الشعر ومجاز النبوءة .... قراءة في ديوان (نافذة لاتغري الشمس) للشاعر محمد مدني

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-25-2024, 04:14 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-15-2007, 10:01 PM

محمد جميل أحمد
<aمحمد جميل أحمد
تاريخ التسجيل: 03-21-2007
مجموع المشاركات: 1022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الشعر ومجاز النبوءة .... قراءة في ديوان (نافذة لاتغري الشمس) للشاعر محمد مدني

    إلى أي مدى يرتقي تأويل الشعر في معنى النبوءة ، وهو يبحث عن صوته الخاص بين حقول التجريب ، وجوديا ولغويا ، في مسار يمنح الشاعر القدرة على الفكاك من حصار المآزق . تلك التي تترس حدود التجربة الشعرية ، بحيث يكون وجوده في الشعر جزءا من الحياة لا موازيا لها كما يرى أدونيس مثلا ؟ . وبصورة يكون البحث فيها عن الشعر تقطيرا للوجود يستحق التجريب ويرخص صلابة الحياة وتخومها القاسية ليجسر فواصل الرؤيا في حدود الزمان والمكان على نحو ما أقدم في ضرب من ذلك الشاعر الفرنسي الكبير رامبو ؟ .
    ربما كان الشاعرالصديق / محمد مدني يقترح مجازا للتجربة الشعرية قياسا على مجاز النبوءة بكلمة لا تخفي تلك الدلالة في قاموسها الديني . وكأنه بتلك الكلمة يحيل مقاربة الشعر إلى مقاربة المطلق ، في ظهر الغلاف الأخير لديوانه (نافذة لا تغري الشمس) الصادر عن المكتبة الأكاديمية بالخرطوم في العام 2000. حيث يقول :

    دثروني... فالكلام البكر جاء
    ها أنا أركض نحوي
    فالعمى شارة صحوي

    بهذه العبارات المكثفة والمختصرة يفتش محمد مدني عن المعنى البكر في غابة الكلام ، ويدخل في الغياب بطقوس إستعارية تلتبس المطلق في البحث عن الإبداع . على نحو يعادل العدم بالحياة في موازاة لحظة الكشف .

    هزت الدهشة أركان سكوني
    ضاع موتي

    وإذا كان الشعر عادة اختراقا للزمن ينفذ من الكلام المدور فيه إلى الثابت والمطلق في خطوطه الأبدية ، فإن اللحظة التي تواقع فيض الشعر وتؤرخ ميلاده في العالم هي انطفاء في الذات يقلب الوعي ، ويفجر ما كمن منه وفق علامات الحضور والغياب في شرط الإبداع . ومن هنا يكون العمى في الخارج هو شارة الصحو في الداخل . إذ أن الشعور بالعالم هنا شعور منفصل عن الزمن ، في نفس الوقت الذي يؤرخ فيه الزمن ميلاد النص. فالشعر فناء في الغياب يكتشف بقاء صورة العالم في الكلمات التي تنسجها روح الشاعر .
    ولكن المقطع الذي ذكرناه آنفا ، والذي جاء في تضاعيف نص متأخر نسبيا عن تاريخ أو قصيدة في الديوان ، يزايل التناص المعنوي الذي يوحي به في القياس على مجاز النبوءة من خلال كلمة (دثروني) بصورة مباشرة . مما لا يعني دهشة البداية بقدر ما يعني أن الشعر هو بدايات دائمة بما لا يقاس عليها . أي استحالة تماثل منتوج اللحظة الشعرية بما هي بصمة إبداعية خاصة في التجربة الشعرية المتجددة . على أن الشاعر ربما قصد من ذلك التناص تصعيد ما يصدر عنه الشعر من منافذ الباطن بموازاة الغيب . أي موازاة الإلهام والوحي ، وما يرشح عن ذلك من الرؤيا والمعرفة في حدود ربما لا تتعدى المشاكلة اللفظية للكلمة.
    أول ما يلفت القارئ في الديوان : المساحات المتعادلة للبياض والسواد كجزء من كتابة الديوان تتهندس فيها الحروف والكلمات بصورة كأنها تعين على قراءة أكثر دقة من خلال علامات الكتابة والترقيم (وهو تخطيط تركه الشاعر لصديقه الشاعر السوداني عاطف خيري) بطريقة تضفي حوارا صامتا بالإضافة إلى تلك النبرة الكتابية المضبوطة . ويكشف الديوان ، الذي ينطوي ثلثاه على قصائد مؤرخة قبل 25 عاما أو أكثر (1977 ــ 1980) بينما كتب الثلث الأخير ما بين العامين (1980 ــ 1987) ، عن أسلوب جمالي استقر به الشاعر منذ اللحظة الأولى على كتابة شذبت الكثير من أعشاب البلاغة الشعرية الضارة . وكأن الشاعر أراد بإصدار الديوان في عام 2000 أن يستعيد (صورة الفنان في صباه) على نحو ما . بل يمكننا القول ــ بشيء من الحسد ــ : كيف أفلت صوته الشعري طوال تلك الفترة من طبول اليسار (وهو المنحاز سياسيا) إلى التكثيف والترميز المضفور بغنائية دوزنها إيقاع مضبوط ؛ وهي فترة جرت فيها مياه غزيرة حول وظيفة الشعر والأيدلوجيا . أو صوت الشاعر وصوت الحزب . بحيث نجزم أن القصائد مابين العامين (1977 ــ 1980) تبدو أكثر بصرا بقلق الشعر في تشكيل رؤية تحتقن بالإبداع في حوار الشاعر مع العالم بصوته الفرد وضميره المعذب . حتى يبدو لنا لأول وهلة أن هناك قلبا في ترتيب تواريخ القصائد (وهي لحسن الحظ كلها مؤرخة) .
    يقول الشاعر من قصيدة (شهرزاد والمقصود) :

    تنكرني الحروف
    تلسعني سياطها المائية الرنين
    تنسج لي من خطوها معاطف النكاية

    فهو منذ البداية يستمر مع أفعال المضارعة في احتمالات تهجر اليقين بثقة الكلمات المخاتلة ، ويؤسس نصه بحثا عن (مرابط الأفراس) . وربما كان هذا هو السبب في أن يصدر الديوان بــ 17 قصيدة فقط خلال ربع قرن من الزمان . ويحذف الشاعر أو يحتفظ بالكثير لنفسه . والقارئ في نصوص محمد مدني يقع على شعر مشغول بعناية و يتحرك في مساحة تعبيرية تبدأ بهاجس النضال ولا تنتهي في الهوية الناقصة ، والحب الملتبس ، وهجاء العالم . وهي ميادين خطابية بامتياز ، لكن الشاعر ينتصر في الكثير منها للنص . أي أن القصيدة تثري فضائها الذي تندغم فيه تيمات إبداعية تفتح منافذ النص على الإيحاء والمخاتلة والنشيد . يقول الشاعر من قصيدة (صورة الحديد) ، التي أهداها للشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف :

    طالعا من ظلام الحديد
    إلى عمق هذا الخراب المديد
    اكتفيت بقنبلتين رقشتهما فوق كُمـّي
    كي ألتقي بالفتاة التي ضيعتني .

    فطريق النضال بحثا عن الحب الملتبس بالهوية الناقصة ، هو صورة لا تترك هامشا للمعنى الذي يلتبس أيضا في صرف الدلالة المتعينة للنص . وهو أمر يظاهر الإبداع في الكتابة الشعرية على نـَفـَس لا تقطعه مطبات التمدد الذهني . بل المعنى يرقى في تداعياته ليتوحد في شتى صور الدلالة . لذلك يكون البحث عن الحب ، بحثا عن الوطن المفقود . ولكن التعبير هنا ينطوي على مغامرة عدمية يعرف الشاعر طبيعتها ويقلب تأويل المعنى المعهود ليكشف عن فظاعة الدرب وتخومه الممددة في الخراب ، فيبحث عن الحب برغم القنبلتين اللتين لا تكفيان لإصلاح العالم ! .
    على أن هناك معنى أكثر حضورا ، فصورة الخراب التي تستدعي معان تتجاوز موضوعة الحرب تنطوي على اليأس الذي هو السبب الحقيقي (كما سنرى ذلك فيما بعد) للخروج من الظلام إلى الخراب . وعلى رغم صورة الموندراما المتداعية من اسم الفاعل (طالعا) بظلها الملحمي والبطولي . فإن الخروج الحقيقي هو الخروج إلى الحياة والحب . ونصوص الشاعر محمد مدني على مدار الديوان تحتفظ بغنائية تضمد الجراح بغناء يتجاوز اختلاس الفرح لتمجيد الحزن أيضا والعزاء على النكسات والخيبات في حياة توزعت عذاباتها بقدر غلاب دهس أمنيات الشاعر ، فيخرج صوته أحيانا عن حدود الغناء الشفيف إلى نبرة خطابية أشبه بالوصايا

    من لنا غيرنا يا يسار
    من لنا غير أن نحتمي بالجدار

    وتجربة النضال تحضر في شعره انعكاسا لحياة تسقط خطوطها المتقابلة . لكن هذا الحضور يوشك أن يؤشر على تعرجات بيانية لشعرية النص (وهذا لا يعني عوز الشاعر عن النسج الفني بقدر ما يحيل على الفروق النسبية لجمالية النص) . فالقصيدة في شعره تحوي بنية متعرجة لا تكف عن كشف هويتها بين الغناء و الغناء/ النواح

    دعونا نغني
    وهل قرب قاع القصيدة
    غير نواح

    هذا التقابل في دلالة الصوت الواحد يتحول إلى مجاز منسجم في ثنائية طبعت شعره بحيث يتجاور الهتاف والهمس ، والحزن والفرح والأنا والآخر في القصيدة .
    وتأتي الهوية الناقصة في شعر محمد مدني دون إشارة خطابية متعينة إذ يكفي الترميز عن الإفصاح الذي يقتل المعنى . بل تأتي في المكان والأنثى ربما للشعور بكيان واحد يستقطب هويتين للشاعر من غير تناقض في شعره بينما الأمر ليس كذلك في الخارج . ومن هنا يأتي المكان تعويضا عن الجزء الملتبس والناقص من صورة الهوية وصورة الأنثى (تتقمصني بالعشق عدوليس) ، مرفأ إرتري قديم ، . وكذلك تتقمص الأنثى وشم الهوية حين يكتب محمد مدني (النشيد الصامت لسيلاس) ليترك اسم الأنثى في أعلى القصيدة ، ويوغل في سفر الفصول الأربعة بحثا عن (سيلاس) التي يقاتل ظل قاتلها ، أو بالأحرى مغتصبها ، دون جدوى . لذلك يكتفي بالنداء العاثر :

    يا أنت
    يا فرحي الأسير .

    ثمة استعارة لخطاب ديني مقلوب ، أو مصروفا عن دلالته في نصوص محمد مدني ناشئ ابتداءً من منابت دينية (إذ أن والده من شيوخ الطريقة الختمية ومن عائلة (عد معلم) التي اشتغل تاريخها بالتدين) . لذا لا تنفصم ذاكرته عن استعادة ما لعبارات من بلاغة الخطاب الديني ذات توظيف متمرد يذهب بالنقل إلى سياق مختلف عن دلالته وأحيانا مناقض له :

    أفٌ لأُمي ألف أف للجميع
    ... أبي ، أولو الأمر ...

    أو حين يقول في لهفة إيروسية :

    هزي بجزعك إنني
    أشتاق أن ألقاك في وهج الجسد
    ....................................
    إنما الأعمال بالنيات / هاكم صفقوا
    بيتنا والحلم عيناها
    ونافذة صغيرة
    تلك حجتنا الأخيرة .

    ويستخدم محمد مدني صيغا خاملة للتنوين تعين عليها عامية سودانية فصيحة ، وهي ظاهرة تظهر أيضا في نصوص بعض الشعراء (عاطف خيري ــ الطيب برير) مثل قوله

    لا لكل اليشبهوك من بيوت
    وبنات وبلاد
    ......................................
    يا أيها الموت يا أيها الصرت منا

    ويوثق الشاعر لرفقة النضال بوفاء في نصوص كتب بعضها في ميدان المعركة وفي ظروف لامست جراحات خاصة في تجربة الفصائل الإرترية المتقاتلة . إلا أن نصه الرؤيوي : (أغنية لأطفال أ . ر ) " إرتريا " بالرغم من تاريخه المبكر 1978 يخترق رؤية تنبؤية للمستقبل تتعدد فيها الأصوات على طريقة محمود درويش في الحوار والحركة والتصوير . يتحاور الأطفال وهم يلعبون لعبة الحرب

    بيم ... بوووم .... باك
    ـ أنا حامد
    ـ أنا دبروم
    ـ ألم مسفن
    ـ وسعدية

    والرؤيا تأتي في النص من شقاء عميق بواقع النضال وإحباطاته لذلك فهي تنفذ ببصيرة الشاعر إلى المستقبل ، وتحيل على معنى إنساني يتجاوز الفرز الديني والعرقي الذي كان يؤجج تلك الصراعات الأهلية بين الثوار الإرتريين . ونلاحظ ذلك في أسماء الأطفال التي يوظفها الشاعر وفق رؤيته الإنسانية .
    ويستمر الحوار بين الأطفال حول تيمة القيادة التي كانت تغذي تلك الصراعات .

    ـ كن القائد
    ـ لماذا فلتكن أنت ؟
    ـ تريث إننا نلعب
    فإن زمانهم بائد
    ـ لأن زمانهم بائد
    سأرفض منصب القائد

    هكذا يبحث النص عن الخلاص في بدايات تتخلق في زمان جديد وأجيال أخرى بعيدا عن الواقع الأليم الذي لا مكان فيه لعشاق حبيبته الأسيرة ، لا في الحياة ولا في الممات سوى في ذات الشاعر الواقعة في المنزلة بين المنزلتين فهو واقع يعبر عن حاجة الشاعر للغناء والنواح تحت ظل قبر مفتوح يحمله باستمرار

    للعشق والعشاق مرثيتي وأغنيتي
    لقبر فوق ظهري يبتدرني
    كلما أزف الستار

    هكذا نعى محمد مدني تجربة النضال العاثر دون أن يدري ربما كان ينعي نفسه .
    وحين صرح محمد مدني عن سعدي يوسف كان محمود درويش هو الغائب الحاضر في الديوان ، بجامع الإحساس الشديد بالهوية الناقصة فضلا عن الغنائية الجياشة ، وضفر مفردات الحياة في موضوعة مركزية واحدة ، والنـَفـَس الملحمي للنصوص ، والتضمين والتجريب . وهو اشتراك يحيل على تناص شكل في كل من التجربتين تاريخا جماليا للنضال صنعته هوية ناقصة .






                  

العنوان الكاتب Date
الشعر ومجاز النبوءة .... قراءة في ديوان (نافذة لاتغري الشمس) للشاعر محمد مدني محمد جميل أحمد04-15-07, 10:01 PM
  Re: الشعر ومجاز النبوءة .... قراءة في ديوان (نافذة لاتغري الشمس) للشاعر محمد مدني عبد الله محمود04-15-07, 10:19 PM
    Re: الشعر ومجاز النبوءة .... قراءة في ديوان (نافذة لاتغري الشمس) للشاعر محمد مدني محمد عبد الله شريف04-18-07, 03:16 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de