|
"دارفور .. الأطفال في خطر"
|
يعد من المواد الأكثر تخديراً "الباتكس" صديق الأطفال المشردين في دارفور نيالا - غرب السودان - فرح أمبدة تعود الصبي "سليك" على أن يتناول إفطاره كل صباح مع "زهرة" التي تبيع العصيدة في موقف مواصلات الضعين بمدينة نيالا، مقابل أن يقوم بغسل الأواني وتنظيف المكان الذي تعرض فيه مأكولاتها، دون أن يكون مسموحا له بتقديم الطعام إلى الزبائن أو رفع الأواني من أمامهم، فسليك طفل التاسعة الذي قذفت به الحرب الأهلية التي اشتعلت في دارفور منذ ثلاثة أعوام، إلى جوف المدينة، لم يتعود على ارتداء ملابس نظيفة مثلما يفعل من هم في سنه، ولم يعرف غير مظلات المحلات التجارية مكاناً ليقضي ليله، ولا يتوسد يده الصغيرة قبل أن يكون قد خدر نفسه بمادة شديدة الفاعلية "كان ذلك سببا مقنعا لزهرة كي تقوم بمهمة تقديم الطعام لزبائنها من دون مساعدة منه"، مع ذلك لم تكن حالة الصبي استثنائية، فشوارع نيالا تعج بآلاف المشردين من ضحايا النزاع. بيد أن سليك الذي غادر مع والدته وأخواته الأربع قريته ابو عجورة "احدى الضواحي الجنوبية الغربية لمدينة نيالا وتبعد منها ما يقارب ال 50كيلومتراً" يعد محظوظا، فقد تمكن من خلق صلة وإلفة قوية مع زهرة بائعة العصيدة ذائعة الصيت ومع جاراتها اللائي يبعن الشاي فهو على الأقل ضمن لنفسه كل يوم وجبتين "الفطور والغداء" بجانب حق "المصة" وهي قطعة من القماش مغموسة عن آخرها بمادة الباتكس المخدرة، فهو والمئات من المشردين لا يستطيعون أن يتوسدوا أياديهم الصغيرة استعدادا للنوم دون أن يستنشقوا هذه المادة بالغة الضرر.
وتمتلئ شوارع نيالا ومثلها العديد من المدن في دارفور، بالآلاف من رفقاء سليك بملابسهم الممزقة وأجسادهم النحيلة، وهم يقضون نهارهم في التجوال بين محلات بيع الطعام وينامون في أزقة السوق الضيقة، بعد أن يكونوا قد تخدروا بالباتكس، لكن الخطورة أن جميعهم يواجهون نقصاً في الغذاء ويعيشون بعيدا عن نطاق المساعدات الإنسانية.
وحسب تقرير حديث أعده صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة "اليونيسيف" وحمل اسم "دارفور .. الأطفال في خطر" لا يزال العديد من أطفال دارفور يواجهون نقصًا حادًا في الغذاء والمرض نتيجة لاستمرار انعدام الأمان، فقد انخفضت معدلات سوء التغذية في العام الماضي إلى النصف بين الأطفال المقيمين في المخيمات التي توفر الغذاء والمأوى والرعاية الطبية، لكن لا أحد يعلم ما يلم بالأطفال الذين فضلوا التشرد داخل أحياء المدينة وخارج المخيمات.
يقول التقرير الذي صدر منتصف الشهر المنصرم "يقدر نحو 2.5مليون من سكان دارفور لا يتلقون أية مساعدات، نظرًا لأنهم يعيشون في مناطق منعزلة وخطيرة، ويموت الأطفال في هذه الجماعات بسبب سوء التغذية والأمراض الأخرى التي يمكن الوقاية منها".
وتقدر المنظمات العاملة في مجال تقديم المساعدات، أن مدينة نيالا وحدها تضم أكثر من 12ألف متشرد، 90% منهم قدموا إلى المدينة عقب اندلاع الحرب في الإقليم، وتقول سمية عبد العزيز "من منظمة من اجل الطفولة" .. الأمر المقلق أن المدمنين وسط هؤلاء الأطفال تتزايد أعدادهم مع كل صباح، وتضيف في حديث معي" يبدو أن الفشل لازم قرارا سابقا بنقلهم إلى مخيمات النزوح، حيث تتوفر العناية بصورة مقبولة مقارنة مع تشردهم في المدينة .. فالمخيمات حسب سمية "الأماكن الوحيدة تقريباً التي يحصل فيها الأطفال على معونات تمكنهم من البقاء على قيد الحياة وتفتح لهم الطرق للانتظام في صفوف الدراسة".
ويقول غوردون وايس، مسؤول اتصالات الطوارئ التابع لليونيسف: "إن أطفال دارفور يعيشون حالة من الخوف، فقد فقدوا منازلهم وأسرهم وعانوا من أشكال فظيعة من سوء المعاملة. لقد دمرت الحرب أرضهم وطرق معيشتهم، وإذا ظل الحال على ما هو عليه، فسيكون مستقبلهم مظلماً للغاية". وحسب بيان أصدره وايس ، فإن قرابة 1.3مليون طفل يعيش في 20مخيما مماثلا في دارفور والمناطق المجاورة في تشاد، وان اليونيسيف وشركاءها وفروا مدارس تستوعب نحو "13" ألف طفل في سن التعليم الأساسي، إلى جانب العيادات الصحية ودورات المياه.
وفي هذا الصدد يقول وايس: "لقد أُقيمت هذه المخيمات لتوفير الرعاية الفورية المؤقتة، ولكنها أصبحت من المنشآت الدائمة، وإذا لم تتحسن الأوضاع الأمنية فلن يتمكن سكان هذه المخيمات من العودة إلى منازلهم ومتابعة إنتاج غذائهم. ومازال الملايين الآخرون يكافحون من أجل البقاء، بينما تزداد حالة نقص الغذاء في دارفور سوءاً".
وحسب بيانه فالحاجة مستمرة إلى مزيد من المساعدات الدولية لمدة خمسة أعوام أخرى، لمجرد ضمان بقاء أطفال دارفور على قيد الحياة. ولا بد من إيجاد حلول سياسية لضمان مستقبل يمكن لهم أن ينمو فيه.
لكن سمية التي تشرف على احد مراكز الصداقة مع الأطفال التي تتبع لمنظمة من اجل الطفولة، تشير إلى ما يمكن أن يبعث الأمل بالنسبة للأطفال المشردين في جنوب دارفور، حينما تتحدث عن المهام التي تقوم بها "المراكز الصديقة للطفل" التي تدعمها منظمة اليونيسيف.. تقول في الوقت الراهن يوجد آلاف الفتيان والفتيات داخل هذه المراكز .. ففيها يتعلمون القراءة والكتابة ويشعرون بالحماية، ويقومون بممارسة حياتهم الطفولية لكنها تقول "ليس بامكان أحدنا إجبار من فضلوا التجول داخل المدينة بالذهاب إلى هذه المراكز، رغم انها توفر ملجأً مهماً للأطفال ضحايا الحرب".
وتورد سمية قصة الطفلة كلتومة اسحق البالغة من العمر "12" عاماً التي انضمت إلى فتيات المركز الذي تشرف عليه، وهي على شفا الموت جراء سوء التغذية .. وتقول .. بعد قضاء شهرين في مركز التغذية العلاجية، زاد وزن كلتومة وهي من منطقة مرشنق الواقعة إلى الشمال من نيالا، بعد أن كانت تعاني من سوء تغذية حاد بمقدار 600جرام، وهي تتجول في شوارع المدينة "لقد أصبحت الآن قادرة على تناول وجباتها وتعمل على تنظيف ملابسها بنفسها وتلعب مع 23من رفيقاتها في المركز".
وتضرر جراء النزاع في دارفور ما يزيد عن 2.45مليون نسمة، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إذا لم تتمكن المحادثات التي تجري حاليا في أبوجا بين الحكومة والحركات المعارضة لها في الإقليم من التوصل إلى اتفاق مرضٍ.
وحسب التقديرات شبه الرسمية فإن المتضررين من الصراع من النازحين داخليًا حوالي 2.45مليون نسمة، وعدد النازحين داخليًا حوالي 1.8ملايين، أما عدد السكان المضيفين حوالي 500.000.وعدد الأطفال دون الثامنة عشرة حوالي 2.45مليون، أما عدد الأطفال دون الخامسة حوالي 550,000
المصدر
http://www.alriyadh.com/
|
|
|
|
|
|