يحتفل الماليزيون بيوبيلهم الذهبي للاستقلال وأهل السودان تتعدد أعيادهم: أحمد إبراهيم أبوشوك

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-04-2024, 02:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-14-2007, 09:17 AM

Ahmed Abushouk

تاريخ التسجيل: 12-08-2005
مجموع المشاركات: 344

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
sssss
يحتفل الماليزيون بيوبيلهم الذهبي للاستقلال وأهل السودان تتعدد أعيادهم: أحمد إبراهيم أبوشوك

    يحتفل الماليزيون بيوبيلهم الذهبي للاستقلال
    وأهل السودان تتعدد أعيادهم

    أ.د. أحمد إبراهيم أبوشوك

    احتفلت الدولة الماليزية ذات الأعراق المتعددة في الحادي والثلاثين من أغسطس 2007م بعيد استقلالها الخمسين، وكان الاحتفال بجانب مظاهره الجماهيرية تقويماً حقيقياً لتجربة شعب رائد أفلح بفضل عطائه السامق في أن يصنع من نفسه أنموذجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً مرموقاً في جنوب شرق آسيا ودول العالم الإسلامي. وقد كان هذا الانجاز عبارة عن عملية تراكمية وضع لبناتها رئيس وزراء ماليزيا الأول ورائد استقلالها تنكو عبد الرحمن (1957-1969م)، وأعقبه تون عبد الرزاق (1970-1976م)، الذي حافظ على الصرح السياسي، وقوَّم مسار تجربة التعليم في بلاده، وجاء من بعدهما تون حسين أون (1976-1981م) الذي صان إرث سابقيه، وتطور بعض جوانبه السياسية والاقتصادية. واستقام صرح هذا العطاء التراكمي في عهد تون محاضير محمد (1981-2003م) الذي اجمل سر نجاح التجربة الماليزية في مضابط الحوار الذي أجراه معه الأخ الصديق الدكتور محسن محمد صالح، الأمين العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ببيروت، في شهر أغسطس 2006م، وذلك عندما صدع بقوله:

    في ماليزيا لدينا اختلافات دينية، وعرقية، وثقافية، ولغوية، ولدينا تباينات اقتصادية، ولكننا اعتبرنا أن أهم شيء للتطور هو تحقيق الاستقرار الذي يقوم على التسامح فيما بيننا ... ثم قررنا أن نشرك الجميع في السلطة والثروة ... لأنك لا تستطيع أن تستحوذ على كل شيء لنفسك ... وإذا حاولت أن تفعل ذلك فسيكون هناك عدم استقرار وفوضى، ولن يتحقق النمو الاقتصادي ... أما عندما تتحقق مشاركة الآخرين، فإنهم سيشعرون أن لهم نصيب في السلطة والثروة ... أما باقي الأمور فهي مسائل إدارية، تحتاج إلى تخطيط حاذق يقوم على الخبرة والكفاية المهنية. (حوار الدكتور محسن صالح مع تون محاضير محمد).

    فلا عجب أن هذا النص يؤكد إيمان الدكتور محاضير بأهمية مدخل تقسيم الثروة العادل وتنميتها باعتباره مدخلاً مهماً للتغيير والتحديث، حيث يأتي في الأولوية بعد قسمة السلطة السياسية، وتفعيل مؤسساتها الديمقرطية. ويستشهد الدكتور محاضير في هذا المضمار بما يُعرف بـ "السياسة الاقتصادية الجديدة"، التي وُضعت لبناتها بعد الاضطرابات العرقية التي اندلعت في كوالالمبور في 13 مايو 1969م بين الصينيين الماليزيين والملايويين أصحاب الأرض. فكانت هذه الخطة الاستراتيجية العشرينية تهدف إلى خلق موازنة اقتصادية بين الصينيين، الذين يسيطرون على منافذ الثروة، ويشكلون ثلث سكان ماليزيا، والملايويين الذين يعيشون على منتجات الهامش الزراعي الريفي، ويشكلون نصف السكان تقريباً. فمبدأ إعادة الموازنة الذي انطلقت منه الحكومة الماليزية كان يقوم على معادلة تقضي بتوسيع مواعين الثروة الاقتصادية، ثم إعطاء الأولوية للكتل المهمشة، مع صيانة الكسب الذي حققته القطاعات صاحبة الحظ الأوفر في مجمل العملية الاقتصادية. وفي ضوء هذه المعادلة المستحدثة ذات القاعدة العريضة ارتفع نصيب الملايويين في الثروة الاقتصادية من 2.4% إلى 30%، ولازمه ارتفاع نسبي طفيف في نصيب الكتل غير الملايوية (الصينيين والهنود) من 34.3% إلى 40%، بينما تم خفض نصيب الأجانب المستثمرين من 63.3% إلى 30%.
    وبهذه المعادلة الخلاقة تمَّ خلق قاعدة صُلبة للاستقرار السياسي صاحبها استقرار اقتصادي، وعُضد كليهما بنظام تعليم مبدع، رُوعي فيه التوسع الأفقي لمصلحة السواد الأعظم من المواطنين، والتوسع الرأسي المدروس والمحسوب للقلة المتفوقة، والتوازن الإيجابي بين متطلبات التعليم الأكاديمي والتعليم الفني، ثم إعطاء الأولوية للمناطق المهمشة لتسير بمتوالية هندسية في مجال التعليم العام مقابل متوالية حسابية في المناطق الحضرية التي حظيت بنصيب أوفر في عهد الاستعمار البريطاني والحكومات الوطنية التي أعقبت الاستقلال. وبذلك يرى الدكتور محاضير أن نظام التعليم الأكاديمي، وما صاحبه من تدريب فني ومهني، وتحسين في أجور العاملين، كل ذلك كان بمثابة حجر الزاوية وصمام الأمان لنجاح التجربة الماليزية، لأن تنمية القوى البشرية قد أسهمت في خلق قيادات سياسية مؤهلة، ومدركة لطبيعة التحديات التي تواجهها، وكيفية التعامل معها بأسلوب حضاري يتوافق مع متطلبات العصر ومستجداته، وفي رفد الخدمة المدنية العامة ومؤسسات التعليم العام والعالي بكوادر مهنية مؤهلة، وقادرة على حمل الرسالة التنفيذية والمهنية الملقاة على عاتقها.
    وبعد النجاح الذي حققته "السياسية الاقتصادية الجديدة" وملحقاتها السياسية والاجتماعية والثقافية، تم الاحتفال بميلاد خطة استراتيجية جديدة تُعرف بـ "الرؤية 2020" في عام 1990م، وفي هذا يقول دكتور محاضير: إن مرتكزات الرؤية "2020" تعني أن ماليزيا بحلول عام 2020م ستكون دولة صناعية متقدمة. ويقتضي تحقيق هذا الحلم الوطني، حسب وجهة نظره، تفوق الماليزيين حكومة وشعباً على تسعة تحديات استراتيجية، يجملها فيما يلي:
    1- التحدي الأول هو بناء دولة ماليزية متحدة، لها وعي وإدراك بالمصير المشترك، الذي يساهم الجميع في صيانته، وينبغي أن تكون هذه الدولة في حالة سلام مع نفسها، وتتكامل بين وحدة أراضيها ووحدتها العرقية، وتعيش في حالة من التناسق، والتناغم، والمشاركة الكاملة والعادلة، التي تجعل منها وحدة واحدة تتمتع بالولاء السياسي والإخلاص للوطن.
    2- التحدي الثاني يتمثل في إقامة مجتمع ماليزي متحرر نفسياً، ويتمتع بالطمأنينة والإيمان والثقة بالنفس، ويشعر بالاعزاز المستحق لما حققه من انجاز، ويكون قوياً بالقدر الكافي الذي يجعله يواجه أي ضرب من ضروب الشدائد والإحن، ويتميز أيضاً بالسعي الدؤوب وراء التجويد والامتياز، ويكون مدركاً تماماً لإمكاناته وطاقاته، ولا يخنع نفسياً لأحد، بل يجعل شعوب الأمم الأخرى تحترمه وتفخر بعطائه.
    3- التحدي الثالث يتبلور في خلق مجتمع ديمقراطي ناضج ومتطور، يمارس نمطاً من الديمقراطية الماليزية الراشدة والمتواضع عليها، التي أنشاها المجتمع الماليزي طبقاً لظروفه الخاصة، وقدمهما نموذجاً لعدد من الدولة النامية.
    4- التحدي الرابع يتجسد في إقامة مجتمع أخلاقي ومعنوي متكامل مع بعضه بعضاً، ويكون مواطنوه ذوي قيم دينية وروحية قوية، ومعايير أخلاقية سامقة.
    5- التحدي الخامس هو تحدى يتبلور في إقامة مجتمع راشد، ومتحرر، ومتسامح عرقياً وديناً، يكون فيه الماليزيون أحراراً في ممارسة عاداتهم، وثقافاتهم، ومعتقداتهم الدينية، والتمسك بولائهم لها، ومع ذلك يشعرون بأنهم جميعاً ينتمون لأمة واحدة.
    6- التحدي السادس يتجسد في إقامة مجتمع علمي ناهض، يحب الابتكار، ويتطلع إلى الأمام، وليس فقط مستهلكاً للتكنولوجيا الحديثة، بل مساهماً في صناعة حضارتها ومستقبلها العلمي.
    7- التحدي السابع يقضي بإقامة مجتمع له اهتماماته التي يرعاها وفق نسق ثقافيٍ واعٍ، ونظام اجتماعي يعطى الأولوية للمجتمع قبل الفرد، ويسعى لرفاهية الشعب من خلال نظام أسري قوي ومرن، دون أن يكون متمحوراً حول الدولة أو الفرد.
    8- التحدي الثامن يتبلور في قيام مجتمع تسوده العدالة الاقتصادية، وينعم بمشاركة جميع أفراده مشاركة متكاملة في عملية التقدم والازدهار.
    9- التحدي التاسع يتجلى في إنشاء مجتمع مزدهر وناجح، يكون الاقتصاد فيه قادراً على المنافسة الحرة، ونشطاً ديناميكياً ومرناً، وله القابلية على التكيف مع الظروف الطارئة. (لمزيد من التفصيل انظر موسوعة محاضير، مجلد 5، 199-213).

    وإذا أمعنا النظر في هذه التحديات التسعة نجدها تصب في وعاء استرايتجيةٍ مدروسةٍ، بعيدة عن السياسات المرتجلة التي نعيشها في السودان، والتي تقوم على تفكير النسق الذي تحكمه قيم قطاعية لها مصالحها الذاتية التي تتعارض مع الصالح العام. وهنا مربط الفرس حيث تعددت أعياد أهل السودان (نوفمبر 1958م، أكتوبر 1964م، مايو 1969م، رجب/أبريل 1985م، يونيو 1989م) والعيد واحد، فهو عيد الاستقلال الذي قطفنا ثماره في يناير 1956م. ولا يسقط هذا الاعتراف بمرجعية الاستقلال حقنا في تقويم تجربة الاستقلال وتداعياتها، وتوجيه مسارها تجاه هدف استراتيجي واحد يخدم تطلعات الصالح العامة دون التقوقع في دائرة متطلبات مصالحنا القطاعية. وهذا الواقع يقودنا إلى طرح سؤال محوري مفاده:

    لماذا تتعدد أعيادنا الوطنية في السودان والعيد واحد؟
    كما أشرنا في صدر هذه المقال إن الماليزيين احتفلوا بيوبيلهم الذهبي، وثـمَّنوا إنجازاتهم المنصرمة وأعدوا العدة لمستقبل أتٍ. وبهذه الكيفية توحدوا حول عيد استقلالهم المجيد كمرجعية ونقطة انطلاق نحو كسب وعطاء أرحب في أفاق الحياة العامرة بالتحديات. إذاً القضية التي تطرح نفسها هي: أن استقلال السودان حدث قبل عام من استقلال ماليزيا، لكن لا زال أهل السودان يبحثون عن مرجعية ينطلقون منها، ومن ثم تعددت أعيادهم، واختلفت أهدافهم، وغابت الرؤية الاستراتيجية في قاموسهم السياسي، علماً بأن التغيير والتحديث اللذين ينشدهما أهل السياسة في السودان يحتاجان إلى رؤية استراتيجية فاحصة، ولا تتحقق هذه الرؤية إلا إذا توفر لها الاستقرار السياسي اللازم والتام، ولا يتحقق الاستقرار السياسي اللازم إلا إذا حدث تقسيم عادل للسلطة والثروة، وتقسيم السلطة والثروة العادل يحتاج إلى قيادات سياسية شجاعة، تؤمن بمرتكزات رؤيتها الاستراتيجية التي تعاهدت على تنفيذها مع الناس، وقضية التنفيذ نفسها تحتاج إلى جهاز إداري ومهني كفؤ، لا يستمد شرعيته من القوى القطاعية ذات المدارات الضيقة، بل يستلهمها من قوة القانون، وكفاءة الأداء الإداري والفني، وحرية الحركة الخلاقة المبتكرة. فلا جدال أن هذا ما عناه الدكتور محاضير محمد في حواره مع الأخ الدكتور محسن صالح، وشرحه تفصيلاً في مجلدات موسوعته العلمية، وطبقه على صعيد الواقع من خلال أداء دولة مؤسسي. وحسب وجهة نظري المتواضعة فإن مشكل أهل السودان يكمن في الآتي:

    أولاً: أزمة الرؤية الاستراتيجية
    كانت أزمة الرؤية الاستراتيجية التي يعاني منها سودان ما بعد الاستقلال واسطة عقد الفشل التي أجمع حولها الباحثون، لأن أعراضها الأولى تجلَّت في ضعف السلطة السياسية المركزية (سواء كانت مدنية أو عسكرية)، وتجسد هذا الضعف في عجزها عن وضع دستور دائم يتعاهد عليه الناس، باختلاف ألوان طيفهم السياسي، ومشاربهم الفكرية، ثم يتواضعون على مرجعيته الثابتة في حل نزاعاتهم الآنية، وما تحبله لهم الأيام والليالي من قضايا وخلافات مصيرية. وتعني مرجعية الدستور في هذا المضمار الاستقرار السياسي القائم على التسامح الوطني وسماع الرأي والرأي الآخر عبر مؤسسات ديمقراطية راشدة، وتعني تطوير قدرات القوى القطاعية في تحقيق كسبها الجماهيري المشروع وتوجيه ذلك الكسب في خدمة الصالح العام، وتعني تحقيق التنمية المتوازنة بين المركز والتخوم (أو ما يعرف بالهامش). فإن غياب هذه البوصلة الاستراتيجية الموجِّه لمسار أهل السودان قد أدى إلى إندلاع مشكلة الجنوب، وتداعياتها السياسية والعسكرية، وإلى جدلية الحلقة المفرغة بين المؤسسة العسكرية ومنظمات المجتمع المدني بشأن تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وأخيراً تبلورت حصيلة هذه الأزمة في طبيعة الحراك السياسي القائم الآن في السودان، الذي أصبح حراكاً محموماً ومهووساً بهاجس السيطرة القطاعية، الأمر الذي قوَّض حيادية السلطة السياسية المركزية، وجعلها تدور في فلك القوة الغالبة والمسيطرة، التي تحرس نفسها وزبانيتها بقوة السلاح التي لا تقوى دوماً على قهر إرادة الشعوب وسلب حقوقهم المكتسبة، ولكنها في الوقت نفسه تفشل في تحقيق العطاء المثمر والتواصل الإيجابي الجاد بين أهل الوطن الواحد، ويتحول بذلك التدافع الفكري والسياسي إلى صراع طاحن ومدمر، تحكمه سيناريوهات عسكرية، تقوم على منطق القوة وأسلوب الغاب. ويصبح شأن القضايا الداخلية شأناً دولياً، يُناقش على طاولات مجلس الأمن ومؤسسات المجتمع الدولي، وتحاك المؤامرات بشأنه على موائد القوى الأمبريالية الطامعة في ثروات السودان وموارده الطبيعية، وهنا يختلط الحابل بالنابل، ويضحى الشأن الوطني شأناً متنازعاً حوله محلياً وإقليماً ودولياً، وتظل سيادة الدولة القُطرية سيادة منقوصة ومحاصرةً.

    ثانياً: تدهور الخدمة المدنية
    إن غياب الرؤية الاستراتيجية ألغى بظلاله على مؤسسات الخدمة المدنية وأضعف أداءها العام، لأنه جعل القائمين بأمر السلطة السياسية يستبدلون الذي هو أدنى (الولاء) بالذي هو خير (الخبرة)، ويفسحون المجال للعمل التنفيذي والإداري الأخرق، الذي لا يلتزم بأدبيات الخدمة الديوانية، والأعراف المهنية المرعية في الخدمة المدنية العامة، ومن ثم تصدر القرارات التنفيذية في المحافل العامة، والتجمعات الجماهيرية دون دراسة أو تمحيص، ويُؤسس بعضها على استشارة بطانة قطاعية لا تفكر إلا داخل النسق التنظيمي والمطامع الذاتية. وبذلك فقدت الخدمة المدنية العامة في السودان مصداقيتها وحياديتها، وأصبحت كـ"المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى". لذا فنجد العذر للأخ الأستاذ محجوب بابا عندما هاجم التعديل الإداري الذي حدث في دار الوثائق القومية بالسودان، بحجة أنه قد أعطى اليد العليا للدكتور كبشور كوكو، الذي لا نشك في تأهيله الأكاديمي في مجال علم النفس، ولكن نطعن في شرعية توليه لإدارة دار الوثائق القومية خلفاً لأمينها العام الدكتور علي صالح كرار، الذي عمل بإدارة دار الوثائق أكثر من أربعة عقود متتالية، وسَّع خلالها مداركه في مجال علم الأرشيف وإدارة الوثائق. فإذا كان هناك تحفظ على قدرته الإدارية بحجة أنها لا تواكب تطلعات الجهاز التنفيذي-السياسي، فيجب أن لا يدفعنا هذا الموقف إلى الطعن في خبرته المهنية، التي يفترض أن تجعله أهلاً للبقاء بدار الوثائق بدلاً من الإنتداب إلى جامعة النيلين. والإنتداب في عرف العمل الديواني يجب أن يتم بناءً على رغبة الموظف المنتدب وحاجة المصلحة المنتدب إليها دون أن يصدر ذلك بموجب قرار جمهوري. ومثل هذا السلوك الإداري يجعل مؤسسات الدولة،- كما يصفها الدكتور عبد الرحيم عمر محي الدين الذي ربما يجرح بعض القُرَّاء في الاستشهاد برأيه بحجة أنه جزء من نظام الانقاذ،- مؤسسات "ديكورية تقرر ما هو مقرر، وتمرر ما هو مجاز سلفاً"، لأن شاغليها "لا يمثلون الشعب السوداني، ولا يمثلون المستضعفين والغبش، ولا يمثلون حتى قواعد الحركة الإسلامية، هؤلاء يمثلون الدولة. وأصلاً لا يمكن أن يكون حبل الحركة الإسلامية وقياداتها في أيادي دستوريين ليس لديهم الوقت ليحلوا مشاكل المؤسسات التي يعملون فيها." فلا شك أن قول عبد الرحيم هذا قد ورد في صياغ حوار أجراه معه الصحفي عادل فضل المولى، وإراد منه أن يكون رسالة تذكيرية لمجلس شورى المؤتمر الوطنى، لكنه في الوقت نفسه يعكس طرفاً من الواقع الإداري في السودان، الذي يصب في خانة تدهور الخدمة المدنية واعاقة الإصلاح الإداري في السودان.


    ثالثاً: تسيس المؤسسة العسكرية
    استأنس في هذا المضمار بقراءة لمقال نشره الأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين في صحيفة الصحافة في 1/9/2007م، العدد 5106، تحت عنوان "لعبة السياسة بين العسكريين والمدنيين"، وتتبلور خلاصة هذا المقال في رفضه للفرضيَّة القائلة: "بأن الجيش لا يتدخل في الحكم إلا عندما يثبت السياسيون فشلهم في إدارة البلاد، وأن السياسيين هم الذين يغرون الضباط بالانقلاب على الحكومة المنتخبة، وهم الذين يصنعون سياسات الحكم بعد الإنقلاب." فاعتقد أن الطيب محقٌ فيما ذهب إليه، لأن كل المحاولات الانقلابية (الناجحة أو الفاشلة في السودان) لم تقم بها قيادة الجيش العليا، وذلك باستثناء انقلاب نوفمبر 1958م، وإنما قامت بها قيادات وسيطة. وكانت حصيلة ذلك، كما يرى الدكتور الطيب، "أن دفع الجيش السوداني ثمناً غالياً بتسيس مناصبه العليا، وبفقدانه ضباط أكفاء يحالون للتقاعد، أو الصالح العام، أو تتخطَّاهم الترقيات، لأن الحكومة العسكرية الجديدة لا تطمئن إلى ولائهم، ويصبح التنافس داخل القوات المسلحة قائماً على أساس التقرب والولاء السياسي أكثر منه على أساس الكفاية المهنية، الأمر الذي يضر بكفاءة" المؤسسة العسكرية. وتحوم الشبة أيضاً حول طُهر العسكريين، بحجة أنهم لم يكونوا أكثر كفاءة أو أقل فساداً من الحكومات الحزبية، ويكفي أن الشعب السودان قد ثار ضد نظامين عسكريين، وأطاح بهما، ولم يثر مرة واحدة ضد نظام ديمقراطي بقصد الإطاحة به. إذاً المخرج من هذه الدائرة المغلقة القائمة على حكم مدني، يعقبه حكم عسكري يقود الناس إلى طريق مسدود، ثم في خاتمة المطاف ينادى بالعودة إلى حكم مدني عبر ديمقراطية تعددية هو التواضع على نظام تعددي ديمقراطي، لأنه هو الأنسب لسودان متنوع ثقافياً وعرقياً، وذلك في إطار حكم لا مركزي (أو فيدالي) يمثل الخيار الأفضل لتطلعات بلد مترامي الأطراف، تتفاوت أقاليمه في التنمية والخدمات، ويتطلع أبناء تلك الأقاليم للمشاركة في السلطة والثروة، فإن طبيعة الحكم العسكري الشمولية وقبضته المركزية تجعله غير صالح لمقابلة التحديات.
    وبذلك يخلص الدكتور الطيب إلى أن تجاوز مرحلة تكرار التجارب الفاشلة، لا يتحقق إلا بإيجاد إطار دستوري متفق عليه، يكون أساساً لحكم ديمقراطي مستقر ينهض بالسودان، ويدعم وحدته، ويعضد قوميته. وبعد تحقق ذلك يمكن أن يحتفل أهل السودان بعيد واحد، يمثل مرجعيتهم السياسية والقومية، ويجعلهم يقلعون عن الاحتفال بأعياد قطاعية لا تمثل تطلعات أهل السودان. فالخلاصة التي توصَّل إليه الدكتور الطيب زين العابدين يجب أن تقرأ مقرونة مع ملامح التجربة الماليزية ومعالجة الإشكالات التي أشرنا إليها أعلاه، علها مجتمعةً تقدم أساساً مرجعياً لأهل السودان، يساعدهم في بلورت رؤياهم الاستراتيجية الخاصة بواقعهم المعيش ومتطلباتهم الحياتية، وفي قسمة السلطة والثروة الضيزة، وفي دفع عجلة التطور السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وذلك قبل أن يطل عليهم ضحى الغد، ويمسى سودانهم الحبيب أثراً بعد عين.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de