صاحب الوجود والزمان

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-09-2024, 11:48 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2007, 06:03 AM

Mohammed Elhaj
<aMohammed Elhaj
تاريخ التسجيل: 12-12-2004
مجموع المشاركات: 1670

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: صاحب الوجود والزمان (Re: Mohammed Elhaj)

    هيدجر : من الكينونة إلى الزمان1
    عمر مهيبل

    العلاقة بين الكينونة والزمان علاقة أبدية ، فكلاهما يحيل إلى الآخر باستمرار ، وآية ذلك يتجلى في أن أهم شئ أملكه في هذا الوجود هو وجودي ذاته ، ولكنه وجود معرض لأن أفقده في كل لحظة على اعتبار أن أسمى إمكانية حقيقية للكائن هي إمكانية الموت ، لأن الكائن كائن من أجل الموت ، إلا أن الموت لم يتحقق بعد ، فأين هو إذن يتساءل هيدجر ؟ إنه مسجل في ذاكرة الزمان القادم ؟ إنه المستقبل . من هنا يصير الكائن كائنا من أجل المستقبل همه الوحيد العمل على تحقيق وجوده "المشروع" والدازاين بهذا المعنى موجود زماني لا باعتبار أنه يوجد – في – الزمان كشيء منفصل عنه ولكنه هو نفسه وجود زماني ، أو أنه مكون للزمان ، وهنا أسمح لنفسي بالاستنجاد بسبينوزا الذي يرى أن ليس هناك تطابق بين الفكر والواقع – أو الفكرة والشيء – لأنهما وجهان لفكرة واحدة بكل بساطة : من جهة هي الفكر ، ومن جهة أخرى هي الواقع.
    وهكذا هي الكينونة عند هيدجر فهي الكائن والكينونة في آن واحد والزمان(**) هو حركة دائبة نحو المستقبل ، فما هو المستقبل ؟ إنه الموت ، وما هو الموت؟ إنه التجلي المطلق للعدم ، فما هو العدم إذن ؟ أين نبحث عنه وكيف نعثر عنه ؟.
    يقول هيدجر "يدفعنا توضيح السؤال عن العدم بالضرورة إلى الموقف الذي يجعلنا نعرف هل من الممكن أن نتلقى إجابة عنه ، أم أن الإجابة عنه مستحيلة .. ويترتب على ذلك أن كل "إجابة" عن هذا السؤال مستحيلة منذ البداية ، ذلك أنها تتمثل – وفقا لقوى الأشياء – على النحو التالي : العدم هو هذا أو ذاك. "فالسؤال والإجابة – فيما يتعلق بالعدم – ينطويان على الخلف نفسه" .. وأيا كان الأمر ، فنحن نعرف العدم ، حتى لو لم يكن ذلك إلا بوصفه تلك الكلمة التي نلوكها بالسنتنا كل يوم ، وهذا العدم المبتذل ، العدم الشاحب المصاب بفقر الدم ، العدم الذي يحوم حول أقاويلنا دون أن يجعلنا نلاحظه ، هذا العدم نستطيع أن نخلع عليه بلا تردد ما يشبه التعريف ، فنقول : العدم هو السلب اللاأساسي بجملة الوجود"(1) .
    والعدم يكشف عن نفسه في "القلق" أو أن القلق يميط اللثام عن العدم ، لكن المشكلة هي أنه ، أي العدم ، لا ينكشف لنا بوصفه موجودا ولا يعطي لنا بوصفه موضوعا أيضا ، كما أن القلق ليس فعل العدم ، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول أن العدم يكشف بوساطة القلق فيه ، ويكشف دفعة واحدة غير مجزأة لأن وجود الكائن نفسه غير مجزأ ، وليس فعل العدم حدثا جزافيا أو عارضا كما يؤكد هيدجر ، لكن وبما أنه يشكل مصدر تأثير على الكائن المنزلق بأسره فإنه يكشف عن هذا الكائن في "غربته" الكاملة التي لم تكن واضحة حتي ذلك الحين ، وهو الذي يكشف عنه أيضا بوصفه " الاخر المحض " في مواجهة العدم ، ودون الكشف الاصيل للعدم لن يتيسر بلورة وجود ذاتي أو حرية أصلية وبالتالي لن يتمكن الكائن من تحديد مهامه المنوطة به تحديدا واضحا ، وعليه اذا كان الدازاين لا يستطيع أن يقيم علاقة " مع " الوجود الا بالبقاء داخل العدم، وإذا كان العدم لا ينكشف أصلا إلا في القلق ، وفي القلق الأصيل فقط مع أنه نادر الحدوث ، ألا يفرض علينا هذا المطلب أن نخلق باستمرار في عالم القلق حتى نستطيع أن نوجد على الإطلاق ، ثم ألم نعترف نحن أنفسنا بأن القلق الأصيل نادر الحدوث . إذن ألا يكون هذا القلق مجرد أختراع تعسفي ، ويكون العدم الذي نسبناه إليه مجرد مبالغة أيضا ؟
    من جهة أخرى ، يمكن أن نعبر عن العدم بأنه السلب ، لكن ما هو السلب؟ يجيب هيدجر "ليس السلب سوى حالة من حالات السلوك الذي يعدم أية حالة مؤسسة منذ البداية على فعل الإعدام"(2) ، والنتيجة التي نصل إليها هنا مؤداها أن العدم هو في السلب لا العكس" ، وعلى أية حال حينما يجد الدازاين نفسه داخل العدم – أو لنقل داخل السلب – بتأثير من القلق المزعزع ، فإنه يصير حارسا للعدم . آية ذلك أن ما نتصف به من تناه يجعلنا عاجزين عن الولوج إلى عالم العدم باختيارنا وتصميمنا ، هذا دون أن ننسى النتيجة الأهم ، وهي أن بحث مسألة العدم ينبغي أن يؤدي مباشرة إلى صلب مبحث الميتافزيقا ، هذه الميتافزيقا ، التي يسمح عنوانها الغريب – ما بعد الطبيعة حسب الاشتقاق اليوناني – بالخوض في هذه المسألة دونما إحراج يذكر ما دامت تتساءل عما يتجاوز الدازاين.
    إن الزمان عند هيدجر ليس مجرد امتداد أفقي ، بل هو حركة دؤوبة نحو المستقبل ، من حيث أن كل وجود هو إمكانية تنتظر التحقق ، وسواء أفضت هذه الحركة إلى الإمكانية الأخيرة ، وهي إمكانية الموت ، أم إلى أية إمكانية أخرى من العالم اليومي فإن المستقبل المشروع يتولد منها ، وحينما يقول هيدجر إن كينونتنا هي مشروع كينونة فقط ، فهذا يعني أن الإنسان هو الكائن الذي عليه دائما أن يوجد ، كما يعني أيضا أنه دائما في موقع العمل على تحقيق أمكانيته ، وفي توتر مستمر نحو المستقبل هذا إن لم نقل إن زماننا نفسه إنما يبدأ من المستقبل ، إلا أن انبثاقات الزمان كما بلورها في "الكينونة والزمان" ثلاثة : إذ بالإضافة إلى المستقبل هناك الماضي والحاضر ، فكيف تتجلى هذه الانبثاقات في مستوى حياة الدازاين ؟
    بداية نجد أن هيدجر ينظر إلى هذه الانبثاقات نظرة تكاملية أو ترابطية ، فالمستقبل عنده لا يعني الآن الذي لم يحدث بعد ، أي أنه ما زال ضمن الممكنات التي لم تتحقق بعد ، وأن الماضي لا يعني ذلك الآن الذي انقضى ، بمعنى ما تحقق من ممكنات، كما وأن الحاضر لا يعني ذلك الآن الذي انقضى في اللحظة الراهنة ، أي ما يجري تحقيقه من ممكنات في الوقت الراهن ، هذه الانبثاقات الزمانية تعبر عن ارتباط الذات الإنسانية بوجودها ، وانشغالها بصميم كينونتها وتعاليها المستمر على ذاتها وعلى همها الجاثم على صدرها ، فإذا كان المستقبل هو ذلك الطموح المتأجج ، المتشوق إلى استكشاف عوالم جديدة ، وفتح آفاق أرحب لهذا الكائن ، فإن البعد الآخر في هرمية البنية الزمانية عند هيدجر ، وهو الماضي ، لا يعني بالنسبة إليه إلا هذا اليقين من أنه موجود متناه وأنه يحمل هذا المتناهي منذ البداية، أي أنه كائن مائت لأن مستقبله يتضمن موته ليس إلا ، وعليه بقدر ما يشارك الموجود في مستقبله ، أي في إدراكه لموته بقدر ما ينبعث مجددا ، أي يجدد ميلاده ، فبين الانبعاث وإدراك الموت يبرز الحاضر الذي هو اللحظة القصوى في توتر الدازاين وذروة كينونته .(3)
    إن الحاضر هو إدراكي للوضع الراهن ، وعندما أدرك حقيقة هذا الوضع أعرف إنني كائن متناه وفي الوقت ذاته أتأمل في إمكانياتي وهي تتحقق ، وأشهد مهماتي وكل الأشياء المحيطة بي في العالم ، وأرى نفسي كما أنا ، وكما هي الأشياء أيضا أي كما هي موجودة بالفعل ، فكأن الحاضر هو اللحظة التي أستطيع فيها أن أرى وجودي من البدء حتى الموت ، إنه يجعل الأشياء كلها حاضرة أمامي ، ويكشف لي جميع إمكانياتي الكامنة والتي أستطيع أن أحققها إلا أن هذا الحضور إنبعاث لماض لم يعد موجودا ، وعلى الرغم من أهمية الإنبثاقات الزمانية الثلاثة عند هيدجر ، إلا أن بعد المستقبل هو دائما بحث يتمحور حول ما لم يوجد بعد في حركة دائبة ودائمة إلى الأمام ، ولكن إلى الخلف أيضا في بعض الأحيان ، ذلك أن الكائن في حاجة إلى أن يكبح إندفاعه إلى الأمام، والعودة قليلا إلى الوراء ليقف وقفة تأمل لماضينا نستنطقه ونقرأ مضامينه وما تحقق فيه ، فالعود المستمر إلى الماضي لا يكاد ينفصل عن حركتنا الدائبة نحو "المستقبل" وآية ذلك أن الإنسان هو مجرد مشروع وجود مرهون بتحققه المستقبلي .
    بيد أنه وقبل أن يصل إلى هذا التحديد المستقبلي عليه أن يقوم بعملية سبر لأغوار ماضيه السحيقة عله يقف فيها على "تحديداتها" أو "مكونانها" الأصلية التي تكون سنده في رحلته الوجودية الطويلة القاسية ، فحد المستقبل يحيله إلى الموت وما أقسى الموت ، وحد الماضي يحيله إلى إمكانات لم يخترها وعليه أن يتقبلها شاء أم أبى وكذلك يحيلنا إلى ما سقط ، أي ما لم يتحقق من هذه الإمكانات وعلى العموم فهو لم يختر مصيره في كلتا الحالتين ، فما تحقق ليس ملكه ، وما لم يتحقق بعد ليس ملكه ، وتبعا لما ألمعنا فإننا ، وعلى الرغم من جميع الصعوبات ، وما نشعر به من بأس وقلق ، فإننا لا نمضي من مستقبلنا إلى ماضينا في شكل "ارتدادي" أو "تذكري" بل إننا نعمل على أن نسترد أنفسنا ونستجمع قوتنا في "الحاضر" ، حيث يمثل هذا الحاضر أو "الآن" الخيط الرفيع الرابط بين المستقبل والماضي ، ولكن هذا الحاضر لا يجيء عند هيدجر إلا بعد "المستقبل" و"الماضي" وذلك بوصفه نقطة تلاقي مركزية لحركتين متجاذبتين للذات هما : حركتها نحو الأمام ، وحركتها نحو الخلف ، فالماضي ينبعث عن المستقبل لكي يولد الحاضر ، ومن هنا يأخذ بعد المستقبل كل أهميته عند هيدجر .(4)
    أ - من الزمان إلى زمانية الكائن
    ان الزمانية Temporellite (هناك من يترجمها بـ Temporalite ) عند هيدجر صفة الدازاين المتزمن أو المندمح في زمانه ، بمعنى آخر إنها شعورنا ونحن نحيا هذا الزمان بشكل اصيل وواع ، فلا تحقق للكينونة على هيئة الأنية إلا بالزمان ، ولا آنية إذن إلا وهي متزمنة بالزمان ، وتلك هي الزمانية : فهي الطابع الأصيل للآنية ، لذا لابد أن نجد خواص الآنية في الزمانية ، وهي خواص حددناها في آخر الأمر في ثلاث ، المنفصل ، التوتر ، والإمكان ، فلنحاول الأن أن نبين خصائص الزمانية إبتداء من هاتيك .(5)
    فما معنى أن تكون الزمانية محددة تحديدا يتميز بالانفصال مع أن أصالة نظرية هيدجر برمتها إنما مرده إلى قوله بالتحام آنات الزمان ، وتوحيده بين الكينونة وطابع الزمانية ثم ربطه للوجود من أجل الموت بتناهي الزمان ورفضه كل إحالة لفكرة السرمدية . في البداية نستأنس بهذا التحديد الأولى الذي يرى فيه أن وصف تركيب الزمانية بالانفصال يؤدي إلى القول بأنها ، أي الزمانية ، مكونة من وحدات منفصلة عن بعضها بعضا ، وحدات قائمة بذاتها مقفلة على نفسها سميت لدى أغلب الباحثين في مسألة الزمان "بالآنات " مع الإشارة إلى أن المسألة عويصة ومعقدة إلى أقصى درجة حتى أن أفلاطون وأرسطو اضطرا في نهاية الأمر إلى القول بان الزمان مركب من آنات ، مع أن باطن ما اعتقداه وخاصة أرسطو في "السماع الطبيعي" يوحي باتباعهما الطريق الثاني القائل بالانفصال ، إلا أن واقع الحال يبين لنا أن القول بأحد الأمرين وبالأخص ما تعلق منه بالاعتقاد بأن الزمان متصل يحيلنا إلى إشكالات عديدة قد يقع فيها القائل بهذه الفكرة ، ذلك أن إثباتها من خلال الاعتبارات الفزيائية التي ترى أن الحركة لا تتم إلا عن طريق التلامس المباشر بين طرفي الحركة : المحرك والمتحرك على اعتبار أنه ما دام الزمان مقدار الحركة ، وما دامت الحركة تتطلب التلامس والاتصال كما ذكرت فإن الزمان بدوره لابد أن يقتضيهما أيضا ، أو من خلال الاعتبارات النفسية التي تستند إلى مفهوم الذاكرة كنقطة محورية ، فالذاكرة ملكة كلية قبلية تربط بين الأفعال في الشعور بطريقة متصلة اعتقادا من القائلين بهذه الاعتبارات بأن الذاكرة سجل دقيق يرتسم عليه تيار متصل مستمر ، يصل الماضي بالحاضر ويصل الحاضر بالمستقبل ، هذا الاتصال لا يعني عندهم التكرار ، بل ينظرون إليه بوصفه تيار يجري باستمرار دون أن يرتد على ذاته ، وتباعا لهذه المحصلة نظر إلى الزمان على أنه تيار متصل يجري في اتجاه واحد من الأزل إلى الأبد . إذن لا الأعتبارات الفزيائية ولا النفسانية يمكنها أن تؤدي عند هيدجر إلى القول بأن الزمان مكون من وحدات منفصلة يشكل شعور الإنسان بها وإدراكه لها ما نسميه بالزمانية ، لكن ما هو الدليل على أن الزمان وحدات منفصلة : ماض وحاضر ومستقبل ؟
    إن تحديد العلاقة بين الآنات الزمانية السابقة ، وإظهار أوجه التفرد أو الإنفرادية في كل منها يؤدي إلى بحث مسألة الوجود الماهوي وهو الوجود الذي قد يصير فيه الممكن واقعا متحققا بالفعل في العالم على خلفية تغافل الزمان في صورة العدم بحيث يصير في إمكان الوجود الماهوي الاختيار بين ممكنات عدة لتحقيقها بالفعل وذلك عبر الهرمية التالية : الإمكان ، الفعل ، التحقق بالفعل.(6) وبما أن الإمكان في نظره يعني الوجود الذاتي وهو في حالة "تكون" إن صح التعبير ، أي أنه سابق على التحقق بالضرورة ، فإنه يصير من الواضح تماما أن هذا الإمكان سابق على الواقع ، وكل إنكار أو رفض لهذه الحقيقة تحت أي عذر كان يكون صادر عن وهم ، أو لنقل على سوء تقدير حتى لا نكون مغالين في حكمنا ، وسوء التقدير هنا مكمنه المساواة بين مستويين مختلفين : مستوى الوجود الماهوي (أي مستوى الإمكان) ومستوى الوجود العيني (أي مستوى الواقع) ، بيان ذلك أن الذات تحوى أمكاناتها بشكل مسبق ، وهي حرة في اختيارها لبعضها على حساب بعضها الآخر لأنها لا تستطيع أن تحققها كلها ، وبعد أن تختار تأتي المرحلة التالية وهي وضع ما تم اختياره من إمكانات للتحقق موضع التنفيذ فيصير الاختيار والتنفيذ فعلا واحدا متى نظرنا إليهما على أساس أنهما تجسيد متكامل في حاضر مباشرة ، ثم يأتي بعد دور الفعل وقد تحقق ، هذه الأدوار في واقع الأمر متكاملة ومترابطة فيما بينها : فالفعل بوصفه ممكنا أي "سيكون" معناه المستقبل ، والفعل بوصفه شيئا "حادثا كائنا" معناه الحاضر ، والفعل بوصفه شيئا "قد كان" معناه الماضي، ومن خلال هذه الأدوار أيضا نفهم الزمان في أبعاده الثلاثة التي هي ذوات معان وجودية خالصة . والوجود من صميمه أن يحيل إلى فعل ، بل أن يتجسد في فعل واضح محدد ، وكل وجود يعتقد أنه يمكن تصوره خارج إطار الزمان هو وجود ناتج عن تجريد كاذب يسعى يائسا إلى التخلص من سلطان الزمان عليه ، وبالتالي إيهام الأخرين بأنه كائن غير متزمن أو يقع خارج الزمانية.(7)
    إن القول بزمانية ، الكائن ليس مسألة عفوية أو إعتباطية عند هيدجر ، بل إنه يمثل خطوة أساسية في طريق الوصول إلى حقيقة هذا الكائن وإعطاء وجوده معنى ودلالة ، وكل كينونة تبحث عن العزاء ضمن حدود السرمدية فإنما تبحث عن سراب لأن السرمدية والزمانية مفهومان متناقضان ، فقد أدرك الإنسان منذ أقدم العصور أن الزمان هو المحرك للوجود ، فيه تتفاعل الأفعال وبه تتحقق ، إلا أن ما يتحقق من إمكانات هو سلب لإمكانات أخرى ، وهذا معناه ببساطة أن التحقق لن يكون كاملا ، وعد التحقق الكامل ينفتح على الشقاء شقاء الكينونة ، فالزمان إذن هو أصل الشقاء وكل محاولة لمجاوزة هذا الشقاء دون أن تأخذ في حسبانها حقيقة الزمان تكون محاولة غير مؤسسة ، إن لم نقل زائفة ، لأن الزمان شر لابد منه وعلينا أن ننظر إلى كينونتنا بما تتضمن من شر ، وأن نقلع عن البحث عن الأبدية أو الخلود فهذا لن يغير في واقع الدازاين شيئا لأن الكينونة الأصلية مطبوعة بطابع الزمانية بالضرورة ، هذه الزمانية يفسرها هيدجر على أساس الهم الذي يعد بمثابة المحرك الداخلي لآنات الزمان الثلاثة ، إلا أن التأمل العميق في هذه المسألة كما يرى بعض شراح هيدجر وعلى رأسهم "الفونس دوفيلانس" Alphonse de Waelhens(*) يرون أن تأكيد هيدجر على ربط الزمانية بالهم لا غبار عليه في حد ذاته لو لم يفض إلى مغالاة واضحة في هذا الربط ، فقد كان الأولى أن يربط الهم بالماضي على اعتبار أن الإنسان مهموم بما لم يستطع تحقيقه من الإمكانات التي يتوفر عليها ، أما المستقبل فهو ما لم يتحقق بعد ، ومع أنه مهموم بتحقيق إمكاناته إلا أن الإنسان في هذه المرحلة ينظر إلى الحياة بأمل عله يحقق ما لم يحققه من قبل هذا من جهة ، أما من جهة ثانية فإن تأكيد هيدجر على أسبقية المستقبل ، وعلى الرغم من أنها نتيجة منسجمة مع منطلقاته الأولى ، فهي تفضي إلى تساؤلات أهمها : أن القول بأسبقية المستقبل وأهميته قياسا بالماضي والحاضر يعمل على خلخلة مفهوم الزمانية ذاته من حيث أنه نظرة متكاملة لآنات الزمان الثلاثة ، ثم إن مشكلة أولوية آنة من الآنات على الآنات الأخرى مشكلة قديمة إلا أن الوجودية أعادت طرحها بجدة وانتصرت في النهاية بتفرعاتها المختلفة لصالح بعد المستقبل.
    ب- من الزمانية إلى التاريخية
    لقد رأينا عند تحليلنا لمفهوم الزمانية عند هيدجر أن الزمانية لا تكون على حد قوله بل هي تتزمن ، وأنها التخارج الأصيل في ذاته ولذاته ، والخلاصة المحصلة عنده هي أن الماضي يوجد في داخله المستقبل ، والمستقبل هو خارج الماضي ، بمعنى إنه ليس هو الماضي لكنه يطل على الماضي والشيء نفسه ينطبق على علاقة الحاضر ، بهما معا ، وهكذا فكل بعد من هذه الأبعاد الثلاثة يختزن بمعنى من المعاني باقي الأبعاد الأخرى ويستغرقها بطريقته الخاصة وفي الوقت ذاته هو مستغرق فيها ، ولكن هذه المرة وفق منظورها ، فالعلاقة إذن بين هذه الآنات هي دائما بين شد وجذب . وإذا كانت الزمانية تتزمن إبتداء من المستقبل ، فإنها وحسب تحليلات هيدجر ، تتزمن ابتداء من الماضي أيضا ، وعندما نقول "ماضي" فإننا نحيل إلى التاريخ ، والتاريخ بدوره يحيل إلى التاريخية ، فكيف ينتقل الكائن التائه في دروب الكينونة من الزمانية إلى التاريخية ، وهل هذا الانتقال له ما يبرره ؟
    بداية نقول إن "التاريخية" Historicite أو Historialite عند هيدجر هي الصفة الكلية للزمانية ، وهي التي تضم الأبعاد الزمانية الثلاثة : الماضي، الحاضر والمستقبل ، وقد استقطبت كلها من خلال مواجهة واعية لفكرة المصير الذي ليس هو إلا مصيرا يجري إلى الموت ، ويختلف مفهوم التاريخية بهذا المعنى الهيدجري عن مفهوم الفيلسوف التاريخي عند دلتاي W.Dilthey ، حيث يرى أن التاريخ علم موضوعي يدرس الوقائع الإنسانية بشكل مستقل عن الإنسان ، يقول هيدجر : "إن الصورة التي ما تزال شائعة إلى اليوم ، وفي كل مكان عن دلتاي هي كالتالي : إنه المفسر الحاذق للتاريخ العقلي ، وخاصة الأدنى منه حيث أجهد نفسه أيضا لإقامة التفرقة بين "علوم الطبيعة" و "علوم الروح" ، وهو بهذا يعزى إلى تاريخ هذه العلوم إلى السيكولوجيا أيضا دورا بارزا يسقط في نوع من "فلسفة الحياة" النسبوية ، فإذا ما نظرنا إلى الأمور نظرة سطحية فأن هذا الوصف صحيح . لكن اذا نظرنا اليها من الناحية الجوهرية فأن هذا الوصف غير واضح، أنه يخفي أكثر مما يبوح " (8) . ويري هيدجر أن نظرة دلتاي هذه تنطوي علي مغالطة – مع أنه يستفيد منه كثيرا وهذا بأقراره هو – أذ كيف يتاح للوجود الانساني أن يستقل عن نفسه ، مادام التاريخ هو دراسة هذا الوجود ، ذلك أنه يري أنه لا يمكن وصف أية واقعة بأنها تاريخية الا بأرتباطها بالانسان ، وكل استعمال لكلمة " تاريخي " أو تاريخية يفترض وجود الانسان بشكل اولا في ما هو معني بالتاريخية بالدرجة الاولي هو الدازاين وليس الطبيعة أوالاشياء .
                  

العنوان الكاتب Date
صاحب الوجود والزمان Mohammed Elhaj05-05-07, 04:12 PM
  Re: صاحب الوجود والزمان Mohammed Elhaj05-05-07, 04:23 PM
  Re: صاحب الوجود والزمان Mohammed Elhaj05-05-07, 04:51 PM
    Re: صاحب الوجود والزمان Sahar Abdelrahman05-06-07, 03:56 PM
  Re: صاحب الوجود والزمان Mohammed Elhaj05-06-07, 04:46 PM
  Re: صاحب الوجود والزمان Mohammed Elhaj05-07-07, 06:03 AM
  Re: صاحب الوجود والزمان Mohammed Elhaj05-07-07, 03:53 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de