مواضيع توثقية متميزة

الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 02:35 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مواضيع توثقية متميزة
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-15-2003, 03:56 AM

HOPELESS

تاريخ التسجيل: 04-22-2003
مجموع المشاركات: 2465

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم (Re: HOPELESS)





    خاصة تلك اللهجة الحادة في نهاية كل رسالة حتى انها استفزت كسرى فمزقها وارسل امراً إلى واليه في اليمن يطلب منه اعتقال محمد (ص) وارساله إليه لمحاكمته على خروجه وجرأته! وهل كان بامكان الرسول تفادي اشعار القوى الكبرى كالروم الذين كانوا يحتلون الشام وهي على اطراف الجزيرة، ولهم علاقات تجارية وثقافية مع العرب وخاصة قريش وان المدينة اقرب إلى الشام من مكة، واحتمال تأثيرها بالقرار السياسي والعسكري الرومي اكبر من غيرها، خاصة إذا شعر الروم بان منافساً جديداً ظهر في الجزيرة العربية التي تسكنها قبائل كثيرة وقوية، يعتمد الروم على بعضها في حروبهم وصراعهم المستمر مع الفرس، والامر يصدق ايضاً على الفرس. وقد يقال ان موقع المدينة في تخوم الصحراء جعلها تحتمي بخط دفاعي واسع لا تستطيع جيوش الروم والفرس قطع فيافيها والمجازفة باجتيازها من اجل محاربة محمد (ص) وتدمير دولته. لقد كان باستطاعتهم الاستعانة ببعش القبائل لشن حرب ضد الدعوة الجديدة، وكان باستطاعة جيوشهم واساطيلهم النزول على الساحل والتوجه إلى المدينة أو حتى قطع الصحراء كما فعل بعض قادتهم في عصور غابرة، فالاسكندر المقدوني اجاز اراض شاسعة تراوحت بن السهول والجبال والهضاب والصحارى، وبالامس القريب استطاع ابراهة ان يصل إلى اطراف مكة مستصحباً الفيلة والتجهيزات العسكرية. لقد كان بامكانهم الوصول لو شعروا بتهديد جدي، ولكن يبدو ان غرور تلك الزعامات جعلها تستهزىء بالرسالة الجديدة، ومقدرة عرب الصحراء على تنفيذ وعودهم لما عرفوا عنهم من قبل من تشتت وتنازع وغزو ونهب وبداوة. فالروم لم يدركوا قوة الدولة الجديدة الا بعد ان دكت جيوش المسلمين اطراف امبراطوريتهم في تبوك ومن قبلها في مؤتة، مما جعلهم ينسحبون إلى قلاعهم المحصنة والاستعداد للدفاع عن حدودهم الجغرافية.

    لقد كان هم الرسول (ص) هو الاجهار بدعوته ووصولها إلى اكبر عدد من الناس والشعوب والامم وكان يطمع أولاً في هداية زعمائهم لما لهم من تأثير على اتباهم. ان التمعن الواعي لسياسة الرسول (ص) مع الشعوب والدول الاخرى، يعطي فكرة عن الاهتمام الواضح بالعلاقات الدولية، فالهجرات المتكررة للحبشة، التي استقبلت اول لاجئين سياسيين، لم يكن الدافع ورائها الهرب من التعذيب، فأغلب المهاجرين كانوا من ذوي النعمة والفضل في قبائلهم التي باستطاعتهم حمايتهم لمجرد الوازع القبلي والتعصب العشائري، من الاضطهاد القرشي، فمثل جعفر ابن ابي طالب يتمتع بحماية اخوته وابيه وبني عمومته ولا يتوقع ان يبخل بنفسه فيهاجر طلباً لعافية ويترك علي (رض) وعمه حمزة (رض) ووالده ابو طالب وغيرهم من الهاشميين يواجهون قريش وجبروتها. فالغاية من الهجرة اسمى من النجاة بالنفس، والدافع لمغادرة مكة واللجوء إلى دولة اخرى ارفع من الهروب من المواجهة.

    ولو كانت الهجرة فراراً من الاذى والتعذيب كما يدعي المؤرخون وكتّاب السير اذن ما هو المسوغ الذى جعلهم يمكثون إلى السنة السابعة للهجرة؟ اي بعد ان هاجر الرسول (ص) واسس دولة مستقلة في المدينة، واحرز انتصارات عظيمة في بدر وخيبر.

    لعل الرسول (ص) ابتغى من وراء ذلك عدة امور منها المحافظة على مجموعة مؤمنة بالدين الجديد خارج الحدود الجغرافية للجزيرة وخارج نفوذ قريش والعرب، ليطمئن بان جذوة الايمان ستبقى متّقدة فيما لو تعرّض هو واصحابه للتصفية، فهناك من يحمل مشعل الايمان ولو كان بصيصاً، وهناك من يحفظ القرآن ولو سور قليلة. ومنها انّه (ص) اراد ان يدعو اهل الحبشة للاسلام لما عرف عنهم من سلامة نفس وفطرة سليمة وايمان بالله سبحانه وتعالى، فاراد ان يستثمر تلك البيئة وبث دعوته في ذلك المحيط المناسب والارضية الملائمة، وهناك روايات تتحدث بأن النجاشي قد آمن بالاسلام وانّه ارسل رسالة جوابية للرسول (ص) يبايعه فيها على الطاعة(1) ومنها انّه (ص) اراد ان يختبر ردود افعال تلك القوى والدول تجاه دعوته وليتأكد من منهم يمكن عقد تحالفات أو معاهدات معه كما استجاب بعض زعماء القبائل، ورده بعض الملوك رداً دبلوماسياً كما فعل هرقل عندما ارسل إليه هدايا.

    اما رسائل الرسول (ص) فهي من النصوص السياسية الهامة التي يمكن استقرائها واستنباط الجوانب الشرعية واساليب التعامل النبوي مع الدول والزعامات، ويمكن بواسطتها فهم طبيعة الاجواء التي كانت تحيط بالدعوة الاسلامية، والمنهج الذي اتخذه الرسول (ص) في كل واحدة منها وبصورة دقيقة، اضافة للمفردات والالفاظ التي استخدمها في مخاطبة كل واحد من الملوك والزعماء. هذه الرسائل من الذخائر القليلة التي توضح السياسة الخارجية التي انتهجها النبي الكريم (ص) في بداية تأسيس الدولة الاسلامية. وبدراستها ومطالعة نصوصها وفقراتها نستطيع ان نتبع ملامح المنهج الذي اختطه الرسول (ص) في علاقاته الخارجية، هذا اضافة إلى دراسة المعاهدات والاتفاقيات التي عقدها (ص) مع القبائل والعشائر المحيطة بالمدينة المنورة وداخل المدينة وخاصة مع اليهود الذي كانوا يشكلون قوة سياسية وعقائدية واقتصادية وعسكرية.

    العلاقات الخارجية ما بعد صدر الاسلام

    إثر الفتوحات العظيمة التي اعقبت وفاة الرسول الاعظم (ص) وانتشار الاسلام بصورة مطردة خلال عقدين من السنين، حتى فقدت الامبراطورية البيزنطينية اراضيها ونفوذها في الشام وخسرت الامبراطورية الساسانية اراضيها في العراق بل وموطنها الاصلي ايران، وسقطت حكومتها وتشتت جندها وانطفأت نار المجوسية. وسارت الجيوش الاسلامية حاملة مشعل الهداية والتوحيد شرقاً حتى بلغت الهند وحدود الصين، وشمالا باتجاه القفقاس وارمينية وآذربيجان، وغرباً نحو مصر وشمال افريقيا، وطهرت الجزيرة العربية كلها من الاصنام حتى اصبحت خالصة للاسلام.

    لقد صاحب ذلك التحول والانتشار، والدخول في معارك وحروب طويلة مع شعوب وامم ودول متنوعة بعضها أثر الدخول في الاسلام، بعضها آمن طوعاً والبعض الآخر قبل بدفع الجزية والانصياع للدولة الاسلامية. ونشأت علاقات ومعاهدات واعراف تمثل مظاهر للعلاقات الخارجية بين الدول الاسلامية والامم المحيطة بها، وقد جرى التعبير عن هذه العلاقات والاحكام بـ(السيّر) التي كتبها المؤرخون الذين واكبوا تلك الاحداث، أو وضعت ضمن كتاب (الجهاد) باعتبار ان الابتلاء بتلك الاحكام انما يتأثر من ممارسة الجهاد والدخول في صراعات ومعارك مع الكفار الحربيين، فكانت احكام الحرب والقتال والصلح والاسرى والاستئمان والجزية والبغاة وما يصاحبها من السيطرة على الاراضي المفتوحة واحكامها الخاصة بها، هذا اضافة إلى المعاهدات وشروط الصلح وغيرها التي كانت تشكل القواعد التشريعية للسياسة الخارجية للدول الاسلامية. وكانت الوفود والسفارات بين الدولة الاسلامية والدول

    ______________________________________

    1- سيرة المصطفى، ص 183.



    الاخرى تتردد على هذه العاصمة وتلك ناقلة رسالة أو مشروع معاهدة أو عقود تجارية وغيرها.

    وبعد القرن الهجري الثاني اخذ مصطلح (السيّر) يطلق على خصوص (سيرة الرسول) اي حياته واحواله وجهاده. واول ما كتب في السير هو زيد بن علي بن الحسين (ع) حينما خصص فصولاً من كتابه (المجموع) لهذا الغرض(1).

    المؤلفات الاسلامية في العلاقات الخارجية

    لعل اغلب ما كتب في قضايا السياسة والحكم والسلطة والادارة ومنها العلاقات الخارجية في وقت مبكر، يعود لعلماء اهل السنة. فمؤلفات الاوزاعي، ابو يوسف، ابو اسحاق الغزاري، محمد بن حسن الشيباني، ابو حنيفة، ابن خلدون، الماوردي، ابن رشد، ابن حزم، ابن تيمية، ابن قدامة وآخرين غيرهم. وهناك عدة امور واعتبارات منها ان الحكومات التي تعاقبت على حكم الدولة الاسلامية كانت تدين بمذهب اهل السنة اعتباراً من الدولة الاموية، العباسية، السلجوقية، المماليك، الايوبية، الاندلس إلى ايام الدولة العثماية التي آفلت في الحرب العالمية الاولى. ولم تتح للدول التي تتبع المذهب الشيعي الا فترات قصيرة مليئة بالمخاطر والاحداث واللاستقرار.

    ولمّا كان السلاطين والملوك بحاجة إلى دعم شرعي مستعد من علماء الدين وفقهائهم، فقد كان من الطبيعي ان يجد علماء السنة الابواب مفتوحة امامهم، وقد شارك الكثيرون منهم في دعم السلطان والحكومات المتعاقبة، وكان لفتاواهم وقضائهم اثر في تدعيم وترسيخ اركان الحكومات التي توالت على حكم المسلمين طوال قرون عديدة. وقد اتيحت لهم فرص كثيرة للكتابة والتأليف والتصنيف في قضايا الحكم والادارة والسياسة بالطبع وفق المذهب الذي يؤمنون به. وقد طرحوا مشاكل ومسائل عديدة كانت تواجههم وليجدوا حلولاً واحكاماً لهاليقضي بها السلطان بين رعيته. اذن لا غرابة ان نجد هذا التراث الهائل من البحوث والمقالات والمؤلفات التي خصصت لبحث قضايا السياسة والحكم والحكومات.

    اما علماء لشيعة وائمتهم (ع) فقد كانوا طوال التأريخ يواجهون خيارين اما الرضوخ والانصياع ومعاشاة الحاكم وحاشيته واما التصفية الجسدية والتشريد والنفي والسجن. وقراءة منصفة للتأريخ الاسلامي بعد مقتل امير المؤمنين علي (ع) نجد ان الشيعة كانوا مطاردين في كل العصور، وكانت عيون السلطان وجواسيسها تلاحقهم وتحصي انفاسهم، لانهم كانوا يمثلون طرف الرفض، وخندق المعارضة لكل دخيل على الاسلام من احكام تعسفية واثراء فاحش ومصادرة الحريات. فكانت تنحية علمائهم وعزلهم عن ممارسة نشاطاتهم أو عدم توليتهم اية مسؤوليات ومناصب مهما كانوا على درجة من العلم والفضل والتقوى. وكان الرفض المسلح المتسم بالثورات الشيعية وانتفاضاتهم المتوالية تثير القلق بين الجماهير المسلمة ضد السلطة التي لا تجد غير القمع والتقتيل والتشريد اسلوباً لمواجهتها.

    هذه الحالة الهامشية التي فرضت على علماء الشيعة، وتلك الاجواء الخانقة، جعلتهم ينكفؤون على انفسهم وطلابهم وحوزاتهم، واصبح من الصعب التحدث أو التطرق لقضايا الحكم والادارة والسياسة. واخذت البحوث والدروس تسير في اتجاه آخر لا يثير حفيظة السلطان، فاقتصرت اهتماماتهم على

    ______________________________________

    1- الحقوق الدولية في الاسلام، ص 60.



    الاغلب، على البحوث الفقهية والاحاديث والروايات التي تتناول العبادات والمعاملات الاقتصادية والحقوقية والشخصية، واتسمت بالطابع الفردي، اي انها نأت بعيداً عن الطابع الاجتماعي والسياسي للاسلام والذي تفرضه طبيعة الاحكام وغاياتها.

    ان ابتعادهم عن الميدان السياسي العلني جعلهم يضطرون للنزول تحت الارض والعمل السري والتقية، كما ان افتقادهم للتجربة الميدانية والقضايا اليومية المتعلقة بالحكم والقضاء ابعدهم عن التطرق لهذه المسائل الا في الخطوط العامة للقضايا الفقهية والحقوقية والجزائية.

    وبالرغم مما ذكرناه آنفاً، فلا يعني ذلك بان ائمة اهل البيت (ع) وعلمائهم كانوا منعزلين عن الحياة العامة أو التعرض لبعض هذه القضايا، وخاصة في فترات الارتخاء عندما تنحسر عنهم شدة الارهاب وتنخفض الممارسات التعسفية، في لحظات ضعف الحكومات أو انشغالها باعداء آخرين غيرهم. بل ان بعضهم تدخل عندما شعر بأن الدولة الاسلامية في خطر على الرغم من ايمانه بعدم شرعية السلطات الحاكمة، فالامام علي بن الحسين السجاد (ع) تدخل عندما شعر بأن التهديد الرومي بمنع تصدير العملة الذهبية الرومية إلى بلاد الاسلام اثر توتر العلاقات بين الطرفين، بان ذلك سيؤدي إلى كارثة اقتصادية، وكان الخليفة الاموي حائراً في امره لا يدري ماذا يفعل، فاقترح الامام السجاد (ع) عليه ان يقوم بضرب سكة ذهبية جديدة تحمل شعار الدولة الاسلامية ويستغني بذلك عن الحاجة للتعامل بالعملة البيزنطينية، فضربت اول نقود اسلامية آنذاك.

    وكانت اوضاع الدولة الاسلامية وخاصة علاقاتها مع الامم المجاورة تثير قلق واهتمام الائمة (ع)، فانبرى الامام السجاد (ع) بدعاء خاص لحماة الحدود المرابطين والمستعدين لمواجهة الكفار وحماية حدود الدولة الاسلامية وسمي بدعاء «اهل الثغور» وفيه تحريض للمسلمين وتذكيرهم بوجوب دعم المرابطين بالمال والنفس ورعاية اهلهم وذويهم في غيبتهم.

    ولا تخلو الاحاديث والروايات المنقولة عن الائمة (ع) من التعرض لقضايا الحرب والدعوة للاسلام والجهاد والبغاة والمعاهدات وغيرها مما يدخل في نطاق العلاقات الخارجية، فالشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي صاحب كتاب «وسائل الشيعة» يورد حوالي ثلاثمائة حديث ورواية عن ائمة اهل البيت (ع) في ابواب جهاد العدو، احكام المرابطة، القتال، الاسرى، الدعوة، البغاة، آداب القتال والجيوش، الاستئمان، الجزية والامر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يكاد كتاب فقهي أو رسالة تخلو من تخصيص باب للجهاد والدفاع، فكتاب (اصول الكافي) وهو من المصادر الشيعية المعتبرة في الحديث. خصص مؤلفه باباً للجهاد والغنائم والانفال والخراج بعد ما تطرق لقضايا الولاية والامامة التي تشكل حجر الاساس لمنهج الحكم واختيار الحاكم في الفقه الشيعي.

    المنهج الاسلامي في السياسة الخارجية

    ليست المحاولة للتعرف على ملامح المنهج الاسلامي بيسيرة، وسط المناهج السياسية التي تتقاسم العالم اليوم، ومدت جذورها وآثارها على كل النشاط الانساني، واكسبتها التجربة التاريخية والعملية على مواكبة الظروف والتكيف مع التطورات والتغييرات التي تبرز بين حين وآخر. وإذا كانت المناهج السياسية المتبعة اليوم هي تعبير تاريخي واضح عن النشاط الفكري والحضاري للانسان الاوربي، وليس نجاحها في تلك البيئات كأطر للفلسفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الا بسبب تفاعل الشعوب الاوروبية مع تلك المناهج وحركتها في حقول الحياة وفقاً لاتجاه هذه المناهج ومتطلباتها واستعداداتها النفسي المتناهي خلال تاريخ طويل لهذا الاندماج والتفاعل(1).

    فحين نريد ان نختار منهجاً أو اطاراً عاماً للنظام السياسي الاسلامي يجب ان نأخذ هذه الحقيقة اساساً ونفتش في ضوئها عن مركب حضاري قادر على تلبية حاجة الدولة الاسلامية الحديثة من جهة، وقادر على تعبئة قوى وطاقات الامة باتجاه الاهداف التي تسير قدماً نحوها. وبقدر ما تكون مكونات وعناصر النظام السياسي الاسلامي منسجمة مع العصر الحديث والواقع الدولي المعاصر، فيجب ان لا تخرج عن الاطر والضوابط التي وضعتها الشريعة الاسلامية للتحرك. فالقواعد الفقهية والآراء الاجتهادية تبقى تتحرك داخل الحدود المباحة والواجبة مع قدرة على التكيف للعنصرين الزماني والمكاني تمتاز بها الشريعة الاسلامية اعتماداً على المرونة المناسبة التي تنطلق من عدة ابواب شرعية كالمصلحة العامة والضرورة والاحكام الثانوية.

    هذا المنهج الذي يحدد ويرسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، ويضع الاستراتيجية الواضحة التي تجعل التحرك وفقها يسيراً، ثم تتفرع القضايا وتوزع الادوار والمراحل، وتشخص الامور الآنية والبعيدة، يحتاج إلى المام جيد وعميق بالنظرة العامة للعلاقات الدولية والسياسية الخارجية وفق المنظور الاسلامي، حتى يصبح خط السير واضح المعالم، عندها تبدأ مرحلة الجزئيات والتفاصيل التي تضع الخطوات واحدة بعد الاخرى لبلوغ الهدف. فلا يمكن التماس معالم نظرية السياسة الخارجية بالاعتماد على الآيات والاحاديث ذات العلاقة أو التي تنسجم مع الموضع بصورة مجزأة أو منفصلة عن المنهج الاسلامي العام ونظرة الاسلام للعلاقات الدولية وسلوك الحكومة الاسلامية تجاه الشعوب والامم الاخرى، فالتجارب القصيرة للرسول (ص) وامير المؤمنين (ع) قد تعين في رسم بعض المفردات وليس كلها، ومع ذلك تبقى ممارسات وسياسات ذلك العصر متأتية من متطلبات ذلك العصر ايضاً. فليس المهم ان نقلد الشكل الظاهري أو البناء الفوقي للسياسة النبوية دون التعرف على حقيقة المنهج الذي كان يسير عليه، والذي تأتي الاحداث والقضايا كمصاديق لذلك المنهج. نعم يمكن الانطلاق من سياسة الرسول (ص) والامام (ع) كأسس تحتية في صيغ التعامل مع المفردات العصرية للسياسة الخارجية واستنباط الضوابط والاهداف على ضوء تلك التجربة الغنية في صدر الاسلام، ومع ذلك فهناك الكثير من المستجدات والنظريات القانونية والمفردات السياسية الدولية بحاجة إلى صيغة تنبع من المنهج الاسلامي الاصيل للتعامل معها، تحافظ على وحدة المنهج من جهة، وتتفاعل وتؤثر في النظام الدولي من الجهة الاخرى.

    فالفقيه مثلاً عندما يريد ان يتناول موضوعاً أو قضية تتعلق بالسياسة الخارجية أو العلاقات الدولية وفق التصور الاسلامي، يحتاج إلى المام كاف بالمصطلحات والمفاهيم السياسية المتداولة ومدلولاتها، معرفة جيدة بطبيعة النظام الدولي والمؤسسات الدولية والمناهج السياسية، عند ذاك يمكنه التعامل معها، وترجمة تصوراتها إلى اللغة الفقهية التي يعتمدها في استنباط الاحكام وصياغة مفاهيم وتصورات اسلامية قادرة على التفاعل مع الواقع السياسي الموجود. فالفقهاء قد خطوا خطوات واسعة في مجالات التعامل مع القضايا

    ______________________________________

    1- اقتصادنا، الشهيد محمد باقر الصدر، ص 13.



    والمفردات الحضارية كالتكنولوجيا والمواصلات والتطور العلمي والطبي وغزو الفضاء، اضافة إلى المظاهر الحديثة كالبنوك والمصارف والنظام المالي وتحويل العملات والصكوك وغيرها بصورة استوعبوا فيها هذه المفردات ثم اعطوا آرائهم بكل ثقة وحزم وجرأة، وكذلك الحال بالنسبة للسياسة الخارجية التي ابتدأ الخوض فيها بعد تأسيس اول دولة اسلامية في العصرالحديث. والفقه الاسلامي لديه القابلية الواسعة على استيعاب جميع مفردات الشؤون الحضارية المستحدثة وفي جميع المستويات والموضوعات إذا ما بذلت جهود جمة في هذا الاتجاه.

    والسياسي بحاجة ايضاًالى المام مناسب بالاحكام الفقهية واطلاع على النظريات الاسلامية في الحقول المختلفة كي تنسجم خطواته وآراءهُ وتصوراته مع المنهج الاسلامي، وليكون على بينة من امره وهو يسير في ذلك الطريق، فبدون العلم والمعرفة بكل خطوة يخطوها، أو قرار يتخذه، لا يستطيع النجاة من العثرة. فالتخطيط ضروري، وكل حكومة تحتاج إلى وضع برنامج استراتيجي يكفل الاستفادة القصوى من الامكانيات والطاقات المتوفرة في سبيل الوصول للاهداف المحددة.

    وليس السياسي أو صاحب القرار هو المعني الوحيد بالبحث عن معالم المنهج، فالاتجاه التخصصي في العلوم حالياً يفترض وجود خبراء ومختصين في مجالات متنوعة ومترابطة كل واحد منهم يؤدي دوراً محدداً أو يأخذ جانباً من الموضوع اي السياسة الخارجية ويصب فيه خلاصة فكره ورأيه واجتهاده، فالمتخصص بالعلوم السياسية، والخبير بالقانون الدولي، والمستشار في العلاقات الدولية، وغيرهم، لا يمكنهم الوصول إلى الهدف اي التعرف على النظرية الاسلامية للسياسة الخارجية بدون القيام بترجمة وتعريف المصطلحات والاسس التي تبنى عليها السياسية الخارجية إلى اللغة الفقهية المتخصصة، عند ذاك يستطيع الفقيه الاجابة على تساؤلات أو المشاركة في مناقشة المفردات معتمداً على الاصول والمبادىء التي يستنبط منها الاجابة والوصول للغاية المنشودة. وهذا في حد ذاته يخفف من المهمة المناطة بالفقيه، فيتعاون الطرفان، المتخصص والفقيه لبلوغ ذلك الهدف.

    ومع ذلك فليس الامر بتلك البساطة التي تتبادر للاذهان، فهناك عوائق عديدة منها اختلاف الآراء الاجتهادية بين الفقهاء، فاعطاء الرأي بشأن السياسة الخارجية أو مفرداتها لا يختلف عن اية فتوى أو حكم شرعي. ولما كان ميدان العبادات ضيقاً، فان الخلاف فيه لا يكون بسعة وحدة الميدان السياسي الذي تدخل فيه عناصر اخرى مؤثرة، حقيقية أو مصطنعة، اضافة إلى عمق تأثير الاختلاف في القضايا السياسية على الوضع العام للدولة وانجرار الجماهير وراءها بصورة آلية. وإذا كانت احكام السياسة الخارجية تكليفية وعبادية كبقية الاحكام، فكيف يمكن التوفيق بين المسؤولين الذين يمسكون بالقرار السياسي في السلطة في حالة تقليد بعضهم لمرجع والآخر لمرجع آخر، وآرائها مختلفة. وقد يقال ان آراء الفقيه المتصدي أو القائد هي الغالبة ولكن هذه المسألة لم تحل من وجهة نظر فقهية، بل هناك عرف اكتسب صفة التقليد والقانون في الممارسات اليومية حتى اصبح من القواعد غير المكتوبة. أو يقال ان رأي الفقيه في هذه القضايا اي التي تحمل صفة العمومية هو حكم، وليس فتوى، وكل المكلفين ملزمون باتباع الحكم بغض النظر عن المرجع الذي يقلدونه.

    ويجرنا الحديث حول هذه القضية إلى ضرورة وجود فقهاء متخصصين في مختلف شؤون الحياة ونواحي الحكم والادارة، اي ان الطموح لوجود هؤلاء الفقهاء هو هدف استراتيجي لتغطية هذه الامور بصورة علمية دقيقة، ولا تستبعد آنذاك وجود فقهاء متخصصين مثلاً فقيه متخصص بالحقل الطبي والانجازات الطبية والاحكام الشرعية حولها كالانجاب الصناعي ونقل اعضاء الجسم والهندسة الوراثية وتطوير الجينات، وآخر مختص بقضايا الاتصالات والكمبيوتر ليس من الجانب الفني والتقني بل من الجانب الاخلاقي والشرعي مثل حقوق المنتجين وتطوير البرامج، والاتصالات والاقمار الصناعية ومفهوم التجسس والانصات بحيث لا تتعارض تلك النشاطات مع حقوق الافراد وحرياتهم، وفقيه مختص بالشؤون الاقتصادية والمالية وقضايا التضخم والعملات والتحويلات ونسب الفوائد والبنك الاسلامي وقضايا الاستثمار والشركات وغيرها. وهكذا لبقية حقول العلم والمعرفة المستجدة بحيث يكون للاسلام رأي في جميع هذه الحقول وراي له اصالته وعلميته ورصانته مبني على اسس علمية وفقهية معاً.

    ===
    يتبع
                  

العنوان الكاتب Date
الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم الليندي07-15-03, 00:32 AM
  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم حسن الجزولي07-15-03, 03:01 AM
    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:46 AM
      Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:51 AM
        Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:55 AM
          Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:56 AM
            Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 03:59 AM
              Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:03 AM
                Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:10 AM
                  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:12 AM
                    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:27 AM
                      Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:33 AM
                        Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:34 AM
                          Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:37 AM
                            Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:41 AM
                              Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:42 AM
                                Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:43 AM
                                  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:44 AM
                                    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم HOPELESS07-15-03, 04:46 AM
  Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم obay_uk07-15-03, 05:54 AM
    Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم الليندي07-15-03, 08:57 AM
      Re: الدولة الدينية أنتهت بوفاة الرسول ولا يوجد نص قرآني يحدد نظام الحكم رقم صفر07-15-03, 03:03 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de