|
جريدة الصحافة : ما وراء ضغوط واشنطن على الخرطوم !! .. هل تغير «الإنقاذ» جلدها تماماً ؟
|
هل تغير «الإنقاذ» جلدها تماماً ؟ ما وراء ضغوط واشنطن على الخرطوم !! ----------------------------------------
الخرطوم : "الصحافة".
تقرير : علاء الدين بشير: فى فبراير من العام الماضى قدم ، اللواء «م» السفير الفاتح عروة ، ضابط المخابرات ابان حكم الرئيس الاسبق جعفر نميرى ، و مندوب السودان السابق بالامم المتحدة ، محاضرة بمركز دراسات الشرق الاوسط و افريقيا بعنوان «الأمن و المخابرات فى ظل المتغيرات الدولية» امام عدد مقدر من القيادات الامنية و العسكرية تقدمهم اللواء مجاك دى اكوت ، نائب مدير جهاز الامن و المخابرات حاليا .
تحدث اللواء عروة فى تلك المحاضرة عن ان اهم متغير يحكم عمل المخابرات هو انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الغربى بقيادة الولايات المتحدة و الشرقى بزعامة الاتحاد السوفيتى بهزيمة ساحقة للاخير و انعقاد لواء الزعامة الاحادية للولايات المتحدة ، و اشار فى هذا الصدد الى انهم كان بامكانهم فى تلك الايام ابتزاز اي من القطبين بالسير فى ركاب القطب الاخر ان لم يقف بجانبهم فى قضية او يقدم لهم المساعدات المادية المطلوبة ، و لكنه رهن اى تعاطف يمكن ان تحظى به اية دولة فى عالم اليوم بما تمثله من اهمية لمصالح القطب الواحد -الولايات المتحدة- ،
و استنادا الى اطروحة اللواء عروة ، فإن السودان و طبقا لصحيفة لوس انجلوس تايمز و من وراء الستار برز بوصفه حليف ذو قيمة تثير الدهشة فى حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب خاصة بعد احداث الحادى عشر من سبتمبر ، و وفقا لتصريحات متطابقة لمسؤولين سودانيين و امريكيين فإن المعلومات التى وفرتها الخرطوم كانت مهمة للغاية فى احباط هجمات ضد اهداف و مدنيين اميريكيين ، الا انه رغم ذلك لا تزال عصا واشنطن مشهرة فوق رأس الخرطوم حيث انها و رغما عن قبول الرئيس البشير بعد لاي وتهديد لخطة دولية رامية لنشر قوات اجنبية لحماية المدنيين فى اقليم دارفور المضطرب فانها لا تزال تلوح بفرض عقوبات عليها ان هى لم تقبل بمكون غربى ضمن العملية المشتركة بين الامم المتحدة و الاتحاد الافريقى ، كما انها لاتزال و منذ عشر سنوات تفرض عقوبات اقتصادية على الخرطوم استثنت منها مؤخرا الجنوب و جبال النوبة و النيل الازرق و ابيى ، بجانب انها تستمر فى وضع الخرطوم فى قائمتها للدول الراعية للارهاب ، اضافة لتمسكها برأيها حول ان ما يجرى فى دارفور حرب ابادة جماعية رغما عن عدم تأكيد ذلك من قبل لجنة التحقيق الدولية فى انتهاكات دارفور ، ثم تحميلها المؤتمر الوطنى مسؤولية تعثر تطبيق اتفاق السلام و الذى افضى للأزمة الاخيرة مع الحركة الشعبية على لسان وزيرة الخارجية كوندليزا رايس التى اشارت قبل ايام و من داخل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الامريكى الى ان المؤتمر الوطنى له تأريخ طويل فى نقض الاتفاقات، ثم ارسالها تحذيرا واضحا بان بلادها لن تتسامح فى تطبيق اتفاق السلام و خصوصا فى الشق المتعلق منه بجنوب السودان، و استمرار وصف مسؤوليها للنظام فى الخرطوم على انه نظام مارق، و لا تزال واشنطن تقود لواء المبادرات الرامية للتضييق على الخرطوم فى المنابر الدولية وعلى رأسها مجلس الامن ، فهل كانت اهمية النظام السودانى للولايات المتحدة فى واحدة من اهم القضايا التى تواجه امنها القومى الان وهى الحرب على الارهاب شيئا عابرا لا يستحق عليه مكافأة ، و لا حتى حق اختيار العصا كما قالت رايس ابان احتدام أزمة نشر القوات الدولية فى دارفور ، بأن على الخرطوم الانصياع فقط لقرارات الاسرة الدولية دون املاء اى شروط ؟ .
يقول اللواء الفاتح عروة مستدركا على اطروحته التى صدرت بها هذا التقرير، ان السودان مهم للادارة الاميريكية الحالية و انها حريصة على التعاون المخابراتى فى مجال الحرب على الارهاب و لا تريد ان تفقده . و يعتبر عروة الذى كان يتحدث لى عبر الهاتف قبل يومين الضغط الحالى لادارة بوش على الخرطوم ضغطا غير حقيقى ، و يرجعه لسوء حظ السودان الذى اوقعه بين مزايدات السياسة الداخلية الاميريكية بين الجمهوريين و الديمقراطيين ، ويضيف ان بوش اضطر الى وصف ما يجرى بدارفور على انه ابادة جماعية اضطرارا اثناء حملته الانتخابية فى مواجهة المرشح الديمقراطى جورج كيرى الذى كان يزايد عليه فى قضية دارفور.
اذا هل يمكن اعتبار المواقف المتشددة و المتواصلة لواشنطن تجاه الخرطوم رغم التعاون المخابراتى المهم بالنسبة لها على انها محض مزايدة فى السياسة الداخلية بين قطبى السياسة الاميريكية، كما اشار الى ذلك عروة ؟ ، الوقائع فى مسار علاقات البلدين تقول بغير ذلك ، فمساعد وزير الخارجية الاميريكية للشؤون الافريقية السابق ، والتر كنشتاينر احد الذين نشطوا سابقا فى ادارة الحوارات السرية مع المسؤولين السودانيين قال لكين سلفر ستين ، الصحفى بصحيفة لوس انجلوس الاميريكية ذائعة الصيت من خلال تحقيقه المطول عن التعاون المخابراتى بين واشنطن و الخرطوم و الذى نشره فى ابريل 2005م، «ان ائتلاف السودان مع الCIA لم يكسبها اذن مرور من ادارة الرئيس بوش : كنا نوضح لهم دائما ان العلاقة بيننا لا تنحصر فقط فى محاربة الارهاب و لكنها مقرونة بعملية السلام فى الجنوب و ملف حقوق الانسان بصورة عامة» ، ومع ان اللواء الفاتح عروة يقول ان الجمهوريين براغماتيون ويسيرون مع مصالحهم المتمثلة فى التعاون المخابراتى المهم فى الحرب على الارهاب، الا ان رئيس دائرة المخابرات السابق بجهاز الامن و المخابرات اللواء «م» حسب الله عمر ، يقطع بانه لا التعاون الامنى على اهميته و لا اى تعاون فى مجال اخر هو ما يحدد السياسة الخارجية الاميريكية و خياراتها تجاه الدول ، و هذا يفتح الباب واسعا لمناقشة مفهوم المصلحة الذى دفع به اللواء عروة عند الادارة الاميريكية و الذى تصيغه مراكز الابحاث و الدراسات و التفكير فى الولايات المتحدة ، فقد كانت الادارة الاميريكية حذرت على لسان وزير خارجيتها كولن باول فى سبتمبر 2004 بان ما تمارسه حكومة الخرطوم فى دارفور هو حرب ابادة جماعية ، و ان سلوكها هذا يمثل تهديدا فوق العادة للامن القومى الامريكى ، و هذا ما انسحبت عليه قرارات مجلس الامن الدولى بخصوص دارفور ، و التى اعتبرت ما يجرى هناك من انتهاكات فظيعة بانه تهديد للامن و السلم الدوليين ، فيما بدأت مؤسستان بحثيتان اميركيتان هما كارنيغى للسلام الدولى ، و الصندوق الدولى لدعم السلام فى العام 2005م ، اعداد مؤشر سنوى للدول الفاشلة او الآيلة للانهيار جاء السودان اولا من بين ستين دولة من دول العالم فى مؤشرى هذا العام و الذى سبقه ، بينما حل ثالثا فى مؤشر العام 2005 ، و قد صدرت المؤسستان المهمتان لجهة صنع السياسات فى الولايات المتحدة مؤشرهما بالقول بأن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2002 أكدت أن أمريكا تواجه تهديدا حقيقيا جراء إمكانية انهيار العديد من الدول، وليس تهديدا من قوى كبرى تطمح للسيطرة العالمية كما كان سائدا في القرن العشرين مثل ألمانيا واليابان والاتحاد السوفيتي ، وقد اتفق مع ذلك التحليل كل من الامين العام السابق للامم المتحدة كوفى عنان ، و الرئيس الفرنسى السابق ، جاك شيراك ، و حذرا من خطورة تجاهل مثل هذه الدول، و من ضمن المحددات التى استندت عليها المؤسستان البحثيتان فى تصنيف البلدان الفاشلة وفقا للمؤشر الحرمان من التطبيق العادل لحكم القانون، وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان، والحكم العسكري، وقوانين الطوارئ، والاعتقال السياسي، والعنف المدني، وغياب القانون، وتقييد الصحافة ، ، ، ، الخ ، و كل هذه المحددات موضع نقاش ساخن الان فى الساحة السياسية السودانية ، لكن اللواء عروة يرى ان الديمقراطيين غاضبون على نجاح الجمهوريين فى ابرام اتفاق السلام لانه يذكرهم بفشلهم الناجم عن اصرارهم على الضغط على الخرطوم حتى اسقاط النظام ، و يؤكد انهم - الديمقراطيون- منظرو كل المواقف المتشددة بما فى ذلك التى يتبناها الجمهوريون الان ، و كان الاقتصادى و الاكاديمى المعروف بالجامعات البريطانية ، الدكتور صدقى كبلو قد ذكر ضمن ندوة بمركز عبد الكريم ميرغنى الثقافى فى يوليو الماضى عن نشأة و تطور الرأسمالية السودانية ، ان الادارة الاميريكية تريد بقاء هذا النظام لانه استجاب لحزمة شروطها الاقتصادية ، ولكنها تشدد عليه الضغوط لاجل اقامة حكم قانون ، مبينا انه لا يوجد حكم قانون فى البلاد رغم مظاهر القوة التى تبدو على اجهزة تنفيذ القانون، مضيفا ان اهم شئ فى النظام الرأسمالى هو المساواة امام القانون حتى يتساوى المتنافسون فى الفرص الاقتصادية فى البلاد.
ويرى المحلل السياسى خالد التيجانى، ان الادارة الاميريكية غيرت تاكتيكاتها تجاه الخرطوم و ليس استراتيجيتها ، و لذا فانه يعتقد ان المعلومات التى توفرها الحكومة السودانية لنظيرتها الاميريكية اثرها سيكون محدودا و لن تصمد قيمة الخرطوم المعلوماتية لدى واشنطن طويلا ، و يغلب التيجانى ظن ان واشنطن تؤسس ضغوطها على الخرطوم استنادا على توقعاتها من ان يؤدى اتفاق السلام الموقع بين الحكومة و الحركة الشعبية الى تغييرات جوهرية فى شكل و مضمون و توجهات سلطة الانقاذ الى مزيد من الانفتاح ، و يسند رؤية التيجانى هذه تقرير كان صدر عام 2004م، بعنوان «اعادة بناء سودان ما بعد الحرب» عن مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية بواشنطن، وهو المركز الذى كان اعد الورقة الاساسية التى قامت عليها اتفاقية نيفاشا ،و اوصى من ضمن ما اوصى بنشر عشرة آلاف من قوات الامم لمراقبة اتفاق السلام ، يصنف التقرير المتشددين فى الطرفين باعتبارهم من اكبر مهددات تنفيذ اتفاق السلام، و يربط ما بينهم و بين اشعال حرب دارفور، و بانهم ربما كانوا عبر منظوراتهم الضيقة حجر عثرة امام اى تحول فى بنية النظام ذى التوجهات الاصولية الى نظام اكثر اعتدالا يقبل الواقع الجديد الذى ستفرزه اتفاقية السلام و يحترم حقوق الانسان و يكون مستعدا للتلاشى فى ترتيبات دستورية جديدة تنتهى بقبوله الاحتكام لانتخابات حرة نزيهة و مراقبة دوليا ، و ينفى اللواء عروة ان تكون ضغوط واشنطن الحالية من اجل التحول الديمقراطى، و يقول انها نتيجة لأزمة دارفور التى صعدها الديمقراطيون داخل امريكا لانهم كانوا يسعون لاحداث تغيير سياسى و ثقافى فى السودان مستغلين فى ذلك قضية الجنوب و التى حلت الان ليمسكوا فى قضية دارفور.
غير ان سير الامور داخل الانقاذ يشى بان من يوصفوا بالمتشددين فى تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية آنف الذكر يقاومون شروط اللعبة السياسية الجديدة «عبر مقاومتهم لاعداد المسرح» فى البلاد التى قد تضعف من سيطرتهم على مفاصل الحكم ، بينما يواجه الاصلاحيون ضغوط المتشددين و مخاوف حلفائهم من الجماعات الاسلامية المتشددة ، و يشير المحللون فى هذا الصدد الى الفتوى التى صدرت فى اكتوبر الماضى عن عضو مجلس شورى الجماعة الاسلامية المصرية ، عصام دربالة الذى دعا الى عدم الجهاد ضد نظام الحكم فى السودان لانه يواجه ضغوطا داخلية و خارجية اضطرته الى الغاء تطبيق الشريعة الاسلامية فى الجنوب و احتمال الغائها فى الشمال ،معتبرا الرئيس البشير من الطائفة «الممنوعة» لا «الممتنعة» عن تطبيق الشريعة الاسلامية و فقا لرؤاه الفقهية ، ويربط المحللون بين هذه الفتوى و بين الاجتماع المغلق الذى جمع مدير المخابرات السودانية ، الفريق صلاح قوش بنظيره المصرى عمر سليمان بالخرطوم الشهر الماضى، و صدور الفتوى بعد يومين من ذلك الاجتماع ، و يرى المحللون ان دربالة كان من ضمن المجموعة التى صالحت النظام المصرى فى الجماعة الاسلامية بعد تورطها فى اغتيال الرئيس المصرى انور السادات بسبب توقيعه اتفاق سلام مع اسرائيل و القائه لخطاب من داخل الكنيست الاسرائيلى ، و يقرأ المحللون ذلك مع ما كان صدر فى رمضان الماضى عن الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة ايمن الظواهرى من فتوى تدعو لتنظيم الجهاد ضد القوات الاجنبية فى دارفور، و اتهامه للقيادة السودانية بالكذب و النزول على ضغوط الغربيين ، و يخلص هؤلاء المحللون الى ان واشنطن تفضل صيغة حكم اسلامية مثل النموذج التركى و الذى استقبل الرئيس الامريكى جورج بوش عرابه رجب طيب اردوغان الاسبوع الماضى بالبيت الابيض كتعبير عن تصالح واشنطن مع هذا النموذج ، و يربطون بينه و بين الاعتكاف المطول لنائب الرئيس علي عثمان محمد طه بتركيا مطلع هذا العام على انه كان فسحة للتأمل فى تجربة تركيا التى ربما كان اصلاحيو الانقاذ يتجهون نحو وضع اسس لنظام مقدود من قماشة التجربة التركية المتصالحة مع اسرائيل و المندمجة فى النظام العالمى الجديد بكل قيمه، و مع ذلك تصنف على انها تجربة اسلامية !! ،
|
|
  
|
|
|
|