|
إبراهيم الباشا مات!
|
قذفها ياسر فى وجهى وانتحب, هرب الباقون من الغرفة لَئلا يشهدوا انهيارًا مؤكدًا, تحركت امعائي فى محاولةٍ لِلفظ بقايا عرقى مرزوق المغشوشْ, ضرطتُ بصوتٍ عالٍ, أسندتُ ِرسغى إلى الحائطِ, وتركتُ دموعى حرةً تحفِرُ اخاديداً فى صفحة وجهى الذى تغضّن بفعل الجوعِ والهّم والاجتماعاتِ العقيمة. لحظة مغادرة المشيعين مقابر أحمد شرفى, وبعد ان تأكدتُ من أن أبى قد أصبح مجرد ِنتؤٍ فى رقعة غريبة,كئيبة, تخلصتُ من مخزون دموعى ولم ادخرُ قطرةً لأحد, لكن هاهو إبراهيم الباشا يعاود استحلابها دماً. فى ظهيرةِ خميسٍ ماطرٍ التقينا فى السوق الشعبى امدرمان, تحت مظلة من الزنك تقينا والسابلة البلل, باسماً كعادته حيانى, تحرك وابتسامته تتسع: شايفك فى الجامعة الاهلية والحارة خمستاشر. اجبته باننى أدرس هناك وأسكن حيث اشار. كعادتى لا أستطيع إبتدار ونسة من اى نوع, قلتُ ببلاهة: شايفك برضو فى قاعات بيئية.قلتها كاذباً لاننى اعرفه جيداً. صمتُ قليلاً, فجاة حدثنى مشجعاً وكأنه لمح اصابع الجوع تمسك بخناقى: شكلك جعان؟؟!! اجبته نعم. أمسك يدى بحميمية من خبِر الجوع وتحركنا غير عابئين بالمطر إلى مطعمٍ يبدو أنه أحد زبائنه, إذ أسرع الجرسون لتربيزتنا منظفاً بقايا طعام واضح أن صاحبه قد إلتهمه على عجل, حيا الجرسون إبراهيم: وينك يا أستاذ طولنا ما شفناك! خاطبنى إبراهيم مطمئِناً: أطلب أى حاجة, فى قروش كتيرة. أجبته غير مكترث لدخان الشواء: كمونية! إلتهمتُ الكمونية وتحركنا صوب مواصلات الإمتداد, لدهشتى اكتشفتُ أننا نسكن نفس المنطقة, إفترقنا بعد أن دس فى يدى مبلغاً احسستُ بضخامته: الليلة الخميس! احسستُ بوخزاً مؤلماً فى رِسغى, استلقيتُ بلا وعى على أقرب سرير. أمامى مباشرةً إرشيف صحيفة الميدان الذى رتبته فى اليوم السابق, مختلساً بعض الأعداد التى انوى قراءتها بعمق بعيداً عن ضجة معتز, لم القِ بالاً لتهديدات بهاء من عدم جدوى السرقة محاججاً أن أخوه سيكتشفها ويطردهم من المنزل, كنت قد حددت بخبث ما انوى سرقته, وليذهب بهاء وأخوه للجحيم, إخترتُ اعداداً متسلسلة كتب فيها اقتصادى ذيل دراسته باسم صدقى كبلو وكتب عنواناً تساؤلياً مثيراً: "من يقود الرأسمالية السودانية؟!", واعداداً أخرى كتب فيها احمد الطيب زين العابدين, دراسة نقدية لمسلسل تلفزيونى اسمه " الدخيل!", إختلست الأعداد التى إنتقيتها ,ليلتها تناقشت مع قريبى ومضيفى الإقتصادى بمنطق االعليم ببواطن الإقتصاد السودانى وميكانيزم تطوره. بعد إنتهاء حلقة المرشحين عزمنا ابرإهيم الباشا لزيارة أصدقاءه القدامى من جامعة جوبا, وجدنا أن "أنور؟" من أبناء الإستوائية, كان قد دعا سلفاً صديقته لنهارٍ بهى, لم نشأ أن نجهض ذلك اللقاء الحميم وتحركنا فى مايو بحثاً عن مكان نشرب فيه المريسة قتلا ً للوقت, تناولنا المريسة بحرفنة وطقوسية حسدنا عليها مرافقينا, تفرقنا بعد ان قضى صديقنا انوروقته وتفرغ لنا باريحية ابناء الإستوائية. فى عودتنا تعرفتُ على إبراهيم عن قرب, حدثنى أن منشأه قرية الجبلين, ذكر معارفه وأقرباءه بتسلسلٍ مدهش, حتى صحِتُ عند ذكر أحدهم: دا استاذى فى الثانوية, وملهمى لهذا الطريق الوعر اللذيذ بالعطاء! أحببته اكثرومضينا. حدثنى معلمى الحزبى بقلق: ابراهيم عندو سرطان! سفهت قوله لأنى كنت اعتقد جازماً أن الناس السودانيين يموتون فقط من الملاريا والكوليرا والتايفويد, وأحياناً بالغُبن من حكامهم. لكننى تذكرت بغتة أن مشروع إبراهيم للتخرج كان حول علاقة الإسبستوس بمرض السرطان, قلبتها يميناً ويساراً وضحكت من نفسى: إنت جنيت ولا شنو؟ سرطان دة ما مرض بروتاريا! صحوتُ على صوت ياسر: يلا نمشى الحاج يوسف لاهله! انهار معتزواحتضننى قائلاً: ليه اصحابى بس يموتوا وإنتو يا أولاد الكلب عايشين؟ ينعل"...". راوغت كثيراً فى تلبية اى مقترح لزيارة إبراهيم فى المستشفى,متعللاً مرة بإجتماع مهم ومرات بالفلس, لكننى رضخت تحت الحاح ياسر. فى صغرى تلصصت على همسٍ دار حول عمنا ادم عمر وتشاؤم ذوى المرضى من زيارته, فعادة ما ينتهى أمر المريض المنكوب بالوفاة بعد زيارة عمنا مباشرةً, وقيل فى تلك النميمة التىإستبحتها أن ادم عمر يعلم سلفاً مصير ضحاياه, فبعضهم يزوره عن عمدٍ بقصد إنهاء معاناته, والبعض الاخر نكايةً فى اقرباءه, حتى همس الهامسون أنه عجّل بوفاة الثرى حسين عزالدين لثأر قديم بينهما, وأن حسيناً اجهش باكياً عندما راه وتلا وصيته على إبنه البكر, لم تمهله غبينة ادم عمركثيرا فمات قبل اذان المغرب. تشجعت واستقليت احدى الحافلات المتجهة إلى بُرى, فى الطريق حاولتُ رسم صورة قاتمة لحالة إبراهيم حتى لا يهلكنى وخز الضمير بالمسئولية عن موته, ادخلتنا الممرضة لعنبر فاحت منه رائحة موتٍ حديث, صُعِقت حين وجدت إبراهيم يتحدث لضيوفه بصوتٍ عالٍ, وقهقهات حيةً تجلجل فى فضاء العنبر, ارتبكت, فثقافتى الصحية عن مرضى السرطان لم تتعد موتهم الوشيك, لعنت فى سرى كثير من المجلات والصحف التى عتمت على ذهنى إدراك عقار الرغبة فى الحياه, سلّم علينا بالأحضان وربطنا بحديثه بسرعة, أسهب فى بسط تطلعاته الشخصية, ولم يغفل العام مطمئِناً لنا بزوال كابوس الجبهة الإسلامية بقليل من التنظيم والجدية. غادرته ونفسى تتضاءل امام نفسى, زاد احساسى بالتضاؤل إصراره على مرافقتنا حتى الباب الخارجى. ظل تضاؤلى يزداد حتى احسست بنفسى فى حجم ناموسة, مكننى هذا الشعورمن الإلتصاق بسهولة بحافلة متجهة للخرطوم, تجولت بلا هدى فى السوق العربى, قادتنى قدماى الى دكان مبارك, حدثت نفسى بصوت مرتفع بقرب موت إبراهيم اليوم او غدا, تحسس مبارك جبينى, نفحنى مبلغاً من المال واوصلنى لموقف حافلات الثورة, أكثر من الوصايا بأن أبتاع قليلا من العرقى حتى انام. لا أدرى ما هى الكمية التى احتسيتها, لكنهم اخذوا ثمن العرقى من جيبى واستأجروا عربة كارو لتوصيلى, تكومت فى السرير حتى الصباح, لم اعتنى بكى القميص, لفحته مهرولا لحى العرضة لمقابلة الشباب. هزنى ياسر بعنف: قوم نمشى الحاج يوسف نشيل الفاتحة!
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-07-07, 11:21 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Elsuhaili Magzoub | 07-07-07, 02:28 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-08-07, 01:00 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Elsuhaili Magzoub | 07-08-07, 01:50 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | خضر حسين خليل | 07-07-07, 03:51 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Elsuhaili Magzoub | 07-07-07, 04:40 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-08-07, 01:16 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | سلمى الشيخ سلامة | 07-07-07, 04:50 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-08-07, 01:24 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | abubakr | 07-08-07, 03:24 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Ahmed Yousif Abu Harira | 07-08-07, 07:23 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:34 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:30 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Tariq Mohamed Osman | 07-08-07, 08:37 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محمدين محمد اسحق | 07-08-07, 09:29 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:39 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:38 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | خالد العبيد | 07-08-07, 08:52 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:41 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | abdulgafar mohd saeed | 07-08-07, 10:04 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:48 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Ashraf el-Halabi | 07-08-07, 11:04 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Elsuhaili Magzoub | 07-09-07, 02:06 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:51 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | عمر ادريس محمد | 07-09-07, 03:01 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Osman Musa | 07-09-07, 03:50 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | عاكف مختار | 07-09-07, 10:25 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | مصطفي سري | 07-09-07, 01:17 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 02:37 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 01:55 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 01:40 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 01:36 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Mahjob Abdalla | 07-09-07, 05:42 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 02:53 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | خالد العبيد | 07-09-07, 10:35 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Elsuhaili Magzoub | 07-10-07, 04:54 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 00:17 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 04:34 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 04:12 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | صالح عبده | 07-11-07, 06:54 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-11-07, 04:25 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | نهال الطيب | 07-11-07, 05:03 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-12-07, 04:31 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | تماضر الخنساء حمزه | 07-11-07, 07:38 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-12-07, 04:41 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | تماضر الخنساء حمزه | 07-12-07, 08:57 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محمدين محمد اسحق | 07-12-07, 09:09 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | معتصم ود الجمام | 07-13-07, 00:14 AM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-13-07, 01:54 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-13-07, 01:44 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | محى الدين ابكر سليمان | 07-13-07, 01:05 PM |
Re: إبراهيم الباشا مات! | Elsuhaili Magzoub | 07-19-07, 07:18 PM |
|
|