هنا فداسي-2

تعقيب علي حديث
الأخت سمية الحسن طلحة

كان طرحك مشوقاً لموضوع الطاقات البشرية وقدرتها العلاجية لعلم حديث يرمز إليه بـ "PHE " وظني فيه حسن ومنطلق، فقلت على سبيل المداخلة والتفكه وخلفيتي العلمية لا تشدني أو تستهويني للرد علي ما جاء فيه، وسأحاول الاستعانة بالجاحظ وكتابه في الحيوان قد جمع فيه من غرائب طبائع الحيوانات معالجاته ما يبعث على التفكر والتدبر رغم البعد الزماني البعيد ما بين عصره وعصرنا ، وما بين يعقل العالمون ويجهل الجاهلون والحكمة قد تستقى من العاقل وغيره، فبعد الشبع لا تستطيب الأسود إلا الملح وقد تقطع الفراسخ لغرضها لتعود من حيث أتت وقد التمست العلاج، وسنعرض لمزيد من التفاصيل حول لذلك إن شاء الله عما قريب. ومن جانب آخر أرى أن طريقة علماء الاجتماع في التشخيص والتوصيف للأوبئة والآفات أدل وأعمق، وقد قطعوا في ذلك الشوط البعيد إذْ هم يعالجون ضروب الاعوجاج والنتواءات المرضية ( العضوية والنفسية) لتقويم الكيان النفسي والاجتماعي وما يعتريه، بأفعل مما يصنع أضرابهم في التخصصات الأخرى.
وأعجب العجب أن يكون توصيف الأطباء لالتهاب القولون حيث أنه functional disorder !! فهل تكفي تسميته بالاختلال الوظيفي ليكون ذلك عوضاً لمعالجته باعتباره مرضاً ؟ وصاحب القولون يرى أن شيطان القولون من دون الأمراض كلها سوىً، ولا ينبئك مثل خبير!!
وكنت من قبل أعوام خلين قد وقفت على جدلية وملهاة زعم صاحبها وهو الدكتور/ عبد اللطيف الهندي، عالم الكيمياء الحيوية وأستاذها بجامعة الخرطوم في حقبة السبعينات، أن النوم ليس حاجة فسيولوجية تقتضي التلبية، وأذكر عبارته تماما Sleep is not a physiological requirement" ، ولم يكن من السهل أن نقتنع بمقولته ونحن نعلم أن "السِّنة" والNap من صفة البشر الملازمة، ولا يُحبَرُ الوجهُ ولا تشرقُ أساريره وطرفه ساهر سحابة نهاره وليله، والشعراء أكثر الناس معاناة من السهر وإن كان مثل سهر البرتقال الذي تغني به الفيتوري في الزمان القديم، فما أحوجهم لطائف النوم! وآمل أن يكون الدكتور/ عبد اللطيف قد صحح مفهومه حول انتفاء حاجة البشر للنوم ولو من ناحية الوظيفة العضوية ، ونحن نعلم أنه كان معتدلاً من الناحية الدينية. وأين هو من شكسبير الذي سبقه بدهر من الدهور؟ وكانت له في معالجات النوم المقالات الحسان، وما كتبه في كتابه "ماكبث" وكيف لماكبث أن يدحر النوم وأنه المطعم والمغذي لفصل الحياتي الثاني، والحياة بلا شك فصول، وفي تعديل كيمائيتها الحيوية، وفي ترتيب دقائقها و خيوطها في نسج حريري رائع ما لفضيلة النوم من أثر لا تخطئه العين لحظةً . فكهذا يكون الالتماس والتلمس !! وتلك صحبة الأبرار من لدن البروفيسور حسن الزين يجلي لك معاني الشاعر الفذ حتى يخامرك الشك والظن أن الذي صدر كأنما صدر من ذاتك ولكنه سحر التعبير ونفاذ قوته وهو بعد صنيعة بشرية تضاف جنباً إلى جنب لتأثيرات القوى البشرية الأخرى في المعالجة !

ورحم الله البصيرة الأمد رمانية الشهيرة "بت مسيمس"، الماهرة بحق في طب تقويم الكسور والرضوخ والأوجاع الهيكلية. وما كان لأحدٍ أن يخرج من عندها ليتمس من بعدئذٍ علاجاً عند غيرها. ونحن نعلم أن طب البصارة ليس من اهتمامات الأطباء المتخصصين في شيء. ولا نقول ذلك من باب التبخيس أو التنقيص وإنما بغرض الإشارة للدور المتكامل والمحسوس لأصحاب البصر والبصيرة فيما يقومون به من وظائف تجعلهم كالنظائر أو النظراء لغيرهم في تكامل حميد. وكانت تكفي الموجوع لمسة من خالد ود حمد - عليه رحمة الله الواسعة – ليستقيم نسقه في لحظة كأن لم تكن به علة أو أن له بها سابق معرفة، وتلك نعمة قد منّها المولى على أهل فداسي وكأنها طويت فمن يعد نشرها بلسان غير حقود؟!
وجزى الله خيراً أخانا العارف الفطن أبا المكاسب فقد حدثنا عن أهمية " ضمة الدعم" في أحدى مقالاتها التي أضاء بها ساحة منتدى فداسي وهو يترجم عن كتاب Men from Mars Women from Venus وفي كونها غنى عن كثير من المعالجات الحديثة القاصرة. فها نحن اليوم أولاء حقائق موجعة والحال يستدعي الالتفاف حول النفس وفصائل المجتمع كأشد ما تكون الحاجة لالتماس المعافاة وإصلاح العطب والاختلال خاصة وأن مجتمعنا كالمحتََّّضر أو المنسرب من بين الأصابع أو الآيل للسقوط نحو هاوية غير منظورة، فمن يتفقد حاله غيرنا ويصلح اعوجاجه ويقيم شأنه؟ أم يترك لعلماء الاجتماع يسوقونه إلى متحف المعطلات الشائكات وقد ذهبت بت مسيمس والبصيرة أم حمد ومن قبلهما خالد ود حمد ؟
وجزى الله خيراً أخانا إسحاق في اقتطافه الحسن البديع، وعرفنا بأناس من طبقة سمية الحسن طلحة، اللهم أجزها عن أهل فداسي الجزاء الحسن. والدعوة للتواصل عبر الجسور المعرفية بلسم الحقيقي غير الزائف به الأنفس تطيب وتغتذي.
ولحظة إمتاع حقيقية عشتها بكل كياني لما عرض علينا المتحدث طرفاً من حديث د. الطاهر الدرديري، العالم المذهل المؤيد، فليت المنبر لا تخطي ركائبه منازل بن العباس أبداً والنفس به دائماً في محفلٍ.

أخوكم
محمد حسن خضر
الرياض
3/7/2007م