|
|
 المجذوب ..............
|
دائماً ما تجده هائماً على وجهه يحمل الكثير من الأقلام و يتأبط كراسته التي لا تفارقه , و في بعض الأحيان تجده جالس عند أطراف البحر( و البحر في لغتنا تعني النيل بابيضه و أزرقه فيقال لك بحر أبيض أي النيل الأبيض و بحر أزرق أي النيل الأزرق) يبكي و يقرض الشعر و يكتب الخواطر و ينزعج جداً حينما يقتحم أحدهم خلوته و كنت حينما أجده على هذه الحالة أجلس أراقب الموقف عن كثب في انتظار نهاية الإلهام و انصراف ربة الشعر لأظفر بقصيدة أو خاطرة......
لم يكن الكثيرين يؤمن بموهبته أو على الأرجح أنهم لا يهتمون للشعر و لا للشعراء ولقاء الموت عندهم الأديب ، لا يعرفون المتنبي .. أبي تمام .. فارق جويدة و لا دكتور معز عمر بخيت ، لم يقروا للطيب صالح و لا لعلى المك و لم يسمعوا بي تلستوي و لا حربه و سلامه war and peace و لا الن بتون وبكاء وطنه cry the beloved country و لا تشنوا اشيببي و تساقط أشيائه things falling parts , منعزلون ثقافياً سقف أحلامهم و طموحاتهم أن يشتري أحدهم سيارة ( بوكس ) لكي يضع عليه (جركانت) اللبن .
كان اسمه المجذوب يكتب في كل شيء في الحب و الهجر و الوصال لكننا لم نعرف له يوماً حبيبة بعينها كان على قرار الزين في رواية الطيب صالح )عرس الزين (يتكسر في صمت في كل من يراها بعين البصيرة و يتوسم فيها الجمال ويتوهم أنها تبادله نفس المشاعر و أبداً لم يكن يصرح بحبه و لا باسم محبوبته ، يجلس الساعات الطوال في وهج الظهيرة لكي يظفر بنظرة ، و سرعان ما يمل ممن أحبها و يذهب للبحث عن أخرى , و الغريب في الأمر أنه لديه مواصفات خاصة و موغلة في الخصوصية في من يحبها , إذا وجدته جالس قبالة منزل و العرق بتصبب من جبينه فأعلم علم اليقين أن بهذا المنزل أنثي مبدعة موغلة في الأنوثة و الجمال ، وكنت في كل مرة أجد إن حدثه صادق مائة بالمائة من جمال و ثقافة و أدب رفيع , ذات يوم وجدته جالس قبالة منزلنا لم تزعجني الفكرة رغم إنني شرقي عاصف المزاج , و عربي جلابي قح تزعجني مجردة فكرة إن هنالك من نظر إلى اى شخص من آل بيتي , أسرعت الخطي إلي بيتنا و تركته في جلسته كنت فقط أريد أن اكتشف من هي الأنثى المبدعة التي تستوطن منزلنا استعرضت الكل واحدة واحدة وقفت كثير قبل أن أطرق الباب لم أجد من تنطبق عليها مواصفات المجذوب , جعلت اردد في سري هل أخطاء المجذوب و تدله في الجمال فقط هذه المرة قلت في نفسي ربما ، طرقت الباب أطلت هي الأنثى المبدعة بشحمها و لحمها أطلت كما البدر بين طيات السحاب أدركت حينها إن حدثه لم و لن يخيب , كانت ضيفتنا لبضعت أيام وقفت كثيرا اتاملها و أمعن النظر في ذلكم لجمال الإلهي المهيب تعمدت أن أسحبها خارج باب المنزل حتى يراها وقف المجذوب كثيراً و دمعت عيناه لم تلاحظه هي ربما لملابسه الرثة و شعر الأشعث الأغبر , و انصرفنا الى حال سبيلنا لكن بلا شك تركت فينا و ضع خطين تحت كلمة فيــنــا جرح لن يسقط بالتقادم ، جرح جريمة ضد الإنسانية , إبادة جماعية لمشاعر قل أن يجود بها الزمان ، تقويض لإحساس نبيل ، و إثارة للحرب ضد بني جنسها من النساء.
لا.... في روضة غنا لا زهر عطر بيادر ..
الشهور يا ريتا تجري و كل يوم يا ريتو باكر ..
تسارع إيقاع حياتي و دخلت الجامعة و قل اهتمامي بالمجذوب و أشعاره و إناثه المبدعات لكنني اسأل عنه متى ما قفلت راجعاً لأهلي ، و ذات يوم سالت عنه فقيل أنه أختفي في ظروف غامضة كما مصطفي سعيد في (موسم الهجرة إلى الشمال) , أختفي بكراسته و أقلامه و إبداعه و إناثه , و تضاربت الروايات حول مصيره بعضهم قال أن البحر شاله
البحر الشالك أنت يتكسر حته حته .
و بعضهم قال أن والده أنبه على جلوسه بلا شغل و لا مشغله فخرج لا يلوي على أحد.
و الكثير من الروايات و المبالغات نسجت حوله...
لكنه ذهب، ذهب كما تذهب كل الأشياء الجميلة في حياتنا, ذهب كما ذهبت هي لهثاً وراء المال والنفوذ و الجاه و صارت مجرد ذكري, ذكري مؤلمة تدمي الفؤاد....
انتهي ...
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست