان معظمها مصمماً من قطعة واحده ليس فيها مسمار عليم الله . وفي المكان نافورة من الحجر رأسها يشبه الأسود البنشوفا في الآثار الآشورية .. وعواميد رومانية وزجاج معشق بالوان حلوة ونايرة ، ومداخل وممرات ومخارج ، وبلاط زي رقعة الشطرنج حواليه نقوش كأنها حِنه يا أبوبكر .. مكان جميل ومليان حكايات توشوش بها الريح ، لكن مين يسمع؟ تذهب فتجد حال المكان ميلاً ووضعه عسير ، وكأنه إنسان منهك ، الجدران المعمولة من الحجر ، حفر القوم فيها فتحات عشان يركبوا فيها مكيفات موية !! وكل شبر في البيت تعرض للإنتهاك وللمعاملة الغير كريمة ، لا أعرف من السبب ، ولكن المسالة كلها تدل على أن إحساسنا بروح التاريخ إحساس خايس وعطلان ؛ أحدثك يا أبوبكر عن قصر جميل ومنيف ، كان من أروع المباني في المدينة ذات يوم ؛ حين يتعرض لكل هذا الهول والدمار فبوسعك أن تتصور مصير الأوراق والصحف القديمة والوثائق وكل شيء ، ولنا قبل هذا وذاك إسوة في الإنسان السوداني ذات نفسو ، شوف تعرض لشنو ..
سمعت وقرأت خلال العام الماضي أن دار الوثائق سيتم تحويلها إلى مبنى حديث وعصري وأخدر زاهي لونو خلف مجلس رئاسة الوزراء عليهم أفضل السلام .. ورايت المبنى ، والحق يقال أنه يا أبوبكر مبنى فخيم ، وART NOVO ذا طابع حداثي تجريدي ، ليس فيه من حلويات وفواكه العمارة مثلما في سرايا الإمام ، لكنه على الأقل يكفي القصر العجوز خطوات الموظفين وسوء التغذية والإهتمام ، ولا شنو ؟ خصوصاً أن في المبنى الجديد كافة وسائل التخزين الحديثة ، يعني تاني الأستاذ محمد إبراهيم نقد لمن يجي يكتب الجزء التاني من كتاب الرق ممكن ياخد معاهو فلاش !
أعتقد أن الرجل الجديد مهتم بتحسين ظروف حفظ الوثائق ، انا لا أعرفه وما interested في ذلك طبعاً، لكن أمر كفاءته ده شيء يعرفه المختصين ..
أقول قولي هذا وأرفق بعض الصور لسرايا الإمام عبدالرحمن والد السيدة شامة أُم الأستاذ حسين شريف :
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة