من مذكرات مغترب

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-17-2024, 00:31 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الرابع للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-28-2007, 09:20 PM

هشام آدم
<aهشام آدم
تاريخ التسجيل: 11-06-2005
مجموع المشاركات: 12249

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من مذكرات مغترب (Re: هشام آدم)

    ______________________________




    ( 2 )


    كان أبو عدنان يمتلك شركة كبيرة للنقل البحري، رجل ضخم ذو كرش ضخمة. متزوج بأربعة نساء، هذا غير علاقاته السرية المتعددة. حين تراه في سيارته الكابريس أمريكية الصنع تدرك أنه يخرج من الصحراء لتوه ، بدوياً. منشطر ، ذات مهترئة متخمة بالشهوة ومتمادية في التفسخ والانحلال. كنت أنتمي إلى أسطول أشيائه الكثيرة: السيارات - الناقلات - أدوات العمل والإنتاج. كنت أنتمي إلى فصيلة أرقائه وإيمائه: غلمان وصبايا من مختلف رجاء الكون: هنود وأفارقة وفينيقيين حتى! من هند ساحل البحر الأبيض المتوسط حين ألقت بي السفينة الضخمة إلى هنا ذات صباح شتاء ماطر. لم تفلح جهود رجال الشرطة في إلقاء القبض عليّ ، طاردوني من زقاق إلى آخر ومن طريق إلى أخرى. يومان وجاء بي متعهد نقل العمالة إلى أبي عدنان. كان معتمراً كوفيته وهو يجلس القرفصاء يلتهم الثريد. نظراته باردة، ميتة كطريق موحشة، وفي صوته بحة ناعمة، سلّمو أوراقاً تخصني ثم أمرهم بالانصراف بعد ذلك والتفت إلى أحد خدمه، أشار عليّ بأن أتبعه بعد أن همس له بكلام ما. عند حظيرة الناقلات الضخمة أرشدني الخادم الآسيوي إلى إحداهن وهو يقول : "هذه ناقلتك منذ الآن!" دنوت منها كما يدنو مستهام إلى مستهام. وقفت على بابها، فتحته، أخذت المقود بين ذراعي ثم أدرت المحرك. قال الخادم الآسيوي: "بماذا أناديك؟" فقلت: "محمود ..." قال على الفور مبتسماً : "محمود السوداني .. السوداني!"



    هاهي حظيرة الشاحنات الضخمة الآن، رأسي تكاد تنفجر، تمور بالكحول والتبغ. عند مثل هذا الوقت من كل صباح تنفجر الذاكرة أيضاً. أليمةٌ هي الذكريات ومبهجة في ذات الوقت. أتذكرني أيام كنت غلاماً موغلاً في الحزن والفجائع. أمدرمان .. السوق الكبير غاصة بالخلق ، والناس يتحلقون حول دائرة الفرجة الكبيرة. كان سائق الشاحنة الكبيرة مصلوباً إلى عجلة القيادة، يداه متسمرتان هكذا كأنهما ملتصقتان بالآلة بشكل أزلي. كنت أصرخ وأولول والجسد المسجى أمامي غارق في بحيرة الدم. المتفرجون جاءوا من كل حدب وصوب من جهات السوف العديدة. ثم تقاطر رجال الشرطة. أخذوا الأبعاد والمقاسات ، ثم غطوا الجسد بغطاء أبيض ، وفضوا المارة بالقوة. استشعروا حالة كوني منهاراً من اللوعة والهلع فأخذوا بيدي وهدأوا من روعي. كان جسد أبي مصلوبة إلى عجلة القيادة وروحه غادرت إلى السماء. بعد تلك الحادثة بسنين عديدة ، كانت أمي تجنبني مخاطر السفر ، تدمع حين تأتي على ذكري أبي. حذرتني من المركبات والالات الحديدية جميعها. أصبحت سائقاً فيما بعد لكنها كانت غاضبة. غضب ممزوج بالإشفاق ودعتني (قدر) أدوس على دواسة البنزين ، تئن الشاحنة ، اضغط أكثر فأكثر في عنف. تهتز عجلة مغيّر السرعة، وتتمايل المركبة من الفعل المهووس. كأنها تستجديني أن أترفق قليلاً وكأني أنتقم لأبي. تتراقص صورته أمامي في عنفوان: القماش الأبيض ودائرة المتفرجين ، صرخات أمي وهلع الناس حين رأوا الدم المسفوح على الطريق. كنت ألتهم الطرقات التهاماً واستنكف فعل التوقف على المحطات الصغيرة المنتشرة على طول الطريق السريع، وجوفي يغلي كمرجل.



    انزلقت المركبة من فوق الجسر تركتها تنزلق هكذا كيفما اتفق. شعرت أن أمعائي تكاد تقفز للخارج من شدة الألم. ألم الجوع أم أن الخمر كانت ردئية ليلة البارحة! الحصول على الخمر في هذه البلاد مشكلة كبيرة، تتداول في السر مثلها مثل أفلام الجنس الرخيص، وصنوف المخدرات. بالكاد أفلت من دورية الشرطة بعد خروجي من خمارة سرّية . قبضوا على أحدهم فأوسعوه ضرباً بعد أن صادروا حمولته من الشراب عنوة واقتداراً . كان أحدهم ملتحياً ويحمل مسدساً . لقد نجوت بأعجوبة. كانوا يتصايحون: "يا سوداني .. يا كلب!"



    هاتفتني العنود وأنا مخمور حكت عن صويحباتها الشاميات قالت سيقمن حفلاً صاخباً للديسكو من جنس الحفلات السرّية ، بالطبع لم أكن أقوى على أخذها إلى هناك. استجدتني دونما فائدة ، قلت لها : "دماغي لا تقوى على حمل جسدي، وأنا ثمل لا آمن عواقب الشركة، وليست لدي هوية، ولا إقامة شرعية، وهم يترصدون للمقيمين غير الشرعيين" عند هذا الوقت بالذات مارست هوايتي المفضلة في الثلث الأخير من الليل فتحت نافذة الغرفة ، تركت هواء الليل يجتاحها من الجهات جميعها ، وأخذت أنظر وأنظر إلى حدود بعيدة .. وبعيدة .. وبعيدة حيث تتلاشى الأشياء ، تندغم في اللانهاية ، بدت المدينة الضخمة مثل مومس تتهاوى تحت وطأة الفاعلين. تحسست رأسي .. كان ثقيلاً أكثر مما ينبغي .. أجيء بالأطلس من زاوية خزانة الملابس ، أفتحه وأحدق في الخرائط. خارطة بلادي .. ياللصحاري ! يا للغابات والأنهار! تطفو أمدرمان على أسطح الخرائط، انظر الموردة وأب روف وبيت المال. انظر ها هم الآن الدراويش يغتسلون في بحيرات عشقهم والخليل يصدح ، وتلك الطابية والنيل أذعن للمراكب والسفر. تلك رائحة الحواري والأزقة وذلك الحنان كم افتقده! النهر في أيام الدميرة واتكاءته على شمبات ، رائحة الحواري وتراب الشوارع وعرق الوجوه الكادحة. تهراقا يخرج من معبد الشمس ثملاً برائحة الإلهة ورحيق الشمس.
                  

العنوان الكاتب Date
من مذكرات مغترب هشام آدم10-28-07, 09:17 PM
  Re: من مذكرات مغترب هشام آدم10-28-07, 09:20 PM
    Re: من مذكرات مغترب نادية عثمان10-29-07, 00:12 AM
      Re: من مذكرات مغترب نادية عثمان10-30-07, 02:45 AM
        Re: من مذكرات مغترب هشام آدم10-30-07, 12:27 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de