|
همبريب - رحيل ملك
|
الاعزاء...هذه بعض من قصص قصيره كتبها اخونامحمد مختار....اخبرته بانى ساشرك الاعزاء فى البورد بها ولنسمع اراءكم
رحيل ملك
يتخلل السكون ذرات الظلام .. يخالطه دفئ مريح .. تمازح الريح ثوب الأعشاب مبسوطا فوق البراري .. تمازح أوراق الأشجار أيضا فتتطاير الأغصان بضجر .. تشد أحيانا فيطفو صوتها ضيلا عبر الجذوع الضخمة الممتدة نحو السماء .. وتختفي أحيانا أخرى فتسكن عن الإرتعاش أوراق الشجر .. يظهر من حين الى آخر عواء ذئب من بعيد .. تشاركه مجموعة من طيور البوم التي يبدو أنها قد بدأت يومها الآن .. هناك خرير المياه تتدفق في ذلك النهر الصغير قريبا من هنا .. هناك أيضا صوت الرياح الباردة وهي تزحف نحو الشمال .. أصوات تمازجت لتصنع لحنا هادئا ممتعا .. أصوات وجدتها رائعة ما كنت تهمني قبلها .. لم يكن البدر مكتملا بعد .. لكن ضوءه كان قويا صافيا أزاح جزء من الظلام خصوصا عن سفوح الجبال هناك .. الهواء صافيا نقيا تشعر به لذيذا كلما تجرعت منه القليل .. امتزج مع رائحة الأعشاب الخضراء وعبير الأزهار الصغيرة البيضاء المبللة بماء المطر .. أخذت جرعة كبيرة من ذلك الهواء ملأت بها جوفي الفارغ وأخذت أطلقها بعد ذلك ببطء .. متكأ كنت على جذع شجرتي الضخمة وهي تحنو مائلة على تلك البحيرة الصغيرة أمامي .. هدوء جميل كان يحتضن تلك البحيرة وقد تناثرت على سطحها أوراق الشجر .. تقبع عن يميني صخرة كبيرة .. في هذا المكان ولدت ونشأت .. كنت أحس به عرشا لي .. أشعر بسكينة تجتاحني كلما جلست هنا ليلا .. لم تجرؤ الخفافيش يوما على الأقتراب .. أحس بها الآن تظهر حولي من حين الى آخر .. ذاك الصوت الذي كنت أطلقه ليلا كان يمزق سكون المكان بعنف .. ترتجف الطيور حينذاك في أغصانها .. تضم الحيوانات صغارها بخوف حنون .. يقتلني الآن هذا الهدوء العميق .. هناك .. على قمة ذلك التل .. صرعت آخر ضحاياي .. كنت أشعر بفخر كلما فروا من أمامي .. لطالما بعثت الرعب في نفوسهم .. درت ببصري في الأرجاء .. تلك السهول على مد البصر .. الآن لم تعد ملكا لي .. كنت أرى الحياة تسير وما أهمها ما حدث .. ذلك الجرح الذي في عنقي كان ينزف بغزارة .. أقبلت غزالة تجر صغيرها خلفها .. وقفت لتشرب من البحيرة أمامي .. أخذ صغيرها يقفز حولها بعد أن شرب .. كان يقترب مني قليلا ثم يبتعد .. لم يكن هذا يهمها كثيرا .. شعرت عندها بهوان لم اكن اتخيله يوما .. اصوات الضباع تلك كنت اسمعها هناك بعيدا على مشارف الافق .. احس بها الآن تقترب مني شيئا فشيئا.. كان قتالا ضاريا حاولت فيه الصمود لكنني لم أستطع فقد كان شابا قويا .. ما زلت أذكر تلك اللحظات .. لم تكن تهمني تلك الآلام التي ترقد فوق جسدي .. ألم واحد فقط كان يمزقني إربا .. سمعت نقيق الضفادع يمازج صوت حشرات الليل الصغيرة قادما من الجداول البعيدة والشقوق بين الصخور .. رفعت رأسي الى السماء .. ما زالت تلك النجوم تتلألأ بروعة وجمال .. ذاك البدر دوما كان يذكرني بشيء قديم .. ينطلق بي في عالم آخر .. ظل يبعث في نفسي أحاسيس قوية .. أرغمني ذلك الجرح في عنقي على إنزال رأسي .. كلما أنظر الى السماء أشعر بدفء غريب .. كم تمنيت حينها أن أكون نجمة هناك ...... وضع الملك ظهره واتكأ على جذع شجرته وأرسل أرجله الى الأرض .. عندها فقط .. سقط عنه ذلك التاج .. حنين عظيم تلاطم في نفسه حينها .. دمعة صغيرة هوت منه في تلك اللحظات .. وذهب الصغير خلف أمه يفقز فوق بساط الأعشاب الغني الرطب .. وابتعدت السهول الخضراء أيضا وسفوح الجبال والوديان .. وما زالت الأشجار تعلو بقامتها لتلامس وجه السماء .. وما زالت البحيرة الصغيرة سطحها يتلألأ والبدر ينثر نوره فوقها .. وظل صوت الضباع يقترب رويدا رويدا .. وسارت الريح نحو الشمال وهي تنفض حوله أوراق الشجر .. وخلت السماء من السحب فزاد نجمها توهجا في ظلمة الليل .. وأراح الملك رأسه هناك للمرة الأخيرة .. لكن عيناه ما زالتا تحدقان نحو السماء .. في هيبة ووقار ...............
|
|
|
|
|
|