كلمات صادقة نابعة من قلوب عاشقة لمن صدق وعده أنقلها لكم والتحية للعملاق وردي وللأخ هاشم كرار ولكم
مشاهد
عاد الحبيب1
لم أكن في مطار الخرطوم، أمسية أمس، أزاحم الحشود بالكتف والساق والقدم، أفجُّ طريقا لعينيَّ تلقيان نظرة، على المغني الفارع، إذ هو يهبط في تراب الوطن، بعد عشرة أعوام في الشتات. لم أكن هنالك، لكنّ للخيال ــ خيالي ــرجلٌ وأذنٌ وفم: رأيته، أول ما هبط، قعد.. قعد قعدة أقرب إلى السجدة، كان الوطن، الذي ما غاب عنه لحظة في الشتات، في تمام حضوره البهي، حضوره المادي..كان ملء روحه، وخاطره.. ملء ذهنه وقلبه وحواسه كلها.. رأيت صوته الفارع، يشرئب من كيانه كله: في حضرة جلالك يطيب الجلوس. مهذّب أمامك.. يكون الكلام! وقف... اقتربت منه: القامة فارعة، كصاري المركب، برغم أنه تجاوز السبعين بكثير، الغضون والتجاعيد التي ملأت وجهه لا تقول إنه قد أمعن في الشيخوخة، وإنما تقول فقط هذا بعض من عذابات المغني! رأيت في عينيه دمعة.. فيضا من دموع. لم تكن كل هذا الدموع، دموع فرح.. أقسمت له بذلك، قبل أن أردف: وردي.. يبدو لي، أنك تستشعر في هذه اللحظة المهيبة، فرحا ناقصا! كانت الحشود، التي تزاحمت لاستقباله التاريخي، تلوّح بالصورة ــ صورته ــ وباللافتة، والشعار، كانت تغني.. وتغني: حنبنيهو.. حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي وطن صامد.. وطن عاتي وطن خيِّر.. ديمقراطي.. مدّ وردي عينيه المجهدتين، كان ليل الخرطوم الذي عسعس بالدبابة والكذبة والبيان رقم 1، في العام 1989، لا يزال يعسعس. اربدَّت ملامح وردي، قبل أن يجيئني صوته، وفيه فيض من نهنهات، وفيوض من دموع: ــ كيف يا صديقي يكون فرح عودتي في تمامه، وأنا إذ أهبط، بعد كل هذا الشتات، في الوطن، لا أمدّ في شأو صوتي: أصبح الصبح، ولا السجن.. ولا السجّان.. باق وإذا الفجر جناحان، يرفان عليك.. وإذا الحزن الذي كحّل هاتيك المآقي.. فرحة نابعة.. من كل قلب يا بلادي!
اقتربت منه أكثر، وكان ليل الخرطوم، الذي لا يزال يعسعس، تتزاحم فيه العيون، والآذان، ويتزاحم فيه العسس، سألته بصوت خفيت: ــ إذن، قل لي يا وردي.. لماذا عدت.. لماذا؟ تلفّت.. وجاءني صوته هو الآخر، خفيتا جدا: ــ سأقول لك كلاما، ليس للنشر! ــ هيا، قل يا وردي.. قل! شعرت كما لو أنه، راح يتحسس كليتيه المعطوبتين، قبل أن يقول: ــ جئت.. أبحث لي بين كل هذي القبور عن....قبر! لم أشأ أن أقول له: يا راجل... أهو أنت ما تزال صحتك بُمب. فقط.. أزحت سريعا عبرة حاولت أن تسد مخارج الكلام، وقلت له بصوت، أقسم أن مئات الآلاف التي تزاحمت لاستقباله، شاركتني فيه: مثلك يا وردي، لا يُحفر له قبرُ.. لا.. لا..لا!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة