|
قصة قصيرة....... يوم أصبح دمعي دما
|
قصة .........قصيرة العنوان : يوم أصبح دمعي دما (الراجل ما ببكي) تلك هي مقولة أبي! ..............بل هي أول جملة مكتملة وعيتها في حياتي لم تدخل لأعماقي عبر أذني , بل جاءت إلي القلب من كل جسمي. ما زلت أسمعها من أبي وكأنها تقال لي اليوم وليس قبل أربعين عاما, تحمل معها صوت أبي الجاد وملامح وجهه الصارمة وموسيقاها التصورية التي تنبأك بأنها تنقل وصية أجداد حملوها جيلا بعد جيل , وعيتها قبل أن أحفظ بعض من آيات ربي, فكانت لي كأنما هي بعض منه! الجزيرة الصغيرة القابعة في وسط النيل لها إيقاع مميز ومنتظم ,سريان ماء النيل وأصوات إحتكاك الماء مع أطراف القوارب الشراعية , ونسمة الصباح وتنفس الصبح , وأصوات السواقي الباكي , ورائحة الطين والزرع الأخضر وأشجار النخيل وأصوات أنعام شتي, الكل يسبح بحمد الله في نغم طروب. إلا ما كان من أمري !!! لماذا أحبث الدمع يا أبي ؟ ولماذا لا أبكي؟ ونحن في مياه النيل علي أطراف الشاطئ الرملي الضحل نعبث بالماء في مرح وجدت أخي الذي يكبرني يسحبني من يدي بقوة إلي وسط النيل , يريد أن يعلمني السباحة , لم يأتي بجديد فهذا موروث أجيال ما إنقطع وكأنه شئ من سريان ماء النيل حملته العصور والحاضر وسيحمله المستقبل حتما. وفي أعمق موقع في الماء ترك أخي يدي وأبتعد في مهارة معتادة, فعلت بي المياه الأفاعيل قبل أن أصل إلي موقع تصل فيه قدمي إلي الأرض , ولكن أخي يعيد الكرة , وأريد أن أبكي !! لكن (الراجل ما ببكي) لماذا يا أبي؟ ولا أنسي ما نسيت وذلك الثور الأهوج يحملني بين قرنيه وكأني دمية في يد طفل مشاغب, أطاح بي داخل الجدول الكبير في المزرعة غير آبه بسوء خلقه وعاقبة فعله , وقد فعل ما أملته له نفسه وفطرته ! أحسست وكأن بعضي ينفصل مني أردت أن أخرجها داوية وأمطرها دمعا ولكن (الراجل ما ببكي) .................ولماذا يا أبي؟ وأسواء أيامي علي الإطلاق كان ذاك يوم أن عرفت أن هناك موت وفراق ..... يوم أن مات أبي ويومها صار دمعي دما , أحسه في قلبي, .......مات من كان روحي وقلبى ....مات ذاك الشامخ الجبل.......مات من إذا سئلت أين الرفق والعطف ؟ قلت أبي. وأين الحزم والعقل ؟ قلت أبي. وأين الأمن؟ قلت حضن أبي. يومها , جف الدمع في قلبي فصار دما, وبح الصوت في صدري فصار جرحا عميقا غائرا. مرت السنين الطوال الطوال ومازال ذاك الجرح بضا , والدموع الدماء ثاخنة كما هي لم تغسلها السنين ولا الدمع الجديد.
|
|
|
|
|
|