من ذا الذى يغنى وشوارع الشدو القديم تيبس أرواحها ونام اللحن جائعا بين رهق الأوتار الشوارع الآن تسأل كل قدم عليها تهز ذاكرة الغياب والنهار حلم من غبار =========================================
الشارع هناك يحلق بعيداً، لكنه لا يتلظى بنار الشمس، ويوغل عميقاً، لكنه لا يعير إنتباهاً لبرودة الأعماق. أقدام الخلق أجنحة تلغى تماما لهف الخطوة لتتحول إلى مصارعة أسفلت الهواء الخطوات هناك لا تقنع بما ييسره التراب من موطئ حياة ميتة. ما الذى يجرى هناك إذا؟ فى قلب التيه المسيطر وفى ما يسيل من فم الوقت من إزدحام يغمر الزمان ولا يروض المكان. علىّ أن أسأل إذا وهذه الدروب تفضى بك إلى قلب ال "يونيون جاك" وللعجب فإنها تقودك إلى قلبه، حيث يربض جسد "الجامع الكبير"، هكذا أرادها من لا تغيب شمس الكون عما ملكت يمين سطوتهم، أرادوها خريطة وربما لوحة تمجد تلك الحسناء التى لا تغيب شمس شبابها، ثم "تسودن" بطريقة غائرة المعنى، روح المكان وجسده. أربعة شوارع، كل واحد منها يبدأ من مفتتح الجهات الأربع، ليقود الى قلب المعنى هكذا أرادوا وهكذا فعلوا. شارع "فيكتوريا" يفتح فمه من أمام القصر، وهو فى المبتدأ قصر، لا يهم ساكنه، سواء كان غوردون أو هوراشيو هربرت كتشنر أو جعفر محمد النميرى، هو قصر، ثم تنتهى مسيرة "فتوريا" عند نصب كان يشبه فى طعمه شكل علبة السردين وفى وسطه مسلة قصيرة المعنى، تمجد قتلى حروب التى غابت شمسها الآن، بما فيهم أولئك "المشلخين" أفقيا ورأسيا، ثم يقف بعدها سور السكة الحديد فى وجهك، وما عليك سوى أن تقفز من فوقه ليسرى جسدك، فى الجهات الأربع أيضا، هكذا أريد أيضا للمعنى أن يتجسد. إذن تريدنى أن أصدق حديثك يا "معرى"، فليكن ذلك، وسأبدأ الآن فى تخفيف الوطء بذات الأقدام التى ما ملت التحليق، لكن المسافة الآن بين "أتينيه" و "الكلوزيوم" مثل المسافة بين أثينا وروما، والشقة بين "السان جيمس" و "الرويال" تعادل ملايين السنوات الضوئية العجاف، فيا ايها المعرى، لا تحرجنى بتصديق كلامك، لا تحرجنى، فالخرطوم الآن قد إنتبذت أقصى ما فى المجرات الشائكة من أغوار، وبعد فم الرغبة عن كأس الأمل، المسافة الآن بين "خا" الخرطوم و"خا" الخضرة، تماما مثلها مثل تلك التى بين "جيم" الجنة و"جيم" الجحيم. ثم بمساء شتوى "لندنى" الملامح، يتلقفك شارع البرلمان، هو ايضا قصير النفس ولا تفتر الخطوات/الأجنحة من الغوص/التحليق فيه، هناك وأنت تيمم شطر الشرق منه، وفى وسط أخيلة النجيلة والنوافير الكسولة، بسطوا ساحة للشهداء، لم يخبرونا أى الشهداء هم، بل نصبوا فيها لإبنهم الغازى تمثالا ثم أزيل، وليتهم تركوه ليذكرنا بمعنى الإنتصار وطعم الهزيمة، لكى نتذكر دائما أن لا أحد يهزم أحدا، بل الناس هم الذين يهزمون أنفسَهم بأنفسِهم، فالهزيمة فعل داخلى بينما الإنتصار عمل خارجى. لو أردت أن تلون الغناء فى الخرطوم، فإنك فى حاجة الى كل الحدائق التى ترضى أن تهب ألوانها، فى حاجة الى كل الريح التى تنقل أنباء الأحزان وجميع الزغاريد التى تضمر الفرح لتنشره فوق أرض المساكين. لن ألوم الحبر حين يتوغل بعيدا فى دواة الدم، فأمام عتبات الإشتهاء تصلّى الشمس مواقيت الشروق، ولن أسير تحت سماء الواقع، فالخيال أرض تؤتى غرسها بشرا كانوا ومكانا يصارع تبريح التوهم ونوق الأخيلة. فالصورة أكبر من أن يحتويها إطار التراب الضوء فيها غامض وخجول، لكن رغما عنه وعنى، سوف أحمله تحت القلب من الخرطوم، إلى الخرطوم. ما النهر سوى طائر مسافر إسمه الحنين والبيوت دموع تيبست وتجمعت حولها أفواج "اللبخ" مواسية، المكان إكسير الحياة. ولكن ماذا تشبه هذه المدينة، هذه المدينة تحديداً، وبماذا يبشر القمر؟
وإلى حين
07-15-2007, 03:58 PM
أبوذر بابكر أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8795
حياك العشق يا خرطوم حيتك الروح، وسقاك الصباح كاسات المحبة العتيقة رحيقا ممزوجا بوهج الإشراق وإلفة الدروب القديمة القديمة، قدم الدم والحزن والفراق فينا أسائلك يا رفيقتى كيف بهاؤك فاق الشمس، وكيف العينان أسودها بحر من ليلك المسكون بالحكايات والرفاق وضوضاء القلوب الصامتة المفتوحة على فضاءات المودة والأبيض آفاق، آفاق، لا تمل من ملء فراغات الوحشة بالمشاوير الخضراء، صعودا من دهشة التراب فى مسامنا المعبأ بالحب، ونزولا الى حيث نلتقى لننشد ترتيل الوجد المعربد
عمدك النهران يا خرطوم حديقة لزمن أسطورى ملون منحك الفرح أسمه وطبع قبلة المساء على جبينك الترابى الصديق منذ أزل، انحزت الى عينيك وبايعت وجهك شمسا لى، قمرا للعشاق وأعنية للأطفال
لأنكِ الخرطوم
خرطومنا
لهم خرطومهم ولنا خرطوم أخرى
وإلى حين
07-16-2007, 02:04 PM
أبوذر بابكر أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8795
الأقدام فى موضع الرؤوس، والرؤوس هواء لا يؤتمن، لا رباط بينه وبين جهات الإنسان، فالطريق قد اصابه الوهن قبل أن يتسلل إليك، وما تعودنا سوى أن يؤخذ الحصاد منا عنوة، بحد الأسى ونصال الترحال إذن لنعط ما للعمر للعمر، وما للطريق ما للطريق أغنية تمخر عباب حبال صبرك الصوتية، لكن ليس ثمة حلبة للموت أو الرقص، يكفى فقط أن تصغى لرنين أجراس الوقت وهى تدق وتنتقل بين أفخاذ الأيام. لا تقتفى أثر الغيب فوق أرض الغياب، فما عاد فى خنادق النشيد إلا رماد الموائد التى نصبها البشر فوق جثث التمنى ومن هنا، من الطريق التى تربط شرق الروح بغربها، تبدأ نزهة من وسط حرائق الماضى ولا تنتهى إلا فى قلب رمل الحاضر المتشظى بماء الإنتظار، تتسلق جذع تاريخ خائر القوى مملوء بثقوب سكنتها الخيبة وبقية دخان رخيص من تبغ النشوة جلست منهكة غير بعيد من مشنقة المزاج
إعشقوا تحيوا صدقنا الحديث، ولم تصدقنا الرؤيا
ولا أمل فى وحى يجئ فجأة على سفينة فوق موج أعرج، يوصل أخبار المسافة وهو يلوك أحاديث التراب، عن بشر خيل إليهم أنهم يستوطنون الأحلام، ولكن كان الفراغ يستوطنهم
أهو إنهيار الشعراء والشعراء أم هو جفاف أنهار الحبر وتمدد اليباس فى أوصال النشيد؟ هى آجال شعوب يحرسها خفر من الموتى الأحياء، والموت سياج من جميع الجهات، فقر يقتات على قوت يوم العقل، وخطب تمزج الرحيق مع الفحم وتعتاش على إبتسامات الأطفال وضجر الكبار
يتراءى الوطن قريبا من مخيلة الوهم، بعيدا عن اصابع الحنين، يبدو مثل نبتة تستجدى الغيم، فتدير السماء وجهها عنها، وتبدأ طبول البشاعة فى سبك اصواتها لتثقب جدران الحلم
وبعدها كانت المدينة شاهدنا الصديق حين تطاول الظمأ حين تخدر الظل تحت أكف العناق حين تجمع غيم الود حين أعلنتك شمسا تشعل العمر وتربت على صدر الثلج فى قلب الإشتهاء
سراج وجهك المتوهج كان يضج بألق الصحو ومن نهر البسمة حاولت أن أروى أشواق المعنى فىّ منك ما استطعت زاحمنى الفرح فيك وبك نسيت كل أوراد الحياة على ضفافك وما كان بمقدور الروح سوى أن تتمتم حضورك النبيل شربت أشعة حروفك الشهية
وقلت
يا سيدتى يا سيدة العمر، أو ما تبقى منه أعذرينى لتلعثم الشهقة بين أطراف نشوتى نشوتى بك وإنتشاء اللحظة باللقاء
فها هو الطريق يشرئب مهلوسا تحت رداء الخطوات أطعمنى ذاك الطريق معناك الأشمل وبين ثنايا برق إشتعالى المدوى شهدت ألا عشق إلا أنتِ وألا وجع إلا أنتِ وألا حب إلا حبك
دعينى فقط أغسل دمعى من دمعه أرتدى أفق عينيك ملاذا ولن يعود الكلام يتيما
دنوت من أطراف مدارك القصى فما وجدتنى بعد ذاك
إلا فيك
فيك وحدك
07-17-2007, 07:38 PM
أبوذر بابكر أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8795
يطل بين فرح النبض و شهقة المسام وتترافق أطياف الذكرى مع تسابيح التمنى تتشكل أبعاد الحكايات العتيقة ويشرد بصر التخيل، يتخلل ثنايا الأيام، يخترق جلد المسافة
ترى كيف هى الأيام هناك؟ ألا تزال تمارس طقوس دورانها، مثل أفلاك كسولة لا تدرى إلى أين يحط بها المسير أو إلام ينتهى ذلك الدوران الممل
أحيانا أجد العذر لهذه الأيام الحجرية فالسبت يمسك بأيدى من يليه يخترق سدوف الوقت وهو مطأطأ الرأس يحاول، أو بالأحرى نحن هم من يحاول أن يكتب تذكار الوقت، أو نضع خدوش هذا السأم، الذى يسمونه الحياة، على جدران الفراغ
تأملت قبل قليل وبعد أن شربتنى قهوتى حين أيقنت بخراب ذاكرتى، أو لعلها لاحظت تجاهلى غير المقصود لها، فآثرت أن تشرب وقتى طالما أنه بلا طعم أو نكهة، وقد سامحتها على ذلك، لكنى لم أسامح هذا الوقت المقيت، برائحته البيضاء
تأملت وجه الوقت، و "النأى السحرى" يرصف المسافة بين سماعة الجهاز وأذن الروح هومت مع أخيلة "موزارت" وحاولت أن أستدين، وبالعدم، أن أسرق بعض لحظات صفاء، وفشلت فى كلتا المحاولتين، فلا الإستدانة كانت متاحة، ولا السرقة رضيت لى أن أختلس فرحى الشحيح من خزانة هذا الفضاء الممتلئ، المحتشد باطياف الصفاء
لم أجد العذر لسخرية المسافة من ركضنا الذى يراوح مكان إنبعاثه
فحفرت عميقا فى داخلى
اسلمت وقتى لموتى
07-17-2007, 07:48 PM
Ishraga Mustafa Ishraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885
Quote: ما النهر سوى طائر مسافر إسمه الحنين والبيوت دموع تيبست وتجمعت حولها أفواج "اللبخ" مواسية، المكان إكسير الحياة. ولكن ماذا تشبه هذه المدينة، هذه المدينة تحديداً، وبماذا يبشر القمر؟
مهوسة بالامكنة ومشدودة بغيابها وحزنها وانكسار خضرة القلب سيف الرحبى فى كتابة حوار الامكنة والوجود قال
Quote: هل تغيرنا ام عادت اشباحنا تجوس اماكن الطفولة ومستنقعاتهاالزرقاء؟ لقد تغيرت اللهجات والسحنات وتغير الخطاب وتغيرت اشياء كثيره جوهرية، على طريقة الشاعر القديم {عرفت شئيا وغابت عنك اشياء} وأصبحت المسافة بيننا وبين من نحب تقاس ببرازخ الصمت والذهول والغياب المضمر، دائما أثناء الجلسات الخاطفة الحزينة}
وسلام الامكنة الحاضرة ياصديق
07-18-2007, 09:52 AM
أبوذر بابكر أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8795
بمعزل صريح عن الحزن والعناء وبدنو مطلق من جسد الفرح والغناء
جلسنا ثلاثتنا، نتساقى الحديث، نرتشف هدوء الوقت، وبعض نسمات قلقة، تعبث بضفائر تلكم الشجيرات الصبية، كانت هى شاهدنا الصديق، على تتويج تلك اللحظة، أميرة على الوقت
يتصاعد دخان يتلوى فى هواء الطرب، يرسم غلالات من سريالية جميلة، فتارة تتراءى لنا شجرة من حديقة الخيال، وتارة أخرى تزورنا سفينة محملة بالضحك والبخور، ونرتضى نحن أن نكون بحارتها البائسين، وجه البحر مرآة لهم، وما سقفهم سوى شراع من وهم
يلا يا أبو خليل، سمعنا شدوك الجميل
انت ياخى طوالى كلامك بالسجع ولا شنو
لا والله يا ابراهيم اهى بتجى كده، والشعر زى ما بقولو عطر النضمى، ولا شنو
خلونا عليكم الله من كلامكم ده، هاك أمسك هاك الريشة كمان
لا لا أنا بعزف ساى الريشة "بتبربح" النغم
والله بتبربح دى بالغت فيها لكين
يعنى الود عامل فيها أحمد شاويش ولا شنو
بدأ العزف ينساب مع نسمات الأمسية الخجولة
وتهادى الصوت خافتا، يؤسس لفرح مسروق، أو بالأحرى، بهجة مختلسة
أنا حبك زرعته فى قلبى وسقيته دماى ومن بعدك قفلته انا قلبى واختصرته غناى بقيت كالراهب العابد اقضى ليلتى ساجد أمام طيفك اناجيهو واقول شعر الهوى فيهو والخافق فى صدرى ضرباته بتقول اهواك الى ان يفنى عمرى اتغنى واقول اهواك
عليك الله ما تقول معاهو ياخى، خلى يغنى براهو
اهواك ، أهواك، يا حليل ايامى معاك
الله، حاجة تمام والله، لكين مالك ما قلت الكسره
اكسرة ياتا كمان
كيف ياخى
يا حبيبى وين وين انت اضنيت قلبى
ايوا، صاح صاح
طولت ما بنت
تانى شنو
ما حافظها كويس
عالم زاخر بالفرح والألم والحزن، بالطفولة والتوق الى حرية الروح
يرفع الشعار، مؤقتا، لا حزن اليوم، ولا فرح غدا، اليوم خمر وغدا أمر
ويمر أيضا طيف ذلك الملك الضليل، أمرى القيس الكندى، وما أن يهل وجهه، حتى تتحول خيمة الليل الصديق، والذى لم يمض على إنحيازه الينا سوى لحظات قصيرة، يتحول الى موج بحر يرخى سدوله ويمارس إبتلاءه لنا بأنوع همومه التى لا تنتهى
أنا لا أغنى للنساء فقط لسلمى وأنا أفضل فى المساء مساء سلمى وأنا أهيؤنى رفيقا كى يلائم ما يهم الطقس منى طقس سلمى وأنا أشيد حديقة من فل تنوراتها وعبير سلمى
ثم أدعوكم لنتراشف المساء على شواطئ نهار سلمى ثم نضحك ثم نذهب فى المساء
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة