|
فاضى مجلود.....مليان مجلود!!
|
عدنان زاهر [email protected]
دون احساس بالخطأ او الذنب المستمد من الكابح الدينى سعت سلطة الانقاذ و بكل الوسائل و السبل بما فى ذلك – المنهج الميكافيلى المفضل لديها- لتمرير اجندتها السياسية و الامنية و لتثبيت سلطاتها. لم تستثنى فى ذلك جبهة أو مجال من مجالات العمل العام المختلفة لم "تهبشها"، و يدخل فى ذلك العدالة و أجهزتها المتمثلة فى القضاء و مؤسسات التشريع و تفسير و تنفيذ القوانين. ظل يساعدها على ذلك التزييف و التغييب جيش جرار من فقهاء السلطة و بعض المثقفين المتمسحين على اعتابها.
فى بداية سنين حكمها و لترويع المواطنين و ارهابهم بدأت فى تطبيق بعض مواد القانون الجنائى بشكل متعسف و به بعض من التشفى، و تمثل ذلك فى أعمال مادة السكر فى القانون الجنائى . استهدفت السلطة و أجهزتها، و هى تطبق تلك المادة ، بشكل رئيسى شاربى الخمر و ليس صانعيها، وذلك نهج غير سليم فى المنع مما يعكس الهدف الحقيقى من تلك الحملة و هو ترويع المواطن و اخافتهم. كان رجال أمن النظام و شرطته يكمنون بالقرب من اماكن بيع الخمور للقبض على من يقوم بشرائها. عندما عرف المستهدفين ذلك، صاروا يقومون بالقاء "اكياس" النايلون المليئة بالعرقى على الارض و تمزيقها بمجرد محاولة القبض عليهم. بالطبع لا يجد الشرطى سببا للقبض عليهم فيقوم باخلاء سبيلهم. أسقط فى يد الشرطة، و لكن سريعا ما توصلت الى الحل. أصبحت تحمل أكياس العرقى الممزقة ثم تقوم بفتح بلاغ "اتلاف" ضد الشخص باعتباره قد قام بالغاء الكيس و تمزيقه. أحد المتهمين عندما أصدر القاضى حكما بجلده - كما يفعل عادة- قال له بحسرة و غضب " يعنى يا مولانا فاضى مجلود و مليان مجلود!" يقصد بحديثه كيس العرقى "و الله دى قرقوش ما عمله! ".
بالطبع فتح بلاغ "اتلاف" ضد الشخص فى الحالة أعلاه لا علاقة له بالقانون من قريب أو بعيد، و تلك المادة من القانون الجنائى لا علاقة لها بمثل تلك الوقائع، ولا تطبق فى مثل هذه الاحوال و ذلك بالضرورة يشمل المحاكمة. ما يحيرنى من قام باعطاء الشرطة تلك الفتوى " الشيطانية" ؟!!
تحيلنى هذه القصة بشكل مباشر الى قيام السلطات المختصة بفتح بلاغات ضد الصحف السودانية و ايقافها بموجب المادة 130 من قانون الاجراءت الجنائية، و للفائدة والتوضيح نورد نص المادة و هو كما يلى:
1. اذا أبلغ وكيل النيابة ان أى أفعال تتعلق بالسلامة أو الصحة العامة ترتكب فيجوز له أن يصدر أمر يطلب فيه من الشخص المعنى فى ميعاد محدد أن يوقف ارتكاب تلك الافعال أو أن يصلح اثارها أو يزيلها بالطريقة المبينة فى الامر.
2. يتم اعلان الشخص المذكور بطرق الاعلان الموضحة فى القانون.
3. اذا لم ينفذ الشخص المعنى الامر فى الحال أو لم يتيسر اعلانه الفورى فيجوز لوكيل النيابة الأعلى فى حالة الخطر الداهم بأن يأمر باتخاذ الوسائل التى يراها ملائمة لازالة الخطر او منع الضرر.
يستبين للقارئ العادى و ليس للقانونى المتخصص أن هذه المادة و من نصها أن لا علاقة لها بقضايا النشر أو الصحف، و نضيف أن هذه المادة تطبق فقط على قضايا السلامة و الصحة العامة. قد كتب و صرح كثير من القانونين موضحين ومبينين ذلك الخطأ و لكن الجهات المختصة لم تعبأ بهم. لقد استغلت تلك المادة وعلى مدار عامين فى ايقاف الصحف و حجبها ، منها على سبيل المثال و ليس الحصر صحيفة الايام، الوطن، السودانى و قد تضررت تلك الصحف كثيرا. تضررت ماديا بايقاف عائدها و معنويا بتصويرها للمواطنين بانها ضد قضايا الوطن و المواطنين مما يستوجب جبر ذلك الضرر بتعويضها و فورا.
لقد ظهر وزير العدل- المرضى- ليدلى بحديث غريب و مدهش يقول فيه أن استخدام تلك المادة و لمدة عامين ضد الصحف كان خاطئا و أن ذلك الخطأ يتحمله مرؤوسيه ( صحيفة السودانى 27/5 ). ليس هنا بصدد التعليق على حديث وزير العدل فقد عودنا قادة الانقاذ التنصل غير المحترم من احاديثهم و افعالهم، لكن ما يهمنى هنا العدالة و هيبة القانون الذى يرجع اليه الكافة لارجاع حقوقهم الضائعة.
يتضح جليا فى حالة استخدام المادة 130 أن السلطة تستخدم القانون لخدمة قضاياها السياسية، و يبدو أن السلطة لم تعد تحتمل الهامش البسيط من حرية الصحافة التى تكشف فسادها و تعريه، لذلك فهى تلجأ للاستخدام " الملولو" للقانون لتكميم تلك الاصوات و اسكاتها.
أن استغلال القانون و "كسر رقبته" لتحقيق مآرب سياسية او لغير ما شرع من أجله ، أو كما صوره ذلك التعبير البسيط المعبر عن الاحساس بالظلم و تغول و عسف السلطة "فاضى مجلود مليان مجلود" يضعف الثقة فى القضاء و القانون و يدفع الاخرين للبحث عن اٍعادة حقوقهم بطرق مختلفة خارج الأطر العدلية.
30 مايو 2007 /الميدان
|
|
|
|
|
|