الفاتح جبرا .. في ذمة الله
نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب د. الفاتح يوسف جبرا فى رحمه الله
|
هواء نضيف ( رقم عشرة ) : محسن خالد
|
كُنَّا صغاراً... والأمور كلها كالأرقام، لها صفرٌ ما تبدأ من عنده، تسلسلها ومضيَّها نحو جهة مُهَنْدَسة الترقِّي والتراكم لتأسيس ما هو كبير،... كُنَّا صغاراً، والأحاجي سفينة القرية الوحيدة التي تُبحر بنا، إلى أميرات نائمات، وفواطم من القصب الأحمر،... كبارنا يحكون وبراريد الشاي تلفُّ نحو فراغها،... والشمس أيضاً تلفُّ لأجلنا، نحو مُغْربية مكتنزة بالحُكا،... الدمبعلو مُعَذِب الناس في القصص، بيوته من نار، ورياشها من أميرات مخطوفات،.. والأمراء دائماً يتلصَّصون لدى أبوابه على مصارعهم وحتوفهم،.. وحكوا لنا أيضاً، عن الله، ذلك الذي بيوته مبنية من فُرش الزقوم والجحيم، هو الآخر،... كأطفال لم يكن بوسعنا فرز "دمبعلو" الغابة والجبال، عن دمبعلو "السماء"،... كان الكون يبدو لنا شاسعاً ومحفوفاً بالمخاطر، ومُتَرَصَّداً على الدوام من أحد الدمبعليين،.. إن ذهبت لتقطف زهرة من بين النباتات، فسيخطفك دمبعلو الغابة،... وإن تناومت دون سواك، ولم ترضخ لنصائح الوالدين، فسيحقد عليك دمبعلو السماء،.. كانوا يروضوننا بالرهاب، ككائنات صغيرة ستفقد الثقة والأمل ذات يوم، وستفقد إخلاصها لله، الذي جزعت منه في ماضيها فحسب، ولم تحبه ذات يوم،... (من ورائه جهنم ويُسقى من ماءٍ صديد، يتجَرَّعُهُ ولا يكادُ يُسيغُهُ، ويأتيه الموتُ من كل مكان وما هو بميِّتٍ، ومن ورائه عذابٌ غليظ)، كانت تُطاردنا ككابوس، وكأنَّ الله لم يُنْزِل: (اللهُ الذي خَلَق السماواتِ والأرضَ، وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمراتِ رزقاً لكم، وسخَّر لكم الفُلك لتجري في البحر بأمره، وسخَّر لكم الأنهار(32) وسخَّر لكم الشمس والقمرَ دائبين، وسخَّر لكم الليل والنهار(33) وآتاكم من كل ما سألتموه، وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها)، ليعلّمونا لها، من باب المناسبة وملاحظة الترقي في العمر والنضج،.. أو الآية الحلوة الثانية: (وترى الأرضَ هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت ورَبَت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج)،.. كُنَّا صغاراً، والرؤوس كانت صغيرة، وبيسر شديد يمكنها أن تخلط بين دمبعلو الغابة، ودمبعلو السماء،... أنا اليوم، أعود لمحسن خالد الطفل، لأكتب للذين لهم أطفال،.. احكوا لهم، عن الله الجميل، والذي يُحبُّ الجمال،.. كي تصنعوا خطَّاً عقلياً بينه وبين دمبعلو الغابة والجبل،.. الله الذي يضحك،.. الله الذي له وجه،.. الله الذي له أنامل،... الله الذي له رِجل،... الله الذي له يدان،.. الله الذي يستحي،.. الرحيم، الرحمن، القدوس، السلام،.. الذي خَلَق آدم على صورته،.. الله الذي يمدَّنا بالمصطرين والمونة لنبني الكون،.. فالقُ الإصباح والنوى،.. الذي يكتبُ الحسنة بعَشْرِ أمثالها،... والذي يكتب السيئة حسنة (عشرية) لمن يهم بها ولا يفعلها،.. الله الذي يقول لعبداً يدخل الجنة متأخراً جداً، مثل محسن خالد،... يا ابن خالد اذهب إلى مرتقاك في الجنَّة فقد صفحنا عن ذنوبك وآثامك،.. (ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون)،.. فيذهب ابن خالد خجلاً في ظلاله، من كرم ذاك (الله) وليس الدمبعلو، فيجد أنَّ الجنَّة قد امتلأت، وأطَّ أطيطها،... فيعود بأذيال المتسوِّل والمعتمد على فضل الله وحده،.. يا ربي، وجدتُها امتلأت وما من مكان لي،... فيضحك الله منه، رأفةً بحاله وتبخيساً لسوء ظنّه بما لدى الله،... ("فيضع الله رِجله على الجنَّة فتتسع" وتتسع، لملايين العباد المتأخرين، والراسبين)،..
الله (الدمبعلو)، والله الآخر (الجميل)
|
|
|
|
|
|
|
|
|